ليلة الغضب في أمستردام.. رسالة الشعوب الحُرة لدعاة العنصرية والإبادة الجماعية

تسلط حادثة أمستردام الأخيرة، التي تخللتها أعمال عنف واستفزاز من قبل مشجعي فريق "مكابي تل أبيب"، الضوء على تأثيرات العنصرية والإجرام الإسرائيليَّين، والتي يبدو أنهما تنتقلان إلى أوروبا. 

وخلال مقابلات خاصة مع "ے"، يؤكد كتاب ومحللون سياسيون أن الممارسات العنصرية التي قام بها المشجعون الإسرائيليون تعكس عقلية استعمارية متأصلة، حيث إن تصرفاتهم، بما في ذلك رفع شعارات معادية للعرب وخلع العلم الفلسطيني، هي جزء من خطاب كراهية متجذر في المجتمع الإسرائيلي، يستند إلى رؤيةٍ تُقدم الإسرائيليين كطليعة أوروبا في مواجهة "التخلف الشرقي"، وهي رسالة تتماشى مع الخطاب السياسي لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يستغل هذه السردية لتعزيز الدعم الأوروبي. 

ويؤكد الكتاب والمحللون أن الاستراتيجية الإسرائيلية القائمة على العنف والتمييز لم تعد تُقنع المجتمعات الدولية، وأن العالم بدأ يرفض التناقض بين القيم الإسرائيلية المعلنة وممارساتها على الأرض، وهو ما أثبتته الجماهير المناصرة للفلسطينيين بالتصدي لأولئك الإسرائيليين في أمستردام، في حين أشاروا إلى أن العنصرية الإسرائيلية، التي تظهر بوضوح في الداخل وتُصدّر إلى الخارج، تواجه اليوم تحديات كبرى، مع تحول تدريجي في المواقف الدولية وتزايد الضغط الشعبي لمحاسبة إسرائيل على ممارساتها.

سلوكيات متجذرة في ثقافة المجتمع الإسرائيلي

يرى د. أشرف بدر، الكاتب والمحلل السياسي والمختص بالشأن الإسرائيلي، أن أي حركة استعمارية تحمل في جوهرها أفكاراً عنصرية، وأن سلوك مشجعي فريق "مكابي تل أبيب" خلال ابتعاثهم إلى أمستردام يعكس هذه العقلية الاستعمارية. 

ويشير بدر إلى أن تصرفات هؤلاء المشجعين، التي تضمنت التفاخر بأعمال العنف والإجرام ضد الفلسطينيين في غزة ورفع هتافات معادية للعرب، تتجذر في ثقافة المجتمع الاستيطاني الإسرائيلي. 

 

هذه الثقافة، بحسب بدر، ليست مستجدة، بل تسبق الحرب الحالية، حيث طالما تضمنت هتافات عنصرية، مثل "الموت للعرب"، كجزء من خطاب الكراهية الذي يميز المجتمع الإسرائيلي.

 

ويؤكد بدر أن الرسالة التي حاول مشجعو فريق "مكابي تل أبيب" توجيهها عبر هتافاتهم العنصرية وخلع العلم الفلسطيني من إحدى البنايات في أمستردام، تحمل الإعلاء من شأن الذات والاستعلاء على الآخرين، حيث ينظر الإسرائيليون على أنهم طليعة "الأمة الأوروبية"، في معركتهم ضد ما يعتبرونه "الظلامية الشرقية". 

ويشير بدر إلى أن هذا التوجه ليس بعيداً عن خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يستند إلى سردية تستجدي الدعم الأوروبي من خلال تقديم إسرائيل كحصن أمام "الهمجية" المفترضة في الشرق الأوسط ضط الظلامية والتخلف الشرقي. 

هذه المفاهيم الاستعلائية، وفقاً لبدر، تتجسد في سلوكيات الأفراد داخل المجتمع الاستيطاني الإسرائيلي وتُظهر مدى عمق العقلية الاستعمارية.

الأنظمة الرسمية الأوروبية تحت تأثير اللوبيات الصهيونية

وبخصوص الموقف الأوروبي، يؤكد بدر أن الأنظمة الرسمية في أوروبا لا تزال تحت تأثير قوي للوبيات الصهيونية، التي تتمتع بنفوذ واسع يختلف في شدته من دولة إلى أخرى. 

