يعيش سكان قطاع غزة مع استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية للعام الثاني على التوالي أزمة حادة في ما يتعلق بحصولهم على الخبز، جراء التحكم الإسرائيلي في المعابر وتقليص كميات المساعدات والبضائع الواردة ضمن سياسة التجويع التي ينتهجها منذ بداية الحرب في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.
ومع شح الكميات الواردة للمخابز في القطاع، فإن الكثير منها توقف خلال الفترة الأخيرة وعمل بالحد الأدنى من الطاقة الإنتاجية في ظل تعمد الاحتلال تقليص كميات الطحين الواصلة إلى القطاع أو استهداف المخابز، فضلاً عن منع إدخال الوقود اللازم لتشغيل المولدات الكهربائية اللازمة لتشغيل المعدات والآلات.
ضحايا طوابير الخبز في غزة
تسبب توقف الكثير من المخابز في بعض الأحيان ولجوء الفلسطينيين للاصطفاف في طوابير أمام المتبقية منها في حوادث مميتة جراء التجمع الكبير أمامها، كما حدث في مدينة دير البلح وسط القطاع قبل أيام حينما توفيت ثلاث نساء جراء التدافع للحصول على الخبز من أمام أحد المخابز، وفي واقعة أخرى، لقى شخصان مصرعهما وأصيب آخرون في المدينة نفسها بفعل إطلاق النار من أحد الباعة في المنطقة.
وتعاني المخابز من أزمة الوقود اللازم لتشغيل معداتها، حيث تعتمد بدرجة أساسية على ما يسمح الاحتلال بتوفيره من خلال الأمم المتحدة والجهات الدولية، وهي كميات تكفي للتشغيل اليومي فقط من دون أن تضمن المخابز فرصة التشغيل الدائم.
ويتنقل الفلسطينيون بين القصف والدمار بشكل يومي للحصول على كميات محدودة من الخبز، لا تكفي لسد رمقهم في ظل تعمد الاحتلال تجويعهم والإبقاء على هذه السياسة المستمرة منذ بداية حربه على القطاع.
وتوقفت غالبية المخابز عن العمل بعد أسابيع قليلة من بداية الحرب جراء قطع الاحتلال التيار الكهربائي عن غزة ومنعه إدخال الوقود، فيما سمح لاحقاً بعمل عدد محدود منها باشتراطات وبرقابة غير مباشرة وبتحكم شديد من خلال الكميات التي يسمح لها بالمرور من الطحين عبر المنظمات الدولية، مثل برنامج الغذاء العالمي أو وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، ما تسبب في ارتفاع أسعار الخبز في كثير من الأحيان.
ورغم التحذيرات المتصاعدة التي أطلقها برنامج الغذاء العالمي بشأن التجويع والمطالبات الحقوقية بإعلان المجاعة العامة في غزة، إلا أن الاحتلال لا يزال يمارس أسلوب التجويع بشكل ممنهج عبر سلسلة من السياسات التي ينتهجها مع سكان القطاع البالغ عددهم 2.4 مليون نسمة، منهم مليونا نازح.
وحسب جمعية أصحاب المخابز، فإن عدد المخابز في القطاع يبلغ 140 مخبزاً، لا يعمل منها إلا عدد بسيط منذ بداية الحرب الإسرائيلية، حيث توقفت المخابز في مدينة رفح، جنوبي القطاع، والمخابز بشكل عام في مناطق الشمال. إضافة إلى ذلك، فإن نحو 50% من المخابز خرجت عن الخدمة تماماً جراء القصف والتدمير الذي طاولها من قبل الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية حرب الإبادة على القطاع، والتي تتواصل للشهر الرابع عشر على التوالي من دون توقف.
