المرونة في المفاوضات.. ضرورة شرعية في غزة!

علاء مطر

لنكن متفقين أن الأصل في المفاوض المخوّل بعقد اتفاقية مع جهة دولية أخرى، هو إظهار نوعا من المرونة في إدارة العملية التفاوضية، بشرط ألا تمس هذه المرونة أو بمعنى آخر التنازلات الأصول والثوابت، التي يجب أن تعتبر أرضية ثابتة، لا ينال منها من قريب أو بعيد، وخير مثال التنازلات التي قبلها الرسول عليه الصلاة والسلام أثناء مفاوضته مع قريش في عاهدة الحديبية، التي ضج المسلمون منها في بداية الأمر، لكن تبين في النهاية حصافة النبي صلى الله عليه وسلم.

وبما أن حركة حماس هي المنظمة الإسلامية الفلسطينية الأصولية، وتعود أصولها إلى جماعة الإخوان المسلمين في مصر، أي أنها تتخذ الإسلام والدين لها ستارا لكل شيء، فإن الحديث معها هذه المرة سيكون من ناحية شرعية متسلحا بفتوى الشيخان سلمان الداية وعماد حمتو من قطاع غزة، وليس من عندي طبعا.

وما دفعني لكتابة هذا المقال، إلا الأخبار التي تتحدث عن وجود مرونة كبيرة لدى حماس هذه المرة في مفاوضات صفقة التبادل ووقف حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة المستمرة منذ 14 شهرا، فصحت مهللا: "وأخيرا راح عناد ومكابرة حماس وقبلت بابداء شيئا من المرونة، ليتوقف شلال الدم المتواصل في غزة المجروحة"، رغم أنني كنت متوقعا ذلك بعد انتهاء حرب لبنان، وقبول حزب الله بالكثير من البنود التي تعد هزيمة له، بعد الضربة الموجعة والاختراق الكبير الذي تعرض له.

نعم، توقعت أن تقبل حماس وتبدي كثيرا من المرونة، بعدما رأت أن حزب الله اللبناني قد وافق على أن يبقى الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان لمدة 60 يوما، وأن يكون الاتفاق تدريجيا وعلى مراحل، فهي ترى أن الحزب الذي كان يمتلك سلاحا وقدرات عسكرية أكبر بكثير منها وأضعافا مضاعفة، قد وافق على هذه البنود وقدم تنازلات من أجل حماية شعبه وحقن دمائه في لبنان، فقبلت حماس ببقاء إسرائيل في القطاع وتنفيذ الاتفاق على مراحل، وقبلت بأشياء كانت لو قبلت بها لتوقفت الحرب قبل 9 أشهر، ولحقنت دماء الآلاف من أبنائنا وحمت مدنا كاملة من الدمار، ولكن هي عنجهية ومكابرة وعناد قادتها، ولكن أن تأتي متأخرة خيرا من ألا تأتي بالمرة.

لقد انتهى الكلام والنواح في هذه النقطة، وأصبح غير مجديا وأصبحت المصيبة والكارثة التي أوقعتنا بها حماس من خلفنا، وهناك على الأرض مصائب كبيرة، والرأي للأسف ليس لمن يبصر بل لمن يحكم، فما قيمة الفتوى التي يصدرها العلماء الآن، والرأي لأناس لا يسمعون إلا من مفتيهم، فالنكبة كبيرة والسقوط مدوي للأسف، لذلك لابد من التأكد بأن المرونة التي ابدتها حماس باتت ضرورة شرعية لاستبقاء النفس البشرية في ظل الإبادة التي يتعرض لها قطاع غزة ليلا نهارا.

لو كان قادة حماس يستحضرون السيرة النبوية، لوجدوا أن المرونة البادية في موقف النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية لا تعد مرونة تمس العقيدة في شيء أو تطال مبدأ التوحيد أو تنال من الثوابت والأصول الشرعية، فعندما خرج الرسول والمسلمون في شهر ذي القعدة لأداء العمرة، سائقا الهدي ومحرما بالعمرة، ليثبت لقريش أنه يريد أن يدخل مكة عابدا ناسكا لا محاربا، فمنعت قريش المسلمين من دخول مكة وكان من آثار المعاهدة المنعقدة أن يرجع المسلمون، ويعودوا اليها في العام القادم، والتزام المسلمين برد من جاءهم من قريش مسلما، فالناظر في هذه

التنازلات من جانب النبي، لا تعتبر في حقيقتها تنازلات وانما تكتيك مرحلي، ومحققة مصلحة للمسلمين وذلك من خلال عقد هدنة لمدة عشر سنين، يتنفس من خلالها المسلمين الصعداء، وتقوى شوكتهم.