العنف المسلح في غزة والضفة..لماذا ازدواجية المعايير؟

علاء مطر

صحيح أنه لا علاقة أو معرفة شخصية بين الصحافية الفلسطينية شذى الصباغ، التي ارتقت قبل أيام قليلة أمام منزلها في مخيم جنين بالضفة الغربية، وبين الصحافية اسلام حجازي التي ارتقت في غزة قبل ثلاثة أشهر تقريبا.

وصحيح، أنه لا علاقة بين شذى الشابة ذات الواحد وعشرين ربيعا وبين اسلام الشابة التي تصغرها بقليل، لكن كلتيهما تعرّضتا إلى مظلمة أودت بحياتهم في الضفة وغزة، وهذا أمر متفق عليه بلا شك، لكن الاختلاف الوحيد بينهم، هو الضجة الإعلامية التي رافقت كل منهما، فالأولى نالت حصة الأسد من الاتهامات غير اللائقة للأجهزة الأمنية بجنين التي لم يثبت حتى الآن أنها السبب في مقتلها، ومواقع التواصل الاجتماعي لم تهدأ وهي تطالب بمحاسبة المسؤولين عن مقتلها، لكن الناشطة حجازي التي قتلت في غزة برصاص أبناء حماس، وتم تبرير الأمر آنذاك بأنه تشخيص خاطئ فقط، رغم أن الكل رأى من قام بتلك الجريمة، لم نجد ضجة كبيرة كتلك التي نالتها شذى، الأمر الذي يثير الريبة والقلق، حول السبب الحقيقي وراء هذه التفرقة في الدماء بين رخيص وغالي؟

نعم، لا توجد علاقة بين الشابتين لكن عائلة كل واحدة منهما اتهمت الأجهزة الأمنية في منطقتهما بما لحق بابنتيهما، اللتين كانتا تتقدان حيوية وعطاء في عملهما الصحافي، الأولى تحت الاحتلال واقتحاماته المتكررة لجنين بين فترة وأخرى، والثانية تحت قوانين حمساوية لا ترحم، وجعلت الجميع يصمت غصبا عنه، الأمر الذي خلق مناخا من التضييق على الغزيين الذين يعانون الويلات ثم الويلات.

إن أكثر وأعمق التعقيدات في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ليس الاحتلال فقط، إنما الوضع الداخلي الفلسطيني، حيث تتشابك السياسة مع القضايا الأمنية والاجتماعية، ومن بين هذه القضايا، يبرز العنف المسلح الداخلي، سواء في غزة أو الضفة الغربية، والذي يتجلى في تجاهل صارخ لحياة الأبرياء، نساء ورجالا على حد سواء.

إن مقتل الشابة إسلام حجازي في غزة على يد شرطة حماس قبل أشهر، يُظهر إشكالية كبرى تتعلق بالاستخدام المفرط للعنف وقمع الأصوات المعارضة. لكن اللافت هو غياب التغطية الإعلامية المكثفة لهذه الحادثة مقارنة بمقتل شذى الصباغ في جنين، فما حدث مع حجازي هو مأساة ليست الأولى من نوعها في قطاع غزة، حيث بات القمع والاعتداء على الحقوق جزءا من المشهد اليومي. إلا أن ما يثير التساؤلات هو غياب الزخم الإعلامي الذي يُخصص عادة لمثل هذه القضايا في أماكن أخرى. فهل يتم التعامل مع قطاع غزة كمساحة مستثناة من معايير الحقوق الأساسية بسبب التعقيد السياسي؟

تؤكد هذه الحادثة أن هناك حاجة ماسة لمساءلة داخلية حول السلوك الأمني وممارسات الأجهزة التنفيذية. مع ذلك، لا نجد صوتا كافيا من المنظمات الحقوقية الدولية، التي غالبا ما تتحدث عن انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي، لكنها تتجاهل قضايا العنف الداخلي.

أما بالنسبة لمنظمات حقوق المرأة، فإن صمتها حيال العنف الداخلي يثير تساؤلات خطيرة. النساء في غزة والضفة الغربية يعانين من تبعات هذا العنف بشكل مضاعف، سواء كنّ ضحايا مباشرة أو شاهداً على مقتل ذويهن وأحبائهن.

فالمعروف بأن المنظمات النسوية غالباً ما تسلط الضوء على قضايا تتعلق بالمساواة أو جرائم الاحتلال، لكنها تتردد في تناول الانتهاكات التي تحدث بأيدي أطراف فلسطينية. لماذا يتم التغاضي عن العنف الذي يمارسه المسلحون أو الأجهزة الأمنية ضد النساء والأبرياء؟ هل تخشى هذه المنظمات من انتقادات سياسية أم أنها تنتقي القضايا التي تتماشى مع أجندات دولية؟

صحيح أن المجتمع المدني الفلسطيني، بما في ذلك المنظمات الحقوقية والنسوية، يقع تحت ضغط شديد في ظل القيود السياسية والمجتمعية، إلا أنه لا يمكن التغاضي عن مسؤوليتها في توثيق هذه الانتهاكات والدعوة لوقفها، وتُعيد تقييم أولوياتها وأن تكون أكثر جرأة في تناول القضايا التي تمس حياة المدنيين. كما يجب أن يكون هناك تنسيق بين المؤسسات الحقوقية المحلية والدولية لضمان تسليط الضوء على جميع أشكال العنف، بغض النظر عن مصدره.

الحقيقة، هي أن المسلحون في غزة لا يختلفون عن المسلحين في الضفة الغربية في أساليبهم وتجاهلهم لقيمة الحياة الإنسانية، فقضايا مثل مقتل إسلام حجازي تُظهر الحاجة الملحّة لإعادة النظر في دور الإعلام والمجتمع المدني في توثيق هذه الانتهاكات والتصدي لها.

إن النضال من أجل الحرية لا يمكن أن ينجح ما لم يترافق مع احترام حقوق الإنسان، بغض النظر عن الجنس أو الموقع الجغرافي أو الجهة المسؤولة عن الانتهاك. فالصمت عن مثل هذه القضايا ليس حيادا، بل هو مشاركة في إدامة الظلم. لكما الرحمة والمغفرة يا شذى ويا اسلام.. والله الالم والقهر واحد، والدم واحد، ولكن يبقى السؤال لأصحاب الاقلام الصفراء.."لماذا التفرقة في الدماء بين غزة والضفة؟".