المؤرخ الإسرائيلي عاموس غولدبرغ: الحرب على قطاع غزّة إبادة جماعية

بعد مرور أكثر من تسعة أشهر على هجمات حماس في السابع من تشرين الأوّل/ أكتوبر والتي قتلت أكثر من ألف إسرائيلي، لا تزال النهاية غير واضحة المعالم في فلسطين. غير مرئية في فلسطين. لقد أدت الحرب التي شنتها إسرائيل باسم القضاء الفعلي على حماس إلى تحويل جزء كبير من قطاع غزّة إلى أنقاض ومقتل عشرات الآلاف من الناس، غالبيتهم العظمى من المدنيين. وحتى لو انتهت الحرب غدًا، فإن أجزاء كبيرة من قطاع غزّة ستظل غير صالحة للسكن لسنوات عدّة.

وقد أثار هذا المستوى الجديد من التصعيد، ومدى الدمار في قطاع غزّة، الجدل حول ما إذا كان ينبغي تصنيف تصرفات إسرائيل على أنها إبادة جماعية. وكان هذا هو الاتهام الذي أثارته قضية جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، والتي انضمت إليها فيما بعد إسبانيا وبلجيكا والمكسيك. وتظل هذه المسألة مثيرة للجدل بين الخبراء، ولكن عددًا متزايدًا منهم يتفقون على أن مثل هذا التقييم معقول على أقل تقدير. وفي إسرائيل نفسها، يتحد معظم السكان خلف جيشهم. ولكن بالتأكيد يوجدُ من ينتقد الحرب.

عاموس غولدبرغ، أستاذ مشارك في قسم التاريخ اليهودي واليهودية المعاصرة في الجامعة العبرية في القدس. نُشرت له مقالة في شهر أبريل/نيسان في مجلة لوكال كول (سيحا مكوميت)، خلُص فيها إلى أن تصرفات إسرائيل في قطاع غزّة تُمثّل إبادة جماعية. ويتحدث إلينا الأستاذ غولدبرغ في المقابلة التالية عن آرائه واستنتاجاته بشأن الحرب المستمرة، والوضع في الضفة الغربية، ومستقبل إسرائيل وفلسطين.

إلياس فيروز: وصفتَ تصرفات إسرائيل في قطاع غزّة قبل أسابيع قليلة بأنها «إبادة جماعية» ضد السكان الفلسطينيين هناك. هل يمكنك أن تشرح باختصار التعريف المحدد للإبادة الجماعية الذي اعتمدته، ولماذا تعتقد أن من المهم استخدام المصطلح لوصف ما يحدث في قطاع غزّة؟

عاموس غولدبرغ: كتبتُ مقالةً باللغة العبرية بعنوان «نعم، إنها إبادة جماعية» في مجلة تسمى لوكال كول/نداء محلي «سيحا مكوميت»، وقد تُرجمِت بعد ذلك إلى اللغة الإنجليزية، وتدوولت على نطاق واسع.

أدرك أن هذا ادعاء خطير، ولا أتعامل معه باستخفاف. كان من الصعب جدًا بالنسبة لي أن أكتب هذا المقال، لأنه مرتبط أيضًا بشعبي ومجتمعي. باعتباري جزءًا من هذا المجتمع، فأنا أيضًا أتحمل المسؤولية عمّا يحدث. لقد كان حجم الفظائع والدمار الذي شهدته إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول غير مسبوق. واستغرق الأمر مني بعض الوقت، حتى أتمكّن من استيعاب ما كان يحدث وحتى أتمكّن من التعبير عما رأيته يتكشف أمام عيني. لكن عندما ترى ما يحدث، لا يمكنك أن تظل صامتًا بعد الآن. حتى لو كان الأمر مؤلمًا بالنسبة لي أو لقرائي أو للمجتمع الإسرائيلي، فإن المناقشة يجب أن تبدأ من مكان ما.

للإبادة الجماعية تعريفات مختلفة، بيد أن تعريفًا واحدًا فقط مقبول عالميًا وهو تعريف اتفاقية الإبادة الجماعية [اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها] التي اعتمدتها الأمم المتحدة في ديسمبر 1948. وهو تعريف قانوني، برغم أنه ما يزال غامضًا ومفتوحًا للتفسير، ولهذا السبب انتُقد في السابق، ويتواصل انتقاده حتى الآن. تصف الاتفاقية الجريمة بأنها جريمة تُرتكب بقصد تدمير مجموعة وطنية أو إثنية أو عرقية أو دينية كليًا أو جزئيًا. إن نية الإبادة أمر بالغ الأهمية، حتى لو لم تكن الإبادة كاملة، بل يمكن أن تكون إبادة «كلية أو جزئية».

