"اليوم التالي".. مناورات سياسية وأسئلة داخلية حول الجاهزية

مع دخول العدوان على القطاع شهره الثامن عاد الحديث مجددًا عن "اليوم التالي"، وسط سجالات سياسية بين جميع الأطراف ذات العلاقة، والمصالح المتناقضة، ففي حين ترى إسرائيل سيطرتها المطلقة على قطاع غزة، فإن الولايات المتحدة تحثها على وضع سيناريوهات تكون فيها خارج القطاع لصالح إدارة فلسطينية، وفق رؤية تقوم على حل الدولتين، وهو ما تعارضه تل أبيب، وترفض أي وجود فلسطيني في قطاع غزة، من شأنه أن يبعث الأمل بإقامة الدولة الفلسطينية التي يتنامى الحديث العالمي اليوم حول الاعتراف بها.


ويرى كتاب ومحللون سياسيون أن الاستعداد الفلسطيني للتعامل مع اليوم التالي للحرب على غزة إن انسحب الاحتلال من القطاع، أمر مهم وضروري للملمة الجراح، وإدارة شؤون المواطنين، وهو ما يحتاج إلى تعزيز الوحدة والتفاهمات الفلسطينية- الفلسطينية، وكذلك العمل على خطة والترويج لها عالميًا حال لم ينسحب الاحتلال للضغط عليه للقبول بما يتم التوافق عليه فلسطينيًا بشأن إدارة القطاع.


يقول الكاتب والمحلل السياسي د. غسان الخطيب: "إن الاستعدادات لليوم التالي للحرب على القطاع، تتوقف على نتائج الحرب، سواء بالانسحاب من غزة أو بقاء الاحتلال عسكريًا، رغم أن الاحتلال فشل حتى الآن في إيجاد جهات تتولى شؤون القطاع مع رفضها المستمر أن يتم ذلك من قبل السلطة الوطنية أو من حركة حماس".


وفي حال أبقت إسرائيل على تواجدها العسكري إن أوقف إطلاق النار، فإن الخطيب يشير إلى أن إسرائيل ستتورط في إدارة شؤون قطاع غزة، وستضطر للبحث عن بدائل، وإن فشلت بالبقاء عسكريًا في القطاع، فإن الوضع سيعود لما كان عليه قبل الحرب.


فلسطينياً، فإن الخطيب ينوه إلى أن السلطة ليس لها آفاق إن كان سيكون لديها دور في غزة أم لا، كون اللاعبين الرئيسيين هناك هما إسرائيل وحركة حماس، وكلاهما لا