وبالرغم من ذلك، يرى بدر أن هناك تغيراً تدريجياً في الرأي العام الأوروبي، إذ تشير التظاهرات المتزايدة في عواصم أوروبية إلى تحول في المواقف الشعبية تجاه الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. 

ومع ذلك، يلفت بدر إلى أن هذا التغير لم ينعكس بعد في سياسات حكومية جذرية، فيما يعتبر بدر أن خطوات مثل اعتراف بعض الدول بدولة فلسطين قد تحدث في المستقبل إذا استمر الضغط الشعبي والرأي العام في تلك الدول.

أما بالنسبة للجاليات العربية والإسلامية في أوروبا، فيشير بدر إلى أنها لا تزال تواجه اتهامات دائمة من الأنظمة السياسية الرسمية، نتيجة نفوذ اللوبي الصهيوني. 

ومع ذلك، يؤكد بدر أن هذه الجاليات لم تكن فاعلة بما يكفي في الماضي، نظراً لعدم تنظيمها بشكل مؤسسي مماثل لما تقوم به مؤسسات اللوبيات الصهيونية. 

لكن بدر يعرب عن أمله في أن تتمكن هذه الجاليات من تعزيز عملها الجماعي، ما قد يسمح لها بمواجهة الهجمة الصهيونية الشرسة بفاعلية أكبر في المستقبل.

نظرة عنصرية تجد عمقها لدى اليمين الإسرائيلي المتطرف

يعتقد الكاتب والمحلل السياسي فراس ياغي أن العنصرية تعد مسألة جوهرية متجذرة في المجتمع الإسرائيلي، الذي يربي أجياله على أنهم "أرقى البشر"، ما يعزز الفكرة التي تنظر إلى غير اليهود كأقل شأناً وأقل قيمة. 

ياغي يوضح أن هذه النظرة تجد عمقها في العقلية السائدة لدى اليمين الإسرائيلي المتطرف، خصوصاً في الحكومة الحالية ذات النزعة الدينية المتشددة، فهذه الحكومة تعتقد بأنها تمتلك الحق في التصرف بحرية مطلقة، متجاهلة بذلك القوانين الدولية والإنسانية.

ويؤكد أن هذه العقلية العنصرية ظهرت بوضوح مؤخراً في مظاهرات خرجت في أمستردام، حيث أُطلقت هتافات تتعدى كل حدود الإنسانية والأخلاقية، وفي هذه المظاهرات، تحدّث البعض صراحة عن عدم وجود مدارس في غزة بسبب قتل الأطفال بشكل متعمد، وهو تصريح يعبر عن قسوة فكرية صادمة. 

ويوضح ياغي أن هذه التحركات ليست مجرد انعكاس لسياسة معينة، بل تُظهر نمطاً واسع الانتشار في الداخل الإسرائيلي، يعكس النظرة الفوقية للمجتمع الإسرائيلي تجاه الآخرين، خاصة الفلسطينيين.

وبالرغم من هذه الجهود الإسرائيلية لتصدير العنصرية إلى أوروبا، يشير ياغي إلى أن هذه المحاولات باءت بالفشل، مستشهداً بمظاهرات أمستردام التي واجهت معارضة شديدة من المجتمعات العربية والإسلامية هناك. 

ويؤكد ياغي أن الشارع الأوروبي بشكل عام يظهر تعاطفاً متزايداً مع القضية الفلسطينية، على الرغم من دعم الحكومات الأوروبية لإسرائيل، وهذا التناقض بين مواقف الحكومات والرأي العام يزداد وضوحاً مع استمرار جرائم الاحتلال في غزة ولبنان، ما يعزز العداء الشعبي لإسرائيل.

ويشدد ياغي على أن العنصريين والفوضويين الإسرائيليين، الذين يسعون لفرض هيمنتهم ورؤيتهم، يواجهون عواقب وخيمة على الساحة الدولية، مشيراً إلى تصريحات مديرة شرطة أمستردام، التي وصفت اشتباكات بين المتظاهرين الإسرائيليين ومعارضيهم من المجتمعات العربية والإسلامية بأنها "خطيرة" وتدق ناقوس الخطر.