وقد تعرض التعريف لانتقادات بسبب إغفاله فئات أخرى، مثل الجماعات السياسية، التي عارضها الاتحاد السوفييتي. وعلى نحو مماثل، لا تحدد الاتفاقية «الإبادة الثقافية»، لأن الولايات المتحدة تخشى اتهامها بارتكاب إبادة جماعية ضد سكانها الأصليين. كان إدراج الجوانب الثقافية في الاتفاقيات أمرًا بالغ الأهمية بالنسبة للمحامي البولندي اليهودي رافائيل ليمكين، الذي صاغ مصطلح «الإبادة الجماعية» ومارس الضغوط من أجله في الأمم المتحدة، ولكنه اضطر إلى تقديم تنازلات من أجل الحصول على موافقة الاتفاقية.

وفي نهاية المطاف، كان التعريف الذي اقترحته الاتفاقية نتاج لحظة سياسية وتاريخية معينة في الأمم المتحدة، عندما كان الجنوب العالمي لديه عدد قليل جدا من الممثلين، وكانت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي تهيمنان. ومع ذلك، فإن معظم العلماء يشيرون إلى هذا التعريف عندما يتحدثون عن الإبادة الجماعية اليوم. لقد صاغ العديد من الأشخاص مصطلحات إضافية مثل الإبادة الجماعية، والإبادة العرقية، والإبادة السياسية، وما إلى ذلك (والتي ليست قانونية على أي حال) أو ابتعدوا عن التعريفات تمامًا. لكن التعريف الأساسي المقبول على نطاق واسع هو التعريف القانوني من الاتفاقية.

إلياس فيروز: وتذكر مقالتكم أيضًا أمثلة أخرى للإبادة الجماعية، كما حدث في البوسنة، وأرمينيا، أو الإبادة الجماعية التي شهدتها هيريرو وناما في ما يعرف اليوم بناميبيا. قُتل حوالي 8000 بوسني في سربرنيتسا، في حين يُعتقد أن ما بين عدة مئات الآلاف إلى 1.5 مليون شخص لقوا حتفهم في الإبادة الجماعية الأرمنية. وأكدتَّ أيضًا على أنه ليس بالضرورة أن تؤدي كل إبادة جماعية إلى أهوال الهولوكوست. في أي مرحلة من الحرب الحالية صِرتَ متأكدًا من أن تصرفات إسرائيل في قطاع غزّة ارتقت إلى إبادة جماعية؟

عاموس غولدبرغ: باعتباري مؤرخًا، إذا نظرت إلى الصورة الشاملة، ستجد كل عناصر الإبادة الجماعية. فالنّية واضحة: فقد أعرب الرئيس ورئيس الوزراء ووزير الدفاع والعديد من كبار الضباط العسكريين عن ذلك بكل صراحة. لقد شهدنا تحريضات لا حصر لها لتحويل قطاع غزّة إلى أنقاض، وادعاءات بعدم وجود أبرياء هناك، وما إلى ذلك. وتتعالى الدعوات الشعبية لتدمير قطاع غزّة من كافة أطياف المجتمع والقيادة السياسية. يسود في المجتمع الإسرائيلي جو متطرف لنزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين إلى حد لا أستطيع أن أتذكر أني رأيته طيلة الثمانية والخمسين عامًا التي عشتها هنا.

النتيجة هي كما هو متوقع: قتل وإصابة عشرات الآلاف من الأطفال والنساء والرجال الأبرياء، وتدمير شبه كامل للبنية التحتية، وتجويع متعمد ومنع المساعدات الإنسانية، ومقابر جماعية لا نعرف مداها الكامل حتى الآن، ونزوح جماعي، وما إلى ذلك. وهناك أيضًا شهادات موثوقة عن عمليات إعدام بإجراءات موجزة [دون مُحاكمة]، ناهيك عن عمليات القصف العديدة للمدنيين فيما يسمى بالـ «مناطق الآمنة». لم يعد قطاع غزّة كما عرفناه موجودًا بعد الآن. وبالتالي فإن النتيجة تتناسب تماما مع النوايا. ولكي نفهم النطاق الكامل لهذا الدمار والقسوة، أنصح بقراءة تقرير الدكتور لي مردخاي، وهو السجل الأكثر شمولًا وتحديثًا لما حدث في قطاع غزّة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

