في الخمس سنوات الأخيرة، حاولت إسرائيل بشتى الطرق أن تُخضع مخيم جنين، مما دفعها لشن العديد من الحملات العسكرية على اهله في محاولة لكسر إرادة المخيم، تارة من خلال عملية اسمها "كاسر الأمواج" مرورا بأخرى تسمى "حديقة المنزل" وليس انتهاء بعملية اسمتها "جز العشب"، وفي كل مرة كانت آلة القتل الإسرائيلية لا تفرق بين فلسطيني وآخر، وأطلقت النار على ضباط الأمن الفلسطيني وهم على باب مقراتهم، ليختلط دم المقاومين بدم الضباط ورجال الامن على أرض جنين.
هذا الكلام جميعنا متفق عليه دون وجود أدنى شك بوطنية الطرفين المقاومين وضباط الأمن الفلسطينيين، فكلاهما دفع من دمه ثمن وطنه ومخيمه، لكن منذ أيام اختلط الأمر على عقول الكثيرين، ممن يتابعون الأخبار الواردة من المخيم، حتى وصل الأمر إلى تبادل لاطلاق النار بين المقاومين ورجال الأمن، وهو أمر مستهجن حقيقة، لكن من أجل الحقيقة والوصول الى نتيجة إيجابية، لابد أن نتفق على ضرورة التفريق بين أمرين خطيرين ومهمين: بين المقاومة وبين الخارجين عن القانون، فهذا أمر وذاك أمر آخر تماما، والتفريق بين ضباط ورجال الأمن الفلسطينيين، وبين من يتآمر على المقاومة لصالح إسرائيل، فهذا أيضا أمر وذاك أمر آخر تماما.
في الحقيقة، عانى الشعب الفلسطيني طوال أيام انتفاضته سواء الأولى أو انتفاضة الأقصى، من أناس "مأجورين" يحاولون أن يستجيروا بالمقاومة ليغطوا على جرائمهم، وهناك فئة أيضا تحاول ان تستجير بالسلطة لتغطي على مواقفها، ولذلك ومن أجل احترام عقولنا وبلدنا، نقول بأن من يقتل فلسطينيا ومن ينهب ومن يفسد في الأرض يجب ان يخضع للقانون ويقدم لمحاكمة عادلة.
لهذا وبالعودة الى أصل الخلاف وتصاعد التوترات في الأيام الأخيرة، بين أجهزة الأمن والمسلحين بمخيم جنين، يظهر لنا القليل من الحقيقة والكثير من التخوين، فالشبان يتهمون الأجهزة الأمنية باعتقال أفراداً منهم، في ظل اتهامات للسلطة بالتعاون الأمني مع إسرائيل، بينما تؤكد السلطة بأنها تعتقل أي خارج عن القانون مهما كان وصفه أو مكانته، دون أي تطرق لفصائل المقاومة، وهو ما زاد من التوترات بين الطرفين.
الموقف يعكس تعقيد العلاقة بين السلطة وفصائل المقاومة داخل المخيم، حيث تحاول السلطة موازنة التزاماتها السياسية أمام المجتمع الدولي مع التحديات الأمنية الداخلية.
ما حدث في جنين يُبرز الجهود المتزايدة من قِبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية لبسط الأمن وملاحقة الخارجين عن القانون في ظل بيئة شديدة التعقيد.
لكن ما أثار حفيظة الجميع، هو عثور قوات الأمن الفلسطينية على سيارة مفخخة كانت معدة للانفجار بين المدنيين داخل الأحياء السكنية بالمخيم، مما كان سيؤدي إلى كارثة إنسانية، ولولا حفظ الله ويقظة ضباط الأمن الذين تمكنوا من إحباط هذا المخطط، لوقعت الكارثة، ما يظهر خطورة التهديدات التي تواجهها الأجهزة الأمنية أثناء محاولاتها لتأمين المخيم وحماية السكان.
بالمناسبة، أحد المطلوبين الذي قُتل في العملية كان قد أثار جدلا سابقا بعد إصابة ضابط أمن بسبب منشور ضد إيران على فيسبوك. لم يكتف بذلك، بل ظهر لاحقاً في فيديو يهدد فيه كل من يعارض مواقفه المؤيدة لإيران. هذا السلوك يعكس تعقيد الصراع الداخلي داخل المخيم، حيث تختلط الأجندات السياسية بالإجرامية.
إن الأجهزة الأمنية استندت في هذه العملية إلى خبرة ضباطها الذين شاركوا في انتفاضة الأقصى، مما أتاح لهم التعامل مع الموقف بحرفية عالية. العملية كانت جزءاً من جهود شاملة لبسط الأمن في جنين، التي تواجه تحديات من قبل جماعات مسلحة تمارس أنشطة غير قانونية تشمل تجارة المخدرات واستخدام العنف لتحقيق أهدافه.
هذا التطور الدراماتيكي يعكس الصراع المستمر داخل المخيم بين محاولات السلطة لاستعادة السيطرة وبين التحديات الأمنية والسياسية التي تفرضها الأطراف المناوئة وخصوصا حركتي حماس والجهاد الإسلامي في المخيم، لكن هذا أمر لا يقلقني أبدا، فبعد 14 شهرا من حرب غزة، ومعرفة الحركتين حقيقتهم بعيدا عن الشعارات الرنانة بـ"سحق ودمار إسرائيل"، استطيع ان اكتب وانا مطمئن أن حماس والجهاد باتوا يعرفون حقيقتهم وحجمهم أمام السلطة الفلسطينية، فهم لم يصلحوا لحكم وإدارة شؤون مسجد، فكيف يمكن لهم أن يحكموا بلد ودولة.
إنها إحدى خدع حماس والجهاد، وقد شربها المواطن الفلسطيني وخصوصا في قطاع غزة وجنين، لأنهم جماعة عاشوا الوهم طوال السنوات الماضية وظنوا بأنهم قوة نووية في المنطقة وأن الجندي الإسرائيلي لا يمكنه الدوس على ارض القطاع، وأن إسرائيل لا تسطيع أن تفتح جبهتين من القتال، وكل ذلك ثبت خطأه!!!، فإذا كان غزة قد أكلت الطعم وتدمرت، أدعو الله ألا تذوق جنين وكل مدن الضفة أيا مما ذاقته غزة،، وأتمنى من حماس والجهاد الكف عن اللعب بعقول شبابنا هناك وأن تعيشهم الوهم مرة أخرى..