ويوضح ياغي أن الأوروبيين حساسون جداً تجاه مفاهيم العنصرية وحقوق الإنسان، ولديهم حساسية كبرى تجاه أي انتهاكات في هذا المجال، ما يشكل تحدياً كبيراً للإسرائيليين الذين يسعون لتصدير فكرهم المتطرف.

ويؤكد ياغي أن النظام السياسي الإسرائيلي، الذي تهيمن عليه الحركة الصهيونية، يعي خطورة هذه التحركات، ومع ذلك، تواصل إسرائيل محاولة استغلال العنصرية التاريخية تجاه اليهود في أوروبا لدفع الأنظمة السياسية الغربية إلى دعمها، مدركة أن الأوروبيين يخشون عودة موجات العداء التاريخية ضد اليهود إلى بلدانهم.

لكن هذا الدعم الحكومي وفق ياغي، يصطدم بحقيقة أن الرأي العام الأوروبي، خصوصاً في دول مثل إسبانيا والنرويج وإيرلندا وبلجيكا، حيث بدأ يتغير لصالح الفلسطينيين. 

مواقف أوروبية جديدة تتسم بانتقاد إسرائيل

ويرى ياغي أن هناك مواقف أوروبية جديدة تتسم بانتقاد إسرائيل بشكل أكثر حدة، وهو ما يسهم في تصاعد عزلتها الدولية.

ويشير ياغي إلى أن أحد أبرز الأمثلة على التحولات الدولية هو حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS)، التي تحقق نجاحات كبيرة في أوروبا وأمريكا، كما أن الحكومات الإسرائيلية وحلفاءها في الغرب يحاولون التصدي لهذه الحركة بكل الوسائل، بما في ذلك تمرير قوانين لتجريم أنشطة BDS. 

ويوضح ياغي أن إسرائيل تدرك خطورة تغيير الرأي العام الأوروبي وتحاول احتواءه بفرض قيود صارمة، مؤكداً أن الحملات الإسرائيلية العنصرية تجد تعبيراً واضحاً في الداخل الإسرائيلي، من خلال مجموعات مثل "لا فاميليا"، وهي منظمة عنصرية مؤلفة من مشجعي فريق كرة القدم "بيتار أورشليم".

هذه المجموعة، وفقًا لياغي، تمارس العنف ضد الفلسطينيين في القدس وتتحالف مع جماعات عنصرية أخرى في الضفة الغربية. 

ويشدد ياغي على أن هذه التنظيمات تشكل تهديداً كبيراً للفلسطينيين، وتعمل على تعزيز الفوضى والعنف ضدهم.

ويبرز ياغي أهمية الدور الفلسطيني في مواجهة هذه التحركات، مشيراً إلى أن التحرك الفلسطيني في أوروبا يتم حالياً بفضل جهود الجاليات العربية والإسلامية دون دعمٍ كافٍ من النظام السياسي الفلسطيني الرسمي. 

دعوة منظمة التحرير لإعادة بناء علاقاتها مع الجاليات العربية والإسلامية

ويدعو ياغي منظمة التحرير الفلسطينية إلى إعادة بناء علاقاتها مع هذه الجاليات وتعزيز التواصل مع الأحزاب والحركات الأوروبية التي تعارض الصهيونية وتنتقد السياسات الغربية والأمريكية. 

ويرى ياغي أن منظمة التحرير يجب أن تعود إلى نهجها السابق قبل اتفاق أوسلو عام 1993، بحيث تكون أكثر استقلالية في تحركاتها الدولية.

ويثني ياغي على بعض السفارات الفلسطينية التي تؤدي دوراً فاعلاً، مثل السفارة في لندن بقيادة السفير حسام زملط، الذي يعمل بتنسيق وثيق مع المجهودات الشعبية البريطانية لمواجهة العنصرية الإسرائيلية. 

لكن ياغي يؤكد أن هذا الجهد يجب أن يكون جزءاً من خطة شاملة تُعمم على كافة السفارات الفلسطينية حول العالم. 

هذه الخطة، وفقاً لياغي، يجب أن تعيد التواصل مع الجاليات العربية والإسلامية، وتُعزز الحضور الفلسطيني في الساحة الدولية لمواجهة الدعاية الصهيونية، والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني في مواجهة العنصرية الإسرائيلية.