لكي تعتبر عمليات القتل الجماعي إبادة جماعية، لا يشترط أن تكون إبادة كاملة. وكما ذكرنا سابقًا فإن التعريف ينص صراحةً على أن تدمير مجموعة ما كليًا أو جزئيًا يمكن اعتباره إبادة جماعية. وهذا ما حدث في سربرنيتسا كما ذكرتم، أو في قضية الروهينغا في ميانمار.

أعترف أنني كنت في البداية مترددًا في وصف ما حدث بالإبادة الجماعية، وبحثت عن أي مؤشر لإقناع نفسي بأنه ليس كذلك. لا أحد يريد أن يرى نفسه جزءًا من مجتمع يدعم الإبادة الجماعية. ولكن كانت هناك نية صريحة، ونمط منهجي، ونتيجة إبادة جماعية، لذلك، توصلت إلى استنتاج مفاده أن هذا هو بالضبط ما تبدو عليه الإبادة الجماعية. وبمجرد أن تصل إلى هذا الاستنتاج، لا يمكنك أن تظل صامتًا.

إلياس فيروز: كيف يتفاعل طلابك أو زملاؤك أو أصدقاؤك عندما توضح استنتاجاتك؟

عاموس غولدبرغ: كما ذكرت سابقًا، لقد كتبت مقالتي باللغة العبرية. ولم أكتبها باللغة الإنجليزية؛ لأنني أردت في المقام الأول أن يواجه الإسرائيليون هذا الأمر ويساعدوا مجتمعهم على التغلب على الإنكار والرغبة في غضّ الطرف عمّا يحدث في قطاع غزّة. وأود أن أقول إن الإنكار جزء من جميع العمليات الإبادة الجماعية وأعمال العنف الجماعي.

غضِب بعض الطلاب جدًا مني بسبب مقالتي، لكن آخرين شكروني. وقد تجادل معي بعض الزملاء، حتى إن أحدهم كتب على الفيسبوك أنه يأمل أن يتوقف الطلاب عن حضور دروسي بعد الآن. واتفق معي آخرون، في حين قال لي البعض إنني أعطيتهم أمرًا ليفكروا فيه. هناك أيضًا أشخاص لا يتفقون معي، لكنني على الأقل تمكنت من إقناعهم بأن ادعاء الإبادة الجماعية ليس ادعاءً سخيفًا مدفوعًا بمعاداة السامية.

إلياس فيروز: غالبًا ما يُنظر إلى الجامعات الإسرائيلية في ألمانيا باعتبارها معقلًا للمقاومة ضد حكومة بنيامين نتنياهو. ما المزاج السائد في الجامعات الإسرائيلية الآن؟

عاموس غولدبرغ: صحيح أن الجامعات تشكل معقلًا للمعارضة لحكومة نتنياهو. لقد بدأ هذا مع التغييرات القضائية قبل الحرب. تتحدث أصوات كثيرة داخل الجامعات ضد الحرب، على الرغم من أن العديد منها يدعمها بنشاط، أو حتى يشجع الحكومة على زيادة الضغوط غير الإنسانية بالفعل على قطاع غزّة.

العديد ممن يعارضون الحرب يعارضونها في المقام الأول بسبب الرهائن، وهي قضية جديرة بالاهتمام، ولكن أقلية فقط في إسرائيل تعترف بالطبيعة اللاإنسانية والإجرامية للحرب على هذا النحو. ويجب عليّ أيضًا أن أسلط الضوء على العديد من مظاهر التضامن بين اليهود والفلسطينيين التي حدثت في الجامعات. ومع ذلك، في المجمل، أود أن أقول إن الجامعات، كمؤسسات، فشلت في اجتياز هذا الاختبار الذي يقيس أخلاقياتها والتزاماتها تجاه حرية التعبير، والإنسانية، والتحليل النقدي للواقع في أوقات الأزمات.

