بيان الفصائل يستثني "فتح" ويواجه الرئيس!!

28fd4b412c414fe693e19724998cbf3a_18.webp

علاء مطر

من أكثر ما يلفت النظرَ في بيان الفصائل الفلسطينية الذي صدر أمس الاثنين، والذي وزَّعته وكالات محسوبة على حركة حماس، هو ما جاء فيه بأن الفصائل سلمت مصر قائمة بأسماء المرشحين لرئاسة وعضوية لجنة الإسناد المجتمعي لإدارة غزة، وأن ذلك جاء بعد لقاءات مكثفة بين قيادات حماس وعدد من الفصائل وشخصيات مستقلة، رغم أن حركة فتح لم تذكر في البيان نهائيا، وأن الاجتماع كان فقط بين حركة حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية، وكأن حركة فتح غير موجودة، رغم أن الاتفاق بين حماس وفتح هو أن اللجنة ستكون من شخصيات بعيدة كل البعد عن الفصائلية، وكأن البيان "مفصول عن الواقع"!!

ظهر القفز الأكبر على الواقع في تجاهل البيان للرئيس الفلسطيني محمود عباس، والذي هو بالمناسبة غير راض ولا موافق على تشكيل اللجنة حتى هذه اللحظة، لأنه يعرف تماما نوايا حركة حماس جيدا، وأن هدفها هو إقصاء السلطة الفلسطينية والحكومة برئاسة محمد مصطفى من القطاع نهائيا؛ بينما اكتفى البيان بالتذكير بالآثار الناتجة عن العدوان الاسرائيلي على غزة، متجاهلا مرة أخرى من كان سببا في هذا العدوان من الأساس، ومن كان سببا في تدمير قطاع غزة عن بكرة أبيه، وهنا اتفق مع الرئيس بأن من كان سببا في ذلك، فلا يحق له أبدا أن يبدي رأيه من الأساس في حكم القطاع بعد انتهاء الحرب، لا من قريب ولا من بعيد، وأن منظمة التحرير والحكومة الفلسطينية هي الجهة الوحيدة المكلفة بهذا الأمر، سواء قبلت حماس وإسرائيل ذلك أم لم تقبله.

وهو ما كان يستدعي – على الأقل كما يفعل أي نظام سياسي يحترم نفسه – دعوة حركة حماس الحكومة الفلسطينية في الضفة الغربية الى استلام مهامها بشكل كامل في غزة وتوحيد الجهود والطاقات في مواجهة العدوان واستحقاقات المرحلة الراهنة.

لقد قام العدو بتشكيل حكومة طوارئ ومجلس للحرب، بالرغم مما يملكه من إمكانات هائلة وتحالف عالمي يقف خلفه؛ أما قيادة حماس فبقيت تعاند في اليوم 445 للحرب، وتكابر في رأسها، وتتجاهل كل الجهود الرامية إلى لمّ الشمل الفلسطيني؛ وفضلت أن تُشكّل لجنة لا أساس قانوني أو وطني لها وفق الاعتبارات والمعايير الوطنية الفلسطينية، لتكون جاهزة فقط لوقف العدوان، وإعادة الاعمار، أما على الأرض فتبقى حماس هي التي تمسك بزمام الأمور، وهذا النموذج قد جربناه أيام حكومة رامي الحمد الله بعد عدوان 2014 الماضي.

آنذاك، وصل الأمر بحكومة الأمر الواقع التابعة لحماس في غزة، إلى رفض بعض وكلاء الوزرات تسليم الوزارة إلى الوزير المكلف بهذا الأمر، وبقيت تماطل وتماطل إلى أن بدأ الاعمار يعود الى القطاع، فلغت الحكومة نهائيا واعادت اللجنة الإدارية التي كانت تدير القطاع مرة أخرى.

أما ما يصيب المتابع بالغثيان، فهو أن يأتي بيان ثلاثي آخر من حماس والجهاد والجبهة، ليتحدث عن ما يسميه "صون الدم الفلسطيني" في مخيم جنين، الذي تقيم فيه الأجهزة الأمنية حملة ضد الخارجين عن القانون، واعتباره أولوية قصوى وخط أحمر، وإن الحفاظ على وحدة الصف الفلسطيني وضمان عدم الانجرار نحو الفتنة الداخلية يُمثّل واجباً وطنياً ومسؤولية كبرى تقع على عاتق الجميع.

ويبرز الانفصال عن الواقع، عندما تحدث البيان لغة غير لائقة بالسلطة الفلسطينية عندما اتهمها بمواصلة التنسيق الأمني مع إسرائيل في ظل الحرب على غزة، واتهامها بأنها تحارب المقاومة في جنين! والفصائل تعلم أن قرار السلطة واضح، أن الحملة تستهدف الخارجين عن القانون، وأنها تريد الحفاظ على دماء شعبنا، وعدم جر الضفة الغربية إلى ما جرى في قطاع غزة، وكان على من كتبوا بيان حماس والفصائل أن يعلموا أن "من بيته من زجاج لا يرمي الناس بالحجارة"!!

لكن على الجانب الأخر، يجب التأكيد على أن هذه هي سياسة حماس، التي "تهرب دائما للأمام ولا تتراجع"، ورغم حالة الجوع والأزمة الإنسانية والغضب الشعبي العارم في قطاع غزة، لكن الحركة "لا تشغلها تلك الأمور وتعتبرها ثانوية، وضريبة لابد منها"، فحماس وحلفائها، أصحاب مصالح خاصة وأهداف شخصية ومرتهنين بأجندات خارجية، فدمروا قطاع غزة والقضية الفلسطينية.

ولذلك تطالب حماس "الناس بالتحمل حتى تنتهي الحرب"، لأن الحركة ترى أن الأمور سوف تتغير لصالحها، وسوف يكون لديها دورا في تشكيل مستقبل فلسطين ما بعد الحرب، وإدارة الشأن الفلسطيني بشكل عام، ولكن نسيت أو تناست أن ما يحدث يسئ للقضية الفلسطينية، وهناك حاجة لـ"توافقات وطنية حول كافة القضايا"، الموضوع لا يتعلق فقط بـ"الحكومة".

الموضوع يتعلق بمستقبل "القضية الفلسطينية" برمتها، وهناك حاجة ماسة لـ"وحدة وطنية شاملة"، وإذا بقت الأمور على ما هي عليه والخلافات قائمة، فلن يتم توحيد "قطاع غزة والضفة الغربية".

إن استمرار الانقسام، يعني "ضياع فرصة إقامة دولة فلسطينية مستقلة"، رغم أن هذا الخيار أصبح أكثر واقعية بعد حرب غزة، ويجب على حماس أن تقتنع أنه إذا لم يلتئم الفلسطينيون في إطار محدد، ويتخطون "الانقسامات"، فالشعب والقضية الفلسطينية ستبقى أمام "مأزق حقيقي"..فلتنته الحرب ولتعود حماس الى رشدها أو فلتذهب الى الجحيم أو إلى مرشدها في طهران!!