علاء مطر
الحقيقة الراسخة أمام حركة حماس هذا العام في ذكرى انطلاقتها الـ 37 هي أنها "في واد والشعب الفلسطيني في واد آخر"، هكذا يمكن اختصار المشهد، فبينما يعيش أكثر من 2 مليون مواطن فلسطيني في قطاع غزة في خيام النزوح، تنشغل قيادة الحركة في مصالحها الخاصة، وتصدر فتاوى لقمع المعارضين وسرقة الناس، دون النظر إلى حاجات الناس الذين يتعرضون لحرب مدمرة منذ أكثر من 14 شهرا على التوالي، بعد "طوفان حماس" في السابع من أكتوبر العام الماضي.
وبينما تقيم الحركة في ذكرى انطلاقتها في كل عام، مهرجانًا لحشد جماهيرها، وإظهار أنها الأقوى شعبيا وأن منافسيها لم يعودوا "أم الجماهير"، وتتصدر قيادتها المشهد بخطابات رنانة تتحدث عن “حرق وسحق إسرائيل”، كان هذا العام مختلف تماما، سواء على الناحية الجماهيرية أو ناحية وجود الحركة من الأساس في المشهد الفلسطيني، بعد تسببها في دمار شعب كامل وإرجاع القضية الفلسطينية برمتها إلى أكثر من مائة عام الى الخلف.
وفي ذكرى انطلاقتها الذي يوافق اليوم، تعود الحركة إلى الواجهة من خلال المهرجانات الضخمة التي اعتادت تنظيمها، حيث تحشد جماهيرها وتطلق شعارات ووعودًا رنانة. هذه الاحتفالات طالما اعتبرت جزءًا من استراتيجيتها لتعزيز شعبيتها وإظهار هيمنتها على المشهد الفلسطيني، وذلك عبر خطابات قيادتها التي تتحدث عن “حرق وسحق إسرائيل”، لكن بعد الأحداث المأساوية التي اندلعت في السابع من أكتوبر، يعيش أهالي غزة ظروفًا غير مسبوقة من الألم والمعاناة. مئات الآلاف من السكان اضطروا إلى مغادرة منازلهم بسبب القصف المستمر، وأصبحوا يعيشون في خيام أو ملاجئ مؤقتة، يفتقرون لأبسط مقومات الحياة من غذاء وماء وكهرباء. وفي ظل هذا الواقع المرير، يتساءل الكثيرون عن الدور الذي تلعبه قيادة حماس، التي تبدو بعيدة عن معاناة الناس اليومية.
وبينما يُتوقع من قيادة أي حركة مقاومة أن تقف إلى جانب شعبها في أوقات الأزمات، اختارت قيادة حماس الابتعاد عن المشهد الشعبي. العديد من التقارير والمقاطع المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي تشير إلى أن هذه القيادة منشغلة بمصالحها الخاصة، غير عابئة بما يمر به عامة الناس. ما زاد الطين بلة هو اتهامها بإصدار فتاوى تُبرر استغلال المواطنين وسرقتهم، وقمع كل من يعارض سياساتها بوسائل تصل إلى التكسير والقتل.
وفي السنوات السابقة، كانت احتفالات ذكرى انطلاقة حماس تُظهر مدى قوتها وسيطرتها، لكن المشهد الحالي يعكس تناقضًا صارخًا. كيف يمكن لحركة أن تحتفل وسط هذا الخراب؟ كيف يمكن تبرير إقامة مهرجان، في وقت يعيش فيه معظم سكان غزة بين الأنقاض؟
والذي ينظر إلى مواقع التواصل الاجتماعي، يجد الغضب الشعبي الذي بدأ يظهر جليًا. مقاطع فيديو وأحاديث كثيرة تعبّر عن رفض واسع لفكرة الاحتفال بذكرى الانطلاقة هذا العام، معتبرة أن الظروف لا تسمح بمثل هذه الفعاليات. يتساءل الكثيرون عن الرسالة التي تريد حماس إيصالها من خلال هذه الاحتفالات، وهل تعكس فعلاً واقع المقاومة أم أنها مجرد محاولة للتغطية على الفشل والتقصير؟
لقد تغيرت غزة بشكل جذري منذ السابع من أكتوبر. دُمّرت البنية التحتية، وتشرد الآلاف، وتفاقمت معاناة الناس إلى حد غير مسبوق. في ظل هذه الظروف، على قيادة حماس أن تُراجع حساباتها بجدية، وتتوقف عن استغلال شعارات المقاومة لتبرير ممارساتها، وتبدأ في تحمل مسؤولياتها تجاه شعبها.
إن الأزمات الكبرى مثل التي تمر بها غزة لا تحتمل الاحتفالات الجوفاء، بل تتطلب تواضعًا وتضامنًا حقيقيًا مع الناس. أما استمرار الانفصال بين القيادة والجماهير، فقد يؤدي إلى فقدان الحركة لما تبقى لها من شرعية.
لابد من قيادة حماس أن تتحلى بشيء من الحكمة والعقلانية، وأن تقتنع بأن المقاومة الحقيقية لا تُقاس بالخطابات الرنانة أو المهرجانات الكبرى، بل بمدى قربها من معاناة شعبها، ووقوفها معهم في أحلك الأوقات..فهل تترك حماس مجالا للعقل إن مان فيها عقلاء أصلا؟