وربما تكون جامعة تل أبيب ورئيسها أرييل بورات استثناءً، حيث دافع بورات في الغالب عن حرية التعبير، ولكن يعمّ في المجمل جو من الخوف والقمع. وهذا ينطبق على نحوٍ خاص على الأساتذة والطلاب الفلسطينيين، الذين يشعرون أنهم لا يستطيعون حتى التعبير عن أي نوع من التعاطف العلني تجاه إخوانهم وأخواتهم في قطاع غزّة. لا يوجد مكان لمشاعرهم أو وجهات نظرهم في الحرم الجامعي، أو في المجال العام، أو على وسائل التواصل الاجتماعي.

لقد فقد بعض الأساتذة، ومن بينهم اليهود، وظائفهم في الكليات بسبب التعبير عن انتقادات مشروعة، ولكن آخرين لم يفقدوا وظائفهم، ولكن تعرضوا للمضايقات. كانت الحادثة الأكثر شهرة هي تلك التي وقعت للأستاذة نادرة شلهوب كيفوركيان، وهي أستاذة فلسطينية مشهورة عالميًا في الجامعة العبرية في القدس ومعروفة بآرائها الصريحة حول الإبادة الجماعية والصهيونية. أُوقِفت عن التدريس من قبل الجامعة لفترة قصيرة . وواجهت مضايقات من زملائها وتهديدات، بل وحتى أنها اعتقلت واحتُجزت لمدة يومين. وقد استجوبتها الشرطة عدة مرات. وربما بدا انتقادها قاسيًا وغير سار بالنسبة لمعظم الإسرائيليين، لكنه ما يزال مشروعًا، وفي رأيي، صحيح إلى حد كبير. وهي تنتظر الآن لترى ما إذا كان سيتم توجيه اتهامات لها بـ «التحريض» استنادًا أيضًا إلى مقالاتها الأكاديمية المُحكّمة بمراجعة الأقران.

ومن التطورات المثيرة للقلق قيام الاتحاد القطري للطلاب الجامعيين والطالبات الجامعيات (أو اتّحاد الطلاب الإسرائيليين) بترويج مشروع قانون مثير للجدل من شأنه أن يلزم الجامعات بطرد أي شخص على الفور، بما في ذلك الأساتذة المُثبَّتين الدائمين، بسبب أي انتقاد للدولة أو الجيش يعتبره وزير التعليم «تحريضًا». ولكن لا تدعم كل اتحادات الطلاب المحلية، بما في ذلك فرع الجامعة العبرية، مشروع القانون، كما أن الجامعات نفسها تعارضه بشدة. آمل أن يفشل مشروع القانون، لكن الائتلاف الحكومي يدفع بقوة نحو إقراره، إلى جانب أجزاء من المعارضة. ومن المخزي حقَا أن الطلاب في المجتمع الأكاديمي الإسرائيلي يدفعون نحو مثل هذا الإجراء القاسي والاستبدادي، ومن المخيف أن نفكر في النتائج إذا أُقرّ مشروع القانون بالفعل.

إلياس فيروز: ترفض جامعتكم الاتهامات الموجهة لإسرائيل بالإبادة الجماعية، ولكنها من ناحية أخرى وصفت على الفور هجوم حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول بأنه إبادة جماعية. ما رأيك؟ هل كان السابع من أكتوبر/تشرين الأول يستوفي المعايير اللازمة لوصفه بالإبادة الجماعية؟

عاموس غولدبرغ: أتفق مع معظم تقييمات الأمم المتحدة وغيرها، بما في ذلك المذكرات الحالية التي أصدرها المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان (Karim Khan)، والتي تنص على أن هجوم حماس كان مروعًا وإجراميًا، وينطوي على جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. على الرغم من أن البعض يعتبرها عملًا إبادة جماعية، إلا أنني لا أراها كذلك. أعتقد أنه الهجوم يُمثل جريمة فظيعة، وخاصة استهداف المدنيين، وتدمير الكيبوتسات، واحتجاز الرهائن، بما في ذلك الأطفال. ومع ذلك، فإن وصفه بالإبادة الجماعية يلوي عنق التعريف لدرجة إنه يصير بلا معنى.