الرواية الإسرائيلية بدأت تواجه تحديات على المستوى العالمي

يرى الكاتب والمحلل السياسي سليمان بشارات أن ما شهدته العاصمة الهولندية أمستردام من أحداث يُعد مؤشراً على أن سياسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية باتت تُنتج آثاراً متزايدة في ميادين العالم، لم تعد الشعوب تتحملها وجاءت حادثة أمستردام للرد على تلك العنصرية التي حاول مشجعو فريق "مكابي تل أبيب" نقلها هناك.

ويوضح بشارات أنه منذ النكبة عام 1948، اعتمدت إسرائيل على استراتيجية العنف والقتل والتدمير، إلى جانب منهجية التنكّر للآخر، والعنصرية، والاضطهاد المستمر بحق الفلسطينيين، مروّجةً لأفعالها على أنها دفاع مشروع عن النفس، هذه الرواية الإسرائيلية التي سعت لتصوير الفلسطينيين وكأنهم لا يستحقون الحياة، ترافقت مع مزاعم عن تفوق العرق اليهودي، مقابل الدعوات لحرمان العرب والفلسطينيين من حقوقهم الأساسية.

ويشير بشارات إلى أن الرواية الإسرائيلية بدأت تواجه تحديات على المستوى العالمي، فالمجتمعات الدولية لم تعد تقبل بسهولة التفسيرات الإسرائيلية، بل صارت ترى بوضوح الفجوة بين ما تدعيه إسرائيل من قيم ومبادئ، وبين ممارساتها على الأرض. 

ويشدد على أن هذه التناقضات أسهمت في تراكم حالة من الغضب والاحتقان لدى الشعوب والمجتمعات حول العالم، ولم يعد ممكناً التغاضي عن تجاوزات إسرائيل، لا سيما في ظل الدعوات المتزايدة من المنظمات الحقوقية والأممية لمحاسبة مجرمي الحرب. 

ومع ذلك، يشير بشارات إلى أنه لم تخضع إسرائيل فعلياً للمساءلة، ما أثار سخطاً شعبياً عالمياً لا يقتصر على قضية فلسطين فقط، بل يمتد ليشمل السياسات الأمريكية والإسرائيلية التي تسببت في عقود طويلة من القمع والاضطهاد الدولي.

حرب غزة منعطف حاسم في تغيير نظرة العالم لإسرائيل

ويرى بشارات أن الحرب الحالية على غزة تمثل منعطفاً حاسماً في نظرة العالم لإسرائيل ككيان يتعالى على مبادئ حقوق الإنسان، فقد صرّح الأمين العام للأمم المتحدة في بداية هذه الحرب أن القانون الدولي الإنساني يخضع لاختبار حقيقي. 

ولذا، يؤمن بشارات بأن الحرب ستفرز شرائح مجتمعية عالمية مناهضة للسياسات الإسرائيلية والأمريكية، وهذه المجموعات لن تنتظر العدالة بصورتها التقليدية، بل ستبدأ بالتعبير عن مواقفها بوسائل شتى، تشمل الاحتجاجات والمسيرات، واستخدام وسائل الإعلام، وحتى المواجهة المباشرة إذا سنحت الفرصة.

ويسلط بشارات الضوء على حادثة الفريق الرياضي "مكابي تل أبيب"، حيث حاول مشجعوه إذلال العلم الفلسطيني، الذي تجاوز كونه مجرد رمز للفلسطينيين ليصبح رمزاً للتحرر العالمي، وهذه المحاولات الاستفزازية أدت إلى ردود فعل واسعة، ومن المتوقع أن تتضاعف هذه الردود مع انكشاف الحقائق المروعة المتعلقة بالدمار والإبادة الجماعية التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي في غزة. 

ويشير إلى أن إسرائيل قد تجد نفسها مقيدة في المستقبل، بفعل الاحتقان الدولي المتصاعد ضد ممارساتها.

ويُبرز بشارات جهود إسرائيل السريعة لتحويل الاهتمام من الاعتراضات على سياساتها بعد حادثة امستردام إلى اتهامات بمعاداة السامية، فهي، في محاولتها لتشويه الحراك العالمي الرافض لها، لجأت إلى اتهام جماعات وأشخاص وحركة حماس، بهدف تشتيت الانتباه عن الانتقادات الحقيقية. 

