قطر وحماس..انتهت سنوات العسل!

لعل أحد أهم أسباب استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية التي دخلت عامها الثاني في قطاع غزة، هو مواصلة قادة حماس بالعناد والمكابرة غير المسؤولة وغير الإنسانية تجاه شعبها الذي يعاني الويلات تلو الويلات جراء سياساتها الساذجة، حتى وصل بهم الحال إلى العزلة الخارجية حتى من أقرب الدول والوسطاء لهم، والتي كان آخرها قطر، التي أعلنت مؤخرا تعليق وساطتها بين حماس وإسرائيل لعقد صفقة تبادل وانهاء حرب الإبادة، لشعب لا يوجد لديه رفاهية الوقت للاختيار بين الصمود أو الخروج من تحت لهيب الموت، ولا ينتظر سوى الموت.

وبعد أكثر من عام من المفاوضات، يبدو أن قطر قد سئمت من عدم اكتراث قادة حماس الذين تستضيف أغلب أعضاء مكتبها السياسي، لمعاناة الناس في غزة، أو حتى التفكير بشيء من الرحمة بالأطفال والنساء والشيوخ الكهل، كما أنها سئمت من الضغوطات الأمريكية والدولية عليها للضغط على قادة حماس لإبداء مرونة في موقفها من المفاوضات، وعدم تكبير رأسها، والنظر بعين الرحمة لأكوام اللحوم البشرية لاثنين مليون انسان يواجهون أقوى ترسانة عسكرية في الشرق الأوسط، دون توقف حتى اللحظة.

ولهذا، تزداد قناعتي يوميا، بأن دور الدوحة قد انتهى للأبد، وذلك بعد فشلها في المهمة الموكلة لها من الولايات المتحدة لتدجين حماس، والضغط عليها لقبول أي صفقة، بأي شكل من الأشكال، لذلك يمكن القول إن علاقة قطر بحماس كانت دائما في إطار صفقة محددة الأهداف، وعندما انتهت هذه الأهداف، لم يعد هناك ضرورة لهذا الدور، وهو ما أثبت للحركة فشل رهاناتها الخاطئة على الدعم الخارجي، حيث كانت تراهن على استمرار دعم قطر باعتبارها عنصرًا ثابتًا في استراتيجيتها، ولكن هذا الرهان كان خاطئًا، مما يرسل رسالة قوية لكل الفصائل الفلسطينية بأن الرهان على دعم الخارج هو رهان خاسر.

حركة حماس التي يبحث قادتها مؤخرا عن حضن جديد، بعد تسريبات كشفتها وسائل الاعلام بأن الدوحة قد طلبت منهم مغادرة أراضيها، رغم نفي الطرفين، في ظل الخيارات المحدودة جدا أمام الحركة، وخاصة في ظل العبء الكبير المتوقع عليها خلال الفترة المقبلة، ينبغي عليها التخلي عن تعنتها السياسي وإبداء مرونة تجاه المصالحة الوطنية، لأن التنافس على السلطة في ظل الاحتلال لن يجلب سوى المزيد من الخسائر، بعدما استغلت إسرائيل فجوة "الانقسام" لتعزيز مشروعها الاستيطاني وتوسيع نفوذها في الأراضي المحتلة.

ومع استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ودخوله العام الثاني، واقتراب الرئيس الأمريكي ترامب من استلام مهامه في البيت الأبيض، وهي الفترة المتوقع أن يصاحبها ضغط سياسي كبير على قادة الحركة في الخارج، بالإضافة الى الضغط الميداني في القطاع، فإن حياتها ستكون مستحيلة بالخارج دون انجاز صفقة تبادل اسرى مع إسرائيل، لذلك من الضروري عليها إعادة النظر في تحالفاتها الإقليمية، خصوصًا بعد أن ثبت أن هذه التحالفات قد تكون آنية ومبنية على مصالح لا تدوم.

لازلت أعتقد أن الامل الوحيد أمام أهالي قطاع غزة الذين يعانون الويلات خصوصا مع دخولنا فصل الشتاء للمرة الثانية على النازحين في الخيام التي لا تقي برد الشتاء ولا حر الصيف أصلا، هو أن يستيقظ قادة حماس من غفلتهم وأن يسلموا زمام الأمور الى السلطة الفلسطينية، بينما يمكن لقادتها الخروج من غزة ضمن صفقة، وحل مشكلة موظفي غزة الذين عينتهم حماس بشكل عادل، حتى يتم الانتهاء من هذه الأزمة بشكل منطقي.

على حماس الاقتناع أنه لا يمكن لأي مبررات مهما كانت التغطية على فداحة الثمن الذي دفعه الشعب من دمائه ودمار بيوتهم، ولا يمكن لعملية مهما بلغ حجمها أن تنتهي بتدمير منطقة كبيرة بهذا الشكل، وإلا فإنهم سيكونون ساذجون لا يمكنهم ممارسة السياسة، لأن نظرتهم تكون قاصرة لا تصلح للحكم، نظرا لحساباتهم المتفردة، وإلا فإنهم سيكونون هواة سياسة ومبتدئين.

وبعد 13 شهرا من الدمار والقتل الوحشي غير المسبوق، فإن الواقع يثبت أن ثمن عملية السابع من أكتوبر كانت أكبر من قيمتها، مما ينبغي على قادة الحركة إعادة الحسابات، لأن الواقع والتاريخ يثبت أن الشعوب قد تحررت بعد مقاومة طويلة وعمل سياسي وعسكري متراكم، وليس بالضربة القاضية، مثلما كانوا يعتقدون بفكرهم الساذج.

يبدو أن حركة حماس بحاجة حثيثة لمراجعة عميقة وشاملة لسياستها، وأن تقف وقفة مع نفسها لتقييم أخطائها واستخلاص الدروس من تجربتها في الحكم، والاعتراف بأن المقاومة المسلحة ليست وحدها كافية لتحقيق الأهداف الوطنية، بل لا بد من رؤية أوسع تشمل الوحدة الوطنية كأولوية قصوى.

لن أقدم نصيحة لحركة حماس، لكن سأذكر خطابا للأمين العام الأسبق للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين جورج حبش، أكد فيه بأن المعركة مع إسرائيل طويلة، وأن الناس المستعجلة لتحرير فلسطين هم "قصيرو نفس"، ودعاهم يومها بالتنحي جانبا حتى لا يستدعوا هزائم هي أخطر ما يمكن أن تحدث للشعوب المحتلة في مشوارها الكفاحي، ياليت قادة حماس يعلمون..