ورفضت الجامعة رفضًا صريحًا استخدام مصطلح الإبادة الجماعية فيما يتصل بأفعال إسرائيل عند إدانتها لنادرة شلهوب كيفوركيان. وقد صرحوا بأنه من المثير للغضب أن نسميها إبادة جماعية، على الرغم من أن العديد من الخبراء القانونيين والمؤرخين وخبراء الإبادة الجماعية مثل راز سيغال (Raz Segal)، وماريون كابلان (Marion Kaplan)، وفيكتوريا سانفورد (Victoria Sanford)، ورونالد سوني (Ronald Suny)، وفرانشيسكا ألبانيزي (Francesca Albanese) يستخدمون هذا المصطلح. ويعتقد خبراء بارزون آخرون، مثل عومر بارتوف (Omer Bartov)، أن الوضع قد يتحول إلى إبادة جماعية.

ونحن نعلم أيضًا أن أعلى محكمة على وجه الأرض، محكمة العدل الدولية، حكمت في يناير/كانون الثاني الماضي على عدة تدابير مؤقتة بينما ذكرت أنه من المعقول حقًا أن تكون حقوق الفلسطينيين وفقًا لاتفاقية الإبادة الجماعية قد انتهكت، أو بعبارة أخرى، من المعقول أن ما يحدث في قطاع غزّة هو إبادة جماعية.

أعتقد أن رفض استخدام مصطلح الإبادة الجماعية لوصف تصرفات إسرائيل بأنها «لا أساس لها من الصحة» هو خطأ فادح. وباعتبارنا أكاديميين، فإن دورنا هو دراسة الحقائق واستخلاص النتائج، وليس رفض المصطلحات أيديولوجيا. ورغم أنه قد يستنتج المرء أن ما حدث في الواقع ليس إبادة جماعية، فإن تسمته بالإبادة الجماعية ليس من دون أساس، نظرًا للأدلة والعديد من الخبراء الذين توصلوا إلى نفس النتيجة. إن رفضها باعتبارها اتهامًا فادحًا دون النظر إلى الحقائق والحجج يتناقض مع التزامنا الأكاديمي بالحقيقة.

إلياس فيروز: كما ترفض الحكومة الألمانية اتهامات الإبادة الجماعية وتدعم إسرائيل في محكمة العدل الدولية. منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، أسكتت أصوات عدد من الفلسطينيين والإسرائيليين الذين ينتقدون سلوك إسرائيل في الحرب، وحتى منعهم من دخول إسرائيل. بالنظر إلى رأيك حيال الحرب، هل تعتقد أن الحكومة الألمانية تستخلص الدروس الخاطئة من التاريخ؟

عاموس غولدبرغ: نعم، ألمانيا تتعلم الدروس الخاطئة من التاريخ. إن الحكومة الألمانية ومعظم وسائل الإعلام الألمانية متحيزة ومخطئة ونفاقية عندما يتعلق الأمر بجرائم إسرائيل ضد الفلسطينيين. وهذا الموقف ليس جديدًا. تدعم ألمانيا إسرائيل وروايتها بسبب مبدأ المصلحة الوطنية (Staatsräson) الألماني الذي يربط شرعية الدولة بدعمها لإسرائيل. ليس فقط أنهم لا يريدون رؤية ما يحدث، بل إنهم يرفضون رؤية ما يحدث حقيقةً! إن هذا الدعم الثابت، الذي يُنظر إليه على أنه ترخيص مطلق لأفعال إسرائيل، بما في ذلك ما أعتبره إبادة جماعية، ليس في صالح إسرائيل.

ينبغي لألمانيا، البلد الذي ارتكب الهولوكوست تحت الحكم النازي، أن تدافع عن القيم العالمية. «لن تتكرر أبدًا» يجب أن ينطبق على الجميع. يأتي ما يقرب من 30% من واردات إسرائيل من الذخيرة والأسلحة من ألمانيا. وهذا لا يساعد الفلسطينيين ولا الإسرائيليين.

إن قضية قمع ألمانيا لحرية التعبير تعود إلى ما قبل الحرب الحالية، حيث تعتبر الدولة الألمانية أي نقد موجه إلى إسرائيل، بما في ذلك الانتقادات التي يعبر عنها اليهود، معادٍ للسامية. تتجاهل وسائل الإعلام والحكومة الألمانية عمدًا الواقع في إسرائيل وفلسطين، مما يمكّن إسرائيل من ارتكاب الجرائم ومواصلة سياسات الفصل العنصري والضم والاحتلال والاستيطان. لا أعتقد أن تصرفات ألمانيا تساعد إسرائيل. وعلى العكس من ذلك، فإنها تدفع المجتمع الإسرائيلي نحو هاوية قد لا يكون قادرًا على التعافي منها.