هذا التحول، وفق بشارات، يكشف مدى الحرج الذي باتت تواجهه إسرائيل نتيجة تزايد التضامن الشعبي مع الفلسطينيين، فيما يوضح بشارات أن هذه التحولات لن تكون قصيرة الأمد، بل ستترك تأثيرًا على المدى المتوسط والبعيد. 

ويقول بشارات: صحيح أن الأنظمة السياسية الأوروبية ما زالت تدعم إسرائيل، لكنها ستجد نفسها في مواجهة مع مجتمعاتها التي ترفض السياسات الاستعمارية والتمييز العنصري. 

هذه الضغوط الشعبية، في رأي بشارات، ستُجبر الأنظمة على اتخاذ مواقف أكثر توازناً، أو على الأقل ستدفعها لإجراء تغييرات تدريجية.

ويقارن بشارات الوضع الحالي مع نظام الفصل العنصري السابق في جنوب أفريقيا، الذي انهار تحت ضغط التحركات الشعبية والدولية. 

ويعتقد بشارات أن النموذج التاريخي لجنوب أفريقيا قد يتكرر في سياق القضية الفلسطينية، حين تفرض المجتمعات العالمية ميزان عدالة جديد، يواجه السياسات الإسرائيلية والأمريكية تجاه الحقوق الإنسانية.

المجتمع الإسرائيلي بات يُظهر سلوكيات تتسم بالفاشية المنظمة

يصف الكاتب والمحلل السياسي، د. عبد المجيد سويلم، واقعة أمستردام بأنها تعكس الحالة النفسية المهتزة التي يعيشها المجتمع الإسرائيلي في ظل تداعيات السابع من أكتوبر. 

ويوضح سويلم أن هذا المجتمع، المصاب بجنون العظمة والاستعلاء والعنصرية، بات يُظهر سلوكيات تتسم بالفاشية المنظمة، حيث تتحول مجموعات إلى عصابات تمارس العنف ضد أي طرف يعتبرونه خصماً. 

ويرى سويلم أن الإسرائيليين يعانون صدمة كبيرة بعد السابع من أكتوبر، لم يستطيعوا تجاوزها حتى الآن، خاصة مع استمرار الهجمات عليهم، الأمر الذي يجعلهم يشعرون بالعجز والهزيمة.

ويصف سويلم مشاعر الإسرائيليين بالعجز التام عن تحقيق الانتصار الذي كانوا يتفاخرون به سابقاً، لافتاً إلى أن هذه الهزيمة المعنوية تحفز سلوكيات عدوانية موجهة ضد الآخرين، حتى في مناسبات رياضية بسيطة. 

 

المجتمع الإسرائيلي، وفقاً لسويلم، يعكس حالة من الفوضى النفسية وعدم الاستقرار، ويبحث دائماً عن مبررات لسلوكياته، منها الادعاء أن العالم يعاديهم بدوافع معاداة السامية، دون أن يسألوا أنفسهم لماذا تتصاعد ردود فعل الشعوب ضدهم وضد الفاشية الصهيونية.

 

ويشير سويلم إلى أن الإسرائيليين يعززون شعورهم بالتفوق على حساب الآخرين، متجاهلين السؤال الحقيقي: لماذا يستنهض العالم الشعوب في مواجهة الصهيونية. 

 

في مقارنة مع الفاشية الأوروبية، يقول سويلم إن المجتمع الإسرائيلي أظهر نسخاً واضحة من سلوك الفاشية الألمانية والإيطالية، حيث يصبح العنف نمطاً اعتيادياً، مؤكداً أن هذا السلوك يعبر عن حالة من الانحطاط الأخلاقي.

 

ويلفت إلى محاولات إسرائيل تبرير سلوكياتها العدوانية وتزييف الحقائق، كما حدث في أمستردام، عندما حاول الإسرائيليون تصوير الأمور وكأنهم الضحايا، بالرغم من أنهم كانوا المعتدين.

