علاء مطر
لا يخفى على أحد في الشعب الفلسطيني أن ما يحدث في جنين منذ أكثر من أسبوع، ليس تصرفات فردية، بل إن ثمة من يحرك بعض المسلحين هناك ضد السلطة الفلسطينية والأجهزة الأمنية، وأن هناك أصابع خفية دعمت في السابق انقلابا في قطاع غزة وتريد فوضى الآن في الضفة الغربية، هذا أمر لا يوجد شك فيه ولا جدال، فالأمر واضح وضوح الشمس، لأن الناس باتت تدرك أن الاشتباكات المسلحة مع السلطة ليست نتيجة للحرب على فلسطين، بل نتيجة لمحاولات عناصر متطرفة مثل حزب التحرير وداعش لخلق الفوضى، فالمسلحين هناك لا يريدون دولة فلسطينية بل يريدون خلافة إسلامية ولهذا فإنهم مستعدون لتدمير فلسطين من أجل عيون المحور الإيراني في المنطقة.
ولطالما هاجمت الرئاسة الفلسطينية وحركة فتح، إيران أكثر من مرة، واتهمتها بالتدخل في الشأن الفلسطيني ومحاولة جلب حروب وفتن وفوضى بالضفة الغربية على غرار ما جرى بغزة، في الوقت الذي لا تريد السلطة أي مواجهة مع إسرائيل حتى بعد حرب 7 أكتوبر التي عمقت من أزمتها الوجودية إلى حد ما، إلا أن مكابرة وعناد هؤلاء المسلحين ووقاحتهم أجبرت قادة السلطة الدخول في معركة "نكون أو لا نكون"، واستبعد أن تستسلم أبدا ويبدو أن مخيم جنين سيكون قريبا ضمن دولة القانون وبعيدا عن الفوضى.
وفي مفارقة لافتة، ففي الوقت الذي تعاني فيه السلطة من حصار إسرائيلي سياسي ومالي والسعي إلى تفكيكها، إلا أنها متهمة من البعض الفلسطيني بمساعدة إسرائيل على مواجهة المسلحين في الضفة ومنع العمليات، الأمر الذي جعل السلطة تراعي الظروف المعقدة، ولا تريد أن تظهر في مواجهة أي أحد في وقت الحرب. ومشكلة السلطة الرئيسية أنها متهمة بالعجز في مواجهة إسرائيل، والتقصير في إدارة شؤون الفلسطينيين الداخلية مثل الأمن وانتظام الرواتب وحل مشاكل التعليم والصحة والمرور وتقوية الاقتصاد.
لكن رغم ذلك، فإن المواطنين في جنين يرون بأن المسلحين الذين يشترون السلاح من جهات مشبوهة أصلا وبمال إيراني بحت، لا يمكنهم أن يكونوا مؤمنين على الشعب والقضية الفلسطينية وأن هدفهم الحقيقي هو خلق فوضى في الضفة، وهو ما يعكس تعقيدات الوضع في الضفة الغربية، حيث تتداخل الأجندات السياسية والإيديولوجية مع الواقع الأمني والاجتماعي.
ويُنظر إلى هذه الاشتباكات من زوايا مختلفة، فبالنسبة للبعض، هي نتيجة رفض سياسات السلطة الفلسطينية أو ضعفها في مواجهة الاحتلال. ولكن هناك أصوات، كما أشرت، ترى أن جماعات متطرفة مثل حزب التحرير أو تيارات أخرى تحاول استغلال الوضع لفرض أجندتها الخاصة، بما يتعارض مع مشروع الدولة الفلسطينية.
والاتهامات بأن إيران تدعم بعض المسلحين في الضفة الغربية بالمال ليست جديدة، فالدولة الفارسية تُعرف بدعمها لجماعات مسلحة في المنطقة، مثل حماس والجهاد الإسلامي، بهدف توسيع نفوذها الإقليمي ومواجهة إسرائيل. إذا صحّت الادعاءات بأن مسلحين في جنين يتلقون دعماً إيرانياً، فقد يعني ذلك أن الهدف ليس فقط مقاومة الاحتلال بل خلق حالة من الفوضى تعزز أجندات إقليمية.
وإذا كانت هناك جهات تعمل من أجل إقامة “خلافة إسلامية” بدلاً من دولة فلسطينية، فهذا يشير إلى انقسام داخلي عميق بين الفصائل الفلسطينية حول الهدف النهائي للقضية الفلسطينية. هذه الأجندات قد تؤدي إلى صدامات إضافية بين السلطة الفلسطينية والجماعات المسلحة، وربما تضعف الموقف الفلسطيني الموحد.
بالإشارة إلى أن "المسلحين ليسوا فعلاً من أجل فلسطين" تعكس حالة الإحباط الشعبي، خاصة إذا شعر الناس أن المعاناة اليومية يتم استغلالها من قِبَل أطراف داخلية أو خارجية لأغراض لا تخدم القضية الوطنية.
الحقيقة، هي أن الواقع في الضفة الغربية معقد للغاية، ويشهد تصاعداً في التوترات بين مختلف الأطراف، فإذا استمرت هذه الانقسامات، فقد يؤدي ذلك إلى إضعاف النضال الفلسطيني بشكل عام، ويفتح الباب أمام تدخلات خارجية تزيد من تعقيد المشهد،، فهل يعي هؤلاء المسلحون خطورة ما يقومون به؟ أم أنهم سيدركون متأخرا وحينها سيكون قد "وقع الفاس في الراس"؟؟