إلياس فيروز: أعلن وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش مؤخرا أنه يريد تحويل مدن وقرى الضفة الغربية إلى أنقاض، مثل قطاع غزّة. في حين ينصب معظم اهتمام العالم على قطاع غزّة، فإن الوضع في الضفة الغربية أيضًا أصبح خارجًا عن السيطرة، مع تزايد الهجمات على السكان الفلسطينيين والتحركات التي تقوم بها الحكومة الإسرائيلية لتوسيع المستوطنات هناك. هل هذا جزء من إستراتيجية موحدة؟

عاموس غولدبرغ: ترى الحكومة والعديد من المستوطنين وأنصارهم أن الحرب فرصة لتوسيع المستوطنات والاستيلاء على الأراضي وطرد الفلسطينيين. قُتل أكثر من خمسمئة فلسطيني في الأراضي المحتلة على يد الجيش الإسرائيلي والمستوطنين منذ بدء الحرب.

أنا جزء من مجموعة إسرائيلية تسمى نشطاء وادي الأردن (Jordan Valley Activists) والتي تحاول حماية مجتمعات الرعاة الفلسطينيين ومساعدتهم في الحفاظ على أراضيهم وسبل عيشهم. لقد شهدت عنف المستوطنين بنفسي. ووقعت مؤخرًا حادثة مروعة حيث هاجم مستوطنون، على ما يبدو، من مستوطنة شدموت محولا، رعاة ومزارعين فلسطينيين، وسرقوا سيارة، وحطموا جميع نوافذها، وضربوا الناس وأصابوهم، ويعملون على إرهابهم ومضايقتهم بشكل مستمر. ومن الواضح أن المستوطنين يستغلون الحرب لتوسيع أراضيهم، وطرد الفلسطينيين من أراضيهم، وخاصة في المنطقة (ج) من الضفة الغربية، و«تهويد» المنطقة.

تدعم قوات الجيش والشرطة في كثير من الحالات تصرفات المستوطنين، إما إيجابيًا عبر دعمهم أو سلبيًا من خلال عدم التدخل عمدًا أو محاسبة الجناة. لا تخدم الشرطة سيادة القانون بل تخدم المستوطنين الخارجين عن القانون. ومن ثم، فإن المهاجمين لا يضطرون إلى المثول أمام المحكمة مطلقًا تقريبًا. وفي نهاية المطاف، فرضت الولايات المتحدة ودول أخرى عقوبات على هؤلاء المستوطنين لأنها أدركت أن النظام القانوني الإسرائيلي نادرًا ما يحاسبهم.

نشر بتسلئيل سموتريتش في عام 2017 ما أطلق عليه «الخطة الحاسمة»، والتي عرضت على الفلسطينيين خيارين: قبول العيش في ظل نظام الفصل العنصري أو المغادرة. وفي الواقع، هدد بالقضاء على الفلسطينيين الذين يقررون معارضة هذين الخيارين. وتحظى هذه الخطة، التي وضعها سياسيون رفيعو المستوى، بدعم واسع النطاق. وأظن أنه حتى لو لم تُعتمد رسميًا من الحكومة الحالية فإن روحها هي التي تحدد سياستها.

إلياس فيروز: تشير كل بيانات استطلاعات الرأي المتاحة تقريبًا إلى ارتفاع مستويات الدعم للحرب بين السكان الإسرائيليين، ولكن في الوقت نفسه تتزايد الاحتجاجات المطالبة بوقف إطلاق النار واستقالة نتنياهو. هل بدأ المزاج في إسرائيل يتغير؟

عاموس غولدبرغ: يتغير المزاج شيئًا فشيئًا، إذ يدرك كثيرون أن الطريقة الوحيدة لإعادة الرهائن هي التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار. وبعضهم أيضًا لم يعد يرى أي جدوى للحرب. ولكن الأغلبية ما تزال تؤيد الحرب، وهي بلا شك عمياء تمامًا عن الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزّة .

أحد الأمور الإيجابية التي أود الإشارة إليها هي أن المنظمات مثل نشطاء وادي الأردن، والتي ذكرتها من قبل، أو الحركات الشعبية مثل «نقف معًا» (عومديم بياحد) تنمو أيضًا، على الرغم من أن هذه مجموعات صغيرة جدًا مقارنة ببقية المجتمع. ومن بين الإجراءات البارزة التي اتخذتها حركة «نقف معًا» مرافقة قوافل المساعدات الإنسانية المتجهة إلى قطاع غزّة والتي منعَ وصولها وتخريبها على أيدي المستوطنين واليمينيين المتطرفين. حتى إن وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، أمر الشرطة بعدم حماية القوافل، مما سمح بحدوث أعمال التخريب. قام نشطاء «نقف معًا» بحماية الشاحنات حتى وصولها إلى معبر قطاع غزّة.

تتكون هذه الحركة في المقام الأول من اليهود والعرب من داخل حدود عام 1948، الذين يحتجون على الحرب ويطالبون بتحرير الرهائن، لأنهم يدركون أن الحرب لن تقودنا إلى أي مكان وأن كلا الجانبين يدفعان بالفعل ثمنًا باهظًا. ولكن هذه الأصوات تتعرض لقمع شديد من جانب الحكومة والشرطة، وحتى المسؤولين المحليين، مثل رئيس بلدية حيفا، يونا ياهاف، الذي قال إن المظاهرات ضد الحرب لا ينبغي أن تكون في مدينة حيفا.

إلياس فيروز: ما المستقبل الذي تراه لإسرائيل وفلسطين بعد الحرب؟ ما آثارها على المدى الطويل؟

عاموس غولدبرغ: لن يأتي من هذه الحرب أي خير، ولا أرى أي مخرج من هذا الطريق المسدود. لقد عشت حياتي كلها في القدس كناشط وأكاديمي، وأعمل وأكتب على أمل التغيير. وفي كتاب قمت بتحريره بالاشتراك مع صديقي وزميلي البروفيسور بشير بشير، بعنوان الهولوكوست والنكبة: قواعد جديدة للصدمة والتاريخ (The Holocaust and the Nakba: A New Grammar of Trauma and History)، وفي مقالات أخرى كتبناها، تصورنا حلًا ثنائي القومية قائم على المساواة [دولة ثنائية القومية]. يؤكد هذا الحل على المساواة في الحقوق للجميع، سواء جماعيًا أو فرديًا. أصبحت هذه الرؤية الآن أكثر بعدًا من الخيال العلمي.

إن حل الدولتين هو مجرد ستار دخان يستخدمه المجتمع الدولي، حيث لا يوجد مسار واقعي لتحقيق حل الدولتين القابل للتطبيق والذي يمنح الفلسطينيين حقوقهم. لم يترك توسيع المستوطنات أي مجال لذلك، ولم تعد فكرة الدولتين المتساويتين في الحسبان. ولكن حتى المقترحات الأكثر تقدمية من اليسار الإسرائيلي والمجتمع الدولي لا ترقى إلى الحد الأدنى من الكرامة والسيادة والاستقلال الذي يمكن للفلسطينيين أن يقبلوه. تنتشر في المجتمع الإسرائيلي العنصرية والعنف والعسكرة والتركيز النرجسي على معاناة الإسرائيليين فحسب، لدرجة أنه لا يوجد أي دعم شعبي لأي حل آخر غير المزيد من القوة والقتل.

الوضع الراهن غير قابل للاستمرار وسيؤدي إلى المزيد من العنف. إن إسرائيل، التي لم تكن ديمقراطية كاملة منذ البداية، تفقد حتى ميزاتها الديمقراطية الجزئية. اليوم هناك ما يقرب من 7.5 مليون يهودي و7.5 مليون فلسطيني بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط تحت السيطرة الإسرائيلية. ويتمتع الأولون بكامل الحقوق بينما لا يتمتع الآخرون بأي حقوق أو يتمتعون بحقوق جزئية. يصبح المجتمع اليهودي الإسرائيلي أكثر عدوانية وتوسعًا واستبدادًا. لقد ساهمت ألمانيا والولايات المتحدة ومعظم الدول الغربية بشكل كبير في الوصول إلى الطريق المسدود الحالي. أنا متشائم جدًا ومكتئب بشأن المستقبل. أقول هذا بحزن شديد لأن إسرائيل هي مجتمعي ووطني.

ومع ذلك، فقد أظهر لنا التاريخ أن المستقبل قد يكون غير قابل للتنبؤ، وربما تتغير الأمور للأفضل، ولكن هذا يتطلب ضغوطًا دولية هائلة. هذه الفكرة المجردة هي أملي الوحيد.