19 مخبزاً فقط
في الأثناء، قال برنامج الأغذية العالمي إن المخابز في منطقة خانيونس ودير البلح لا تعمل بانتظام، ومعرضة في حال عملها للتوقف والبقاء ضمن سياسة العمل والتوقف بين فترة وأخرى جراء شح الكميات المتوفرة من الطحين. وأضاف البرنامج في رد مكتوب على أسئلة لـ"العربي الجديد" أنه غير قادر على إيصال الكميات الكافية من الطحين إلى المخابز لأن المساعدات التي تدخل إلى القطاع قليلة للغاية، مشيرًا إلى أنه بمجرد دخول الطحين ووصوله إلى المخازن، يجرى توريده إلى المخابز بشكل فوري من أجل الاستمرار في عملها. وأوضح الرد المكتوب أن البرنامج يعمل مع 19 مخبزاً فقط على مستوى القطاع كله، أما المخابز في مدينة رفح وشمالي القطاع، فهي مغلقة بسبب العمليات العسكرية في تلك المناطق، فيما يعمل البرنامج مع مخابز في منطقة الوسطى ومدينة غزة. وحسب برنامج الأغذية العالمي، فإنه يلزم المخابز ببيع الخبز بسعر مخفض ومحدد بحيث تُباع "الربطة" (تضم 50 رغيفاً صغير الحجم) بثلاثة شيكلات إسرائيلية فقط (أقل من دولار)، وهو سعر محدد بحيث يضمن حصول العائلات على الخبز. أما عن نصيب الفرد، فلفت إلى أنه لا توجد تقديرات دقيقة بشأن ذلك، غير أن المخابز أنتجت في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني حوالي مليوني ربطة، ما يعني أن نصيب العائلة الواحدة يبلغ ربطة واحدة من الخبز، وهو رقم لا ينطبق على جميع العائلات، إذ إن هناك عائلات لا تستطيع الوصول للحصول على الخبز بفعل المسافة البعيدة والحرب.
وحذر برنامج الأغذية العالمي من خطر التوقف اليومي الذي يواجه المخابز بفعل عدم انتظام دخول الطحين، وبالتالي يبقى عملهما معرضاً للتوقف بين يوم وآخر بناء على الكميات التي تُوفَّر من أجل إنتاج الخبز.
وخلال الأسابيع الأخيرة، ارتفعت أسعار الطحين مع زيادة الطلب وقلة العرض في القطاع، فقد وصل سعره إلى نحو 550 شيكلاً (150 دولاراً) للكيس الواحد الذي يبلغ حجمه 25 كيلوغراماً، لا سيما في المناطق الجنوبية في خانيونس ووسط القطاع في دير البلح والنصيرات، ما انعكس بالسلب على مئات الآلاف من النازحين الذين اعتمدوا على طحين شبه فاسد لتناول الطعام.
سياسة التجويع في غزة
في الأثناء، اتهم مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إسماعيل الثوابتة الاحتلال بتعمد العمل على تعزيز تردي الحالة الإنسانية، من خلال إغلاق المعابر ومنع تدفق المساعدات الإنسانية بالذات بعد إحراقه وتدميره معبر رفح البري في أعقاب العملية العسكرية في مدينة رفح في مايو/أيار الماضي.
وأوضح الثوابتة لـ"العربي الجديد" أن هناك فشلاً ذريعاً من قبل المنظمات الدولية والأممية، وتماهياً واضحاً من قبل هذه المؤسسات مع سياسات الاحتلال الإسرائيلي في ما يتعلق بالتجويع، لافتاً إلى أن برنامج الأغذية العالمي رفض توزيع الكميات الكبيرة المتوفرة لديه وفي مخازنه على النازحين وعلى الأسر الفلسطينية. واعتبر أن هذا السلوك دليل على أن المنظمة لا تريد إنهاء هذه الأزمة، وإنما إداراتها خلال الفترة الحالية، مبيناً أن هناك ضحايا قضوا بفعل نقص الخبز وحالة التدافع التي تحدث أمام المخابز في القطاع.
وطالب الثوابتة برنامج الأغدية العالمي بتحمل مسؤولياته والعمل على إنهاء هذه السياسة واتباع سياسات تنهي أزمة الغذاء ونقص الطحين، معتبراً أن السياسات المتبعة في إدارة أزمة الجوع تنعكس بالسلب على الواقع الإنساني في غزة.
وأضاف الثوابتة أيضاً أن المطلوب هو التدخل لإنهاء أزمة الجوع والتجويع التي ينتهجها الاحتلال الإسرائيلي، غير أن هذا التدخل لم يظهر بشكل واضح، وهو ما يتضح من خلال نقص الخبز والطحين.