توقع خبراء أن تقود الخلافات داخل حزب المؤتمر الوطني بالسودان، إلى تسليم القيادي أحمد هارون إلى المحكمة الجنائية الدولية التي تتهمه بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور.
ويمر حزب المؤتمر الوطني، الذي كان حاكماً للسودان في عهد الرئيس السابق عمر البشير، بخلافات عميقة، في أعقاب تنصيب أحمد هارون رئيساً للحزب، وسط رفض مجموعة أخرى يقودها إبراهيم محمود حامد.
وتلاحق الحزب الذي تم حله عقب سقوط نظام البشير في عام 2019، اتهامات بإشعال وتأجيج نيران الحرب المستمرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، من أجل فرض واقع جديد يقبل بوجود الحزب في المستقبل السياسي السوداني.
غير مستبعد
ولم يستبعد المحلل السياسي، عمر محمد النور، أن يقوم بعض قيادات حزب المؤتمر الوطني بالتواصل مع المحكمة الجنائية الدولية وغيرها من الجهات ذات الصلة، من أجل تسليم المطلوب أحمد هارون، بعد تحديد مكان تواجده داخل السودان.
وقال النور لـ"إرم نيوز" إن تاريخ جماعة حزب المؤتمر الوطني، مليء بأحداث الوشاية بإخوانهم وبيعهم نتيجة تقاطع المصالح بينهم، مشيراً إلى ما حدث من قبل في عهد الرئيس السابق عمر البشير حينما سلم مدير جهاز أمنه صلاح قوش، المخابرات الأمريكية "السي آي إيه"، جميع ملفات الجماعات الإسلامية المطلوبة لواشنطن، رغم أنهم جاؤوا إلى السودان بدعوة من نظام المؤتمر الوطني، وفق قوله.
وأضاف أنه "لذلك غير مستبعد أن تقوم المجموعات المتصارعة حالياً داخل حزب المؤتمر الوطني، بتحديد مكان وجود أحمد هارون والتواصل مع الأطراف المعنية تمهيداً للقبض عليه وتسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية".
وأشار إلى أن أحمد هارون مهدد من أكثر من جهة داخل حزب المؤتمر الوطني بالتخلص منه من خلال تسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية، مبيناً أن الرجل سيكون حملاً ثقيلاً على الجميع.
وتوقع النور أن تقوم المجموعة ذاتها التي تحالفت مع أحمد هارون، بتسليمه مستقبلًا إلى المحكمة الجنائية الدولية، لجهة أنها لن تتحمل كلفة وجوده على رئاسة الحزب، كما يمكن أن تساوم به على وضعيتها ما بعد الحرب، وفق قوله.
وأضاف أن "التحالف بين (القيادي علي) كرتي وهارون، مرحلي؛ لأن كلاً منهما يحتاج إلى الآخر في هذه الفترة، فالأول يملك المال والثاني لديه المقاتلون، لكن على المدى البعيد ستعود خلافاتهما السابقة إلى الواجهة وسيكون هارون الحلقة الأضعف فيها والضحية حينها"، على حد تعبيره.
إلى ذلك قالت مصادر لـ"إرم نيوز" إن أحمد هارون، نقل مكان إقامته من مدينة عطبرة إلى الدامر، في أعقاب الخلافات الأخيرة داخل حزب المؤتمر الوطني، بجانب تعرض مدينة عطبرة لسلسلة من الهجمات عبر الطائرات المسيرة، المجهولة المصدر.
وظلت مدينة عطبرة في ولاية نهر النيل شمال السودان، عُرضة لهجوم متكرر بطائرات مسيرة مجهولة المصدر، يستهدف المطار ومقر قيادة الجيش في المدينة، وسط دوي المضادات الأرضية ورعب السكان.
ونفت قوات الدعم السريع علاقتها بجميع الطائرات المسيرة التي هاجمت مدينة عطبرة، مشيرة إلى أن ذلك قد يكون ضمن الصراع داخل الجيش السوداني.
