اتخذت الحكومة الإسرائيلية قرارًا حاسمًا بفرض حظر كامل على دخول العمال الفلسطينيين إلى داخل الخط الأخضر بعد انطلاق الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. ورغم الإعلان عن ذريعة أمنية لهذا القرار، لكن مع ذلك، يكمن في جوهر القرار مبررٌ أيديولوجي، أحد مكوناته الانتقام. والآن، بعد نحو 15 شهرًا من هذا القرار، وجدت "إسرائيل" نفسها مضطرة للنزول عن الشجرة.
وكان الحظر الإسرائيلي على دخول العمال جزءًا من مساعي تحقيق أحد أهداف "خطة الحسم" التي تأتي في صلب البرنامج السياسي لحزب الصهيونية الدينية، الذي يقوده وزير المالية الإسرائيلي المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، وهو ذاته المسؤول عن الإدارة المدنية الإسرائيلية في الضفة الغربية. والحديث هنا يتعلق بإجبار الفلسطينيين، بغض النظر عن أماكن سكنهم في فلسطين، على مواجهة سلسلة من الأزمات الاقتصادية التي تقودهم إلى العوز، وبالتالي تدفعهم للهجرة.
غير أن الحظر الإسرائيلي للعمال الفلسطينيين أدى إلى تفاقم الأزمة في قطاع البناء داخل الخط الأخضر، الذي كان يعتمد بشكل كبير على العمال الفلسطينيين، الذين بلغ عددهم 333 ألف عامل وفقًا للبيانات الرسمية قبل الحرب على غزة. ورغم محاولات الحكومة الإسرائيلية لتعويض النقص في العمالة من خلال استقدام عمال أجانب، إلا أن هذه المحاولات لم تكن كافية لسد الفجوة بشكل كامل، مما أدى إلى استمرار أزمة نقص العمالة.
وأمام هذه الأزمة، أطلق مركز الحكم المحلي، كما ورد في جلسة الكنيست يوم الإثنين 23 كانون الثاني/ديسمبر، خطة جديدة تهدف إلى إعادة العمال الفلسطينيين الذين يحملون تصاريح عمل إلى مواقع البناء داخل الخط الأخضر.
وتتلخص أهداف الخطة التي لم يُعْلَن عن سقف زمني لتنفيذها في تنشيط قطاع البناء، وتحقيق تقدم في مواجهة أزمة الإسكان في "إسرائيل"، بما في ذلك توفير وحدات سكنية ومرافق عامة مثل المدارس.
وتتضمن الخطة إجراءات أمنية مشددة على العمال الفلسطينيين، ومنها: استخدام أساور تتبع إلكترونية لمراقبة حركة العمال بشكل مستمر، ونقلهم عبر شركات متخصصة مع مرافقة أمنية، والعمل في مواقع مُسيَّجة، مع فرض قيود على خروجهم من المواقع التي يعملون بها، إلا في ظروف معينة وبإشراف أمني.
وتهدف الخطة إلى تقليص دخول العمال غير الحاملين للتصاريح من الضفة الغربية إلى الخط الأخضر، وبالتالي تقليل المخاوف الأمنية بتنفيذ هؤلاء عمليات.
ويعتقد القائمون على الخطة في "إسرائيل" بأن لها فوائد اقتصادية كبيرة، مثل توفير حوالي 5.5 مليون شيكل سنويًا مقارنة بتوظيف العمال الأجانب. والخطة المقترحة ستخضع للتجربة في بعض المناطق أولًا، من خلال اختيار عدد محدود من العمال الذين يحملون تصاريح عمل وإخضاعهم للإجراءات الأمنية من أجل اختبار فعاليتها، وتقييم تأثير دخول العمال من الضفة على حل أزمة نقص العمالة في قطاع البناء.
وتُعدّ أزمة نقص العمالة في قطاع البناء الإسرائيلي أشدَّ تعقيدًا منها في قطاعات أخرى، حيث كانت العمالة الفلسطينية تشكل حوالي 80 في المئة من القوى العاملة في هذا القطاع. ومع اندلاع الحرب على غزة، قررت الحكومة فرض حظر كامل على دخول العمال الفلسطينيين، مما أدى إلى تباطؤ المشاريع الإنشائية. ورغم محاولات حكومة الاحتلال لاستقدام العمال الأجانب من عدة دول، مثل الهند والصين وأوكرانيا، إلّا أنّ هذا لم يكن كافيًا لسد الفجوة الكبيرة في سوق العمل.
ويُمكن تلخيص فشل سياسة استبدال العمال الفلسطينيين بالعمال الأجانب في ثلاث نقاط أساسية، وهي: الصعوبات في التواصل بسبب اختلاف اللغة، مما يؤثر سلبًا على سير العمل وجودته. والأجور المرتفعة التي يتقاضاها العمال الأجانب مقارنة بالعمال الفلسطينيين، إضافة لتكاليف أخرى تتعلق بكونهم قادمين من الخارج. هذا عدا عن أن القلق من الحرب دفع الكثير من العمال إلى مغادرة العديد من العمال الأجانب.
وأدى نقص العمال وتباطؤ قطاع البناء إلى زيادة أسعار الشقق والإيجارات في "إسرائيل"، مما أثر بشكل كبير على الطبقات المتوسطة والمحدودة الدخل، فلم تعد العائلات الإسرائيلية قادرة على تحمل تكاليف السكن، وهذا ساهم في ارتفاع الضغط على حكومة نتنياهو لتوفير حلول فورية. ومن هنا، ظهرت دعوات من قبل شركات البناء لتسهيل منح تصاريح العمل للعمال الفلسطينيين، مع ضرورة اتخاذ إجراءات أمنية تضمن سلامتهم.
وأدى نقص العمال وتباطؤ قطاع البناء إلى زيادة أسعار الشقق والإيجارات في "إسرائيل"، مما أثر بشكل كبير على الطبقات المتوسطة والمحدودة الدخل، فلم تعد العائلات قادرة على تحمل تكاليف السكن
ونتيجة لهذه الأزمة، أيَّدت لجنة الداخلية وحماية البيئة في الكنيست مقترح تسهيل تصاريح العمل للعمال الفلسطينيين وتوفير ظروف آمنة لهم. كما بحثت إمكانية إيجاد حلول للأزمة السكنية التي تعانيها العديد من المدن، إضافة إلى تزايد أسعار العقارات، مما يهدد استقرار الوضع الاجتماعي والاقتصادي.
ويتطلب إنجاح الخطة المقترحة تنسيقًا بين السلطات الإسرائيلية والسلطات الفلسطينية، لضمان تيسير حركة العمال وتوفير القوة العاملة اللازمة في قطاع البناء، بما يساهم في تسريع عمليات البناء وتخفيف الضغوط على السوق العقاري الإسرائيلي.