 

ويعزو سويلم هذه الأكاذيب إلى ضياع المجتمع الإسرائيلي الذي يعيش قلقاً دائماً من التهديدات، ويفكر دائماً بأن على العالم مراعاة خصوصيته، حتى لو أدى ذلك لاتهام من ينتقده بمعاداة السامية.

 

ويؤكد سويلم أن الأوروبيين لم يعودوا يرون الصهيونية وإسرائيل تهديداً على الفلسطينيين فقط، بل أيضاً على السلم العالمي، وهذا الفهم العالمي يزداد رغم الدعم الممنهج من الأنظمة الرسمية الأوروبية لإسرائيل، والتي وصفها سويلم بأنها خاضعة للحركة الصهيونية والولايات المتحدة، وتكتفي بشعارات حقوق الإنسان دون فعل حقيقي يغير من هذا الدعم.

 

تنظيم دقيق للجاليات العربية والإسلامية في أوروبا

 

من جهة أخرى، يثني سويلم على دور الجاليات العربية والإسلامية والفلسطينية في أوروبا، مشيراً إلى تنظيمها الدقيق وقدرتها على نصرة القضية الفلسطينية بشكل بارع وعظيم. 

 

ويؤكد سويلم أن هذه الجاليات قدمت الكثير لدعم الشعب الفلسطيني في غزة والضفة ولبنان، لافتاً إلى أن دورها كان أكبر مما توقّع الكثيرون. 

 

ويرى سويلم أنه ليس من الضروري مطالبة هذه الجاليات بالمزيد من الدعم، بل يكفيها أن تستمر في المواقف الصلبة ضد العنصرية والفاشية المتزايدة في أوروبا.

 

ويؤكد سويلم أن الأنظمة الأوروبية ستظل حليفة لإسرائيل، مهما كانت العواقب، وهذه الأنظمة لا تقدم سوى تصريحات معسولة حول السلام وحقوق الإنسان، لكنها تفعل كل ما يمكن لإبقاء منطقة الشرق الأوسط في حالة عدم استقرار، طالما أن ذلك يخدم إسرائيل. 

 

ويرى سويلم أن الدعم الأوروبي الرسمي لإسرائيل يُبقي على حالة التوتر العالمي، ويعيق أي فرصة حقيقية لتحقيق السلام.

 

رسائل هيمنة إسرائيلية موجهة للعالم

 

يعتقد الكاتب والمحلل السياسي عدنان الصباح أنه في سياق الموقف الدولي المثير للجدل إزاء الجرائم الإسرائيلية ضد الفلسطينيين واللبنانيين، فإن الصمت العالمي، والدعم المتواصل من الولايات المتحدة وحلفائها، أسهما في تكريس عقلية التفوق العنصري لدى الإسرائيليين، وهو ما أظهر محاولات هذا التفوق في واقعة أمستردام.

 

ويلفت الصباح إلى أن إسرائيل تعتبر نفسها العرق الأسمى، وتحمل قناعة بأنها تمتلك تفويضاً إلهياً يجعلها فوق بقية البشر، حيث يُنظَر إلى كل من هم خارج دائرة هذا التفوق على أنهم خُلقوا فقط لخدمة مصالحها، بصرف النظر عن خلفياتهم الدينية أو العرقية.

 

ويشير الصباح إلى أن الدعم الدولي غير المحدود، الذي يشمل الدعم العسكري والسياسي والدبلوماسي، يعزز هذا الإحساس الإسرائيلي بالتفوق، فبدلاً من مواجهة ممارساتها بقرارات حازمة أو رفع "بطاقة حمراء" لوقف الانتهاكات، يستمر المجتمع الدولي بالصمت، ما يشجع إسرائيل على مواصلة سياساتها العدوانية. 

 

ويُبرز الصباح أن ما يحدث في فلسطين ولبنان هو نتيجة مباشرة لهذا التواطؤ العالمي، الذي يجعل الإسرائيليين يعتقدون أن لهم الحق في تنفيذ أفعالهم دون محاسبة أو مراقبة، وهذا الاعتقاد لا يقتصر على الشعب الفلسطيني، بل يمتد ليشمل الشعوب كافة، وكأن الإسرائيليين هم أسياد الأرض.

 

ويستشهد الصباح بما جرى في هولندا كمثال على رسائل الهيمنة التي توجهها إسرائيل للعالم، حيث إنه في مشاهد الاحتجاجات في أوروبا، تتضح الرسالة الإسرائيلية: نحن أسيادكم، ويجب عليكم الانصياع لإرادتنا والتوقف عن الاعتراض، إنهم لا يحتملون أي صوت معارض، وينظرون إلى الاعتراض على سياساتهم كأنه اعتراض على إرادة إلهية. 

 

ويرى الصباح أن هذه القناعات الإسرائيلية لا يمكن أن تُكبح بالصمت أو بتقديم الدعم، بل تحتاج إلى مواجهة حقيقية وصريحة من المجتمع الدولي، ذلك أن صمت العالم على ما يجري في قطاع غزة ولبنان دفع إسرائيل للشعور بالتعالي على الجميع.

 

ويتناول الصباح أثر هذه العقلية العنصرية على العلاقات الدولية، إذ يؤكد أن الولايات المتحدة وأوروبا ستواصلان دعم إسرائيل، لأن العالم بات يحكمه منطق المصالح الاقتصادية والسياسية، وليس القيم والمبادئ الإنسانية.

 

تحالف بين المال والمعرفة والسلاح

 

ويؤكد الصباح على أنه في عصر يُعرف بـ"عصر اقتصاد المعرفة"، لم تعد للقوانين الدولية أو الأخلاق أي قيمة حقيقية، حيث تهيمن المصالح على القرارات العالمية، حيث المعرفة، التي تُعتبر السلاح الجديد، أصبحت أداة بأيدي القوى التي تسيطر على المال والسلاح، ما يجعل من هذا العصر أخطر فترات التاريخ.

 

ويرى الصباح أن هذا التحالف بين المال والمعرفة والسلاح يُنذر بكارثة عالمية تهدد جميع القيم الإنسانية. 

 

ويؤكد الصباح أن السيطرة على المعرفة حولت العالم إلى مشهد تتداخل فيه الإمبريالية مع التقنيات الحديثة، مما يقوض الحدود والدول القومية، بل ويهدد وجود الأديان. 

 

ويعتقد الصباح أن هذه القوى ترى في الدين أداة لتحقيق الهيمنة، وأن الدين الحقيقي بالنسبة لها هو دين القوة والمال الذي تمثله الولايات المتحدة والصهيونية العالمية.

 

وينتقد الصباح أيضاً الموقف العربي، مشيراً إلى أن بعض النخب العربية أصبحت خاضعة لسياسات المصالح، فبدلاً من الدفاع عن قضايا الحرية والديمقراطية، بات الولاء للمال والمكاسب، ما ساهم في تراجع الحس الوطني والأخلاقي لدى بعض القيادات العربية. 

 

ويشدد على أن هذه المعادلة الخطيرة تهدد الكيان العربي، وتجعل من الضروري مواجهة هذا التحدي العالمي قبل فوات الأوان.

 

تراجع الدعم الشعبي الأوروبي للرواية الإسرائيلية التقليدية

 

يؤكد الكاتب والمحلل السياسي سامر عنبتاوي أنه في ظل تصاعد الأحداث واشتداد حرب الإبادة على قطاع غزة وما يجري من جرائم إسرائيلية، فقد أضحى المجتمع الإسرائيلي يدرك بوضوح التغير في صورة إسرائيل وتراجع الدعم الشعبي في العديد من الدول الأوروبية تجاه الرواية الإسرائيلية التقليدية.

 

ويشير إلى أن المجتمعات الأوروبية بدأت تتبنى الرواية الفلسطينية على نحو أوسع، بعدما أدركت أن إسرائيل، التي كانت تصور نفسها كدولة ديمقراطية تواجه تهديدات من "مجموعات إرهابية"، هي في الحقيقة تقوم بعمليات إبادة منظمة وواسعة النطاق بحق المدنيين الفلسطينيين، بما يشمل قتل الأطفال واستهداف النساء، وضرب المنشآت الحيوية مثل المستشفيات.

 

هذا التحول في نظرة الشعوب الأوروبية بأن إسرائيل تمارس الإبادة بات يُشعر الإسرائيليين بالغضب والإحباط، حيث يؤكد عنبتاوي أن المجتمع الإسرائيلي أصبح يحاول إعادة فرض سرديته بالقوة بعد سقوطها إثر حرب الإبادة على قطاع غزة، من خلال أعمال احتجاجية عنيفة ومنحازة، مثل خلع الأعلام الفلسطينية والترويج للعنف. 

 

هذه الأعمال تعكس، بحسب عنبتاوي، حالة من الانحدار نحو الفوضى والعنف، في محاولة يائسة من الإسرائيليين لفرض رؤيتهم، لكنهم يواجهون مقاومة واضحة من المجتمعات الأوروبية المتضامنة مع الشعب الفلسطيني.

 

ويلفت عنبتاوي إلى أن الحكومة الإسرائيلية والموساد الاسرائيلي قد يكونون وراء هذه التحركات المتشددة للاسرائيليين في أوروبا، بهدف إظهار الحياة هناك على أنها صعبة وغير آمنة للإسرائيليين، ما قد يسهم في الحد من ظاهرة الهجرة العكسية التي يسعى إليها مئات الآلاف من الإسرائيليين الذين يطمحون للانتقال إلى أوروبا هرباً من تدهور الأوضاع في إسرائيل. 

 

ومع ذلك، يلفت عنبتاوي إلى أن هذه الأعمال قد تمتد لتؤثر على الأوضاع الداخلية الأوروبية، حيث يمكن أن تنتقل موجات الاحتقان والشغب إلى مدن أوروبية أخرى، ما قد يفرض على الدول الأوروبية اتخاذ إجراءات مشددة، تتعلق بترخيص المظاهرات وتقييدها أمنياً.

 

ويشير إلى أن مواجهة مشجعي فريق "مكابي تل أبيب" في هولندا أظهرت جانباً خطيراً من هذا الصراع، فالشرطة الهولندية، في رأيه، أخطأت عندما سمحت بتنظيم مسيرات مؤيدة لإسرائيل ومنعت في الوقت ذاته مسيرات مضادة مؤيدة للفلسطينيين، ما أشعل مزيداً من الغضب لدى المؤيدين للقضية الفلسطينية وأدى إلى مواجهات عنيفة. 

 

هذه المواجهات، بحسب عنبتاوي، أثارت حفيظة السلطات الأوروبية، التي تسعى الآن إلى وقف هذه الاضطرابات وسط خشية توسعها إلى أماكن أخرى، وهي ربما ستقوم بإجراءات من خلال تقييد حرية التظاهر وتطبيق إجراءات أمنية مشددة.

 

على صعيد متصل، يُلقي عنبتاوي الضوء على دور الجاليات العربية والإسلامية في أوروبا، التي أصبحت تلعب دوراً مهماً في التأثير على الرأي العام، بما في ذلك نتائج الانتخابات، كما حدث في الولايات المتحدة، فهذه الجاليات، التي أدركت كذب الرواية الإسرائيلية، تسعى حالياً إلى تنظيم صفوفها وتوحيد جهودها لمواجهة التحركات الإسرائيلية العنصرية وتفنيد الدعاية الإسرائيلية. 

 

ويعتقد أن حرب الإبادة على قطاع غزة، بكل ما حملته من وحشية ودمار، قد ساعدت في توحيد الجاليات الإسلامية والعربية في أوروبا وجعلتها أكثر صلابة في التصدي لمحاولات تشويه الحقائق، خاصة وسط الخشية من توسيع الهجمة الإسرائيلية في المنطقة وربما أوروبا.

 

ويؤكد عنبتاوي أن إسرائيل، بالرغم من كل محاولاتها المدعومة من الحركة الصهيونية والولايات المتحدة، تجد صعوبة متزايدة في تحسين صورتها أمام العالم، فالجرائم التي ارتكبت في غزة وغيرها من المناطق المحتلة باتت واضحة ولا يمكن إخفاؤها، مما أدى إلى انهيار السردية الإسرائيلية التي روجت لها لعقود طويلة بأنها "الضحية". 

 

كما يعتقد عنبتاوي أن هذا التحول قد لا يكون مؤقتاً، بل يمثل تغييراً طويل الأمد في نظرة العالم لإسرائيل، مع تعمق القناعة بأنها دولة قائمة على سياسات الإبادة والعنصرية