آلاء ماجد
يبدو أن الكوارث والارتدادات السلبية الناتجة عن عملية السابع من أكتوبر الماضي، لم تكن حصرا على أهالي قطاع غزة، الذين يعانون منذ ذلك الوقت، من حرب إبادة إسرائيلية لم تشهد لها البشرية مثيل، بعد أكثر من 150 ألف شهيد وجريح، بل وصلت الى مدينة القدس الشرقية، التي يعاني أهلها من زيادة بشكل ملحوظ في عمليات هدم المنازل بذرائع واهية.
وشهدت عمليات الهدم تواجدا كثيفا للشرطة الإسرائيلية التي تعمل على إغلاق مداخل المنطقة ومنع المواطنين الفلسطينيين من الاقتراب منها، الأمر الذي أثار قلق السكان المحليين وعزز التوترات المستمرة بين السكان الفلسطينيين والسلطات الإسرائيلية، كون هذا الأمر يأتي ضمن سياسة إسرائيلية قديمة تستهدف إعادة هيكلة الوضع العمراني والديمغرافي في القدس الشرقية.
وعلى الرغم من المبررات القانونية التي تسوقها السلطات الإسرائيلية لعمليات الهدم، مثل البناء دون ترخيص، إلا أن الأمر بالنسبة للسكان الفلسطينيين هو أن هذه العمليات تأتي كجزء من استراتيجية إسرائيلية واسعة تهدف لتغيير التركيبة السكانية للمدينة، خصوصا أن الحصول على تراخيص البناء في القدس الشرقية يُعتبر تحديا كبيرا، بل وأمر مستحيل للمواطن الفلسطيني بينما لا يوجد أسهل منه للاسرائيليين.
وفي ظل الظروف السياسية المتوترة التي لحقت السابع من أكتوبر، تقوم الشرطة الإسرائيلية بتطويق المواقع المستهدفة لاجراء عمليات الهدم فيها، وتمنع السكان من الاقتراب، حتى أصبح التحرك في الأحياء الفلسطينية مثل حي سلوان الذي يعد أكثر الأحياء توترا في القدس الشرقية، أمرا محفوفا بالمخاطر، الأمر الذي دعا مجلس أهالي بلدة سلوان إلى اصدار بيان يحذر فيه الأهالي من الاقتراب من مواقع الهدم، ويدعوهم لحماية أطفالهم وتوعيتهم بخطورة الاقتراب من مناطق العمليات، كخطوة احترازية لتجنب أي مواجهات قد تترتب على وجود الشرطة في تلك المواقع.
ومما لا شك فيه، أن عمليات الهدم وتواجد الشرطة الاسرائيلية المتزايد في القدس الشرقية، يترك أثرا كبيرا على السكان، خاصة الأطفال، إذ يعيش السكان في حالة دائمة من التوتر والخوف من فقدان منازلهم، ما يضعهم تحت ضغط نفسي يومي، بينما تؤثر هذه العمليات على النسيج الاجتماعي للمنطقة، حيث يشعر السكان بتهديد مستمر لوجودهم في منازلهم التي بُنيت منذ سنوات طويلة، مما قد يدفع الشباب إلى اتخاذ مواقف أكثر تطرفا ردا على شعورهم بالظلم وفقدان حقوقهم في مدينتهم.
وبشكل عام، يؤثر ملف القدس على العلاقات والتوترات في المنطقة بأكملها، نظرا لحساسيتها في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مما يجعل عمليات الهدم فيها نقطة خلاف رئيسية في أي مسار تفاوضي بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، خصوصا وأن القدس الشرقية وفقا لكل الاتفاقات الموقعة سابقا تعد عاصمة لدولة فلسطين المستقبلية، بينما تُصر إسرائيل على ضم المدينة كاملة كعاصمة لها.
الحقيقة هي أن الاستمرار في سياسات الهدم الإسرائيلية لبيوت الفلسطينيين بالقدس الشرقية سيزيد، بلا شك، من حدة الصراع ويعقد أي جهود للسلام، خاصة أن الحلول الدائمة تتطلب احترام حقوق جميع الأطراف وإيجاد تسويات تضمن العيش المشترك، في ظل وجود واقع معقد ومتأزم، وخصوصا بعد عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى سدة الحكم من جديد، وهو الذي اعترف بالقدس عاصمة إسرائيل، مما زاد من حدة الصراع والتوتر.