التيار الأقوى
من جهته قال المحلل السياسي، صلاح حسن جمعة، إن أحمد هارون يحتمي في الوقت الراهن بالتيار الأقوى داخل الحركة الإسلامية الذي يسيطر على قرار الحرب ويصرف عليه المال؛ ما يضعف احتمال تسليمه إلى الجنائية.
وقال جمعة لـ"إرم نيوز" إن "الإسلاميين مهما اختلفوا مع بعضهم البعض، فإن المصلحة الكلية التي تجمعهم هي استمرار الحرب؛ لأنها الوحيدة التي يمكن أن تعيدهم إلى الحكم بكل فصائلهم، ما يجعل احتمال تسليم هارون إلى الجنائية ضعيفاً إلا إذا أرادت ذلك قيادة الجيش فيمكنها التبليغ عن مكان تواجده وتسهيل إجراءات القبض عليه"، وفق قوله.
وأوضح أن هارون نفسه ظل حذراً في تحركاته، ربما لأنه لا يستبعد فرضية تسليمه إلى الجنائية، مشيراً إلى أن هناك معلومات عن تغيير مقر اجتماعات حزب المؤتمر الوطني الأخيرة إلى أكثر من موقع، عقب بروز الخلافات والانقسامات وسط الحزب.
وكشف جمعة عن توافد من يسمون أنفسهم بـ"المجاهدين" إلى مدينة الدامر بنهر النيل، هذه الأيام، للقاء مجموعة أحمد هارون، التي تتخذ من المدينة مقراً لإقامتها، من أجل التخطيط والترتيب لاستمرار الحرب.
وأشار إلى أن اتساع رقعة الخلافات داخل حزب المؤتمر الوطني، ستؤثر على موقف استمرار الحرب الذي يمثله قائد الجيش، مبيناً أن أنصار الحزب المحلول يملكون مقاتلين منخرطين الآن في الحرب.
وأضاف أن "الخلافات بينهم إذا وصلت إلى تسليم أحمد هارون للمحكمة الجنائية الدولية، فقد تحيد المقاتلين وربما تحول بنادقهم إلى بعضهم البعض"، وفق قوله.
وكان قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان حذر في وقت سابق من تأثير الخلافات داخل حزب المؤتمر الوطني، على معنويات المقاتلين، داعياً المتصارعين إلى تناسي الخلافات؛ لأن الوقت ليس للانقسامات، وفق تعبيره.
واتسع نطاق الخلافات على خلفية تنصيب أحمد هارون، المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية، رئيساً لحزب المؤتمر الوطني، بمساندة علي كرتي، وهو الآخر متهم رئيس بإشعال نيران الحرب الجارية في البلاد.
ووجد تنصيب هارون على رئاسة الحزب المنحل، معارضة واسعة من مجموعة أخرى يقودها إبراهيم محمود حامد، التي أعلنت عدم اعترافها برئاسة هارون، واعتبرت ما حدث انقلاباً على الحزب ومؤسساته.
وخلال الفترة الماضية بدأت مساعي التوسط بين المجموعتين من أجل نزع فتيل الأزمة، بيد أن المحاولات باءت بالفشل، وأصبح الحزب قاب قوسين أو أدنى من الانقسام.
واشترطت مجموعة إبراهيم محمود، خلال ردها على مساعي نزع الخلافات، إلغاء كل ما يتعلق باجتماع مجلس الشورى الذي انعقد بعطبرة، في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وأسفر عن اختيار أحمد هارون رئيساً للحزب، على أن يظل إبراهيم محمود رئيساً لحين انعقاد الشورى بالإجراءات الصحيحة، وفق بيان.
واتهم البيان "مجموعة علي كرتي وأحمد هارون" بتأجيج الصراع، حالياً، بدعم أحد الأطراف بأموالها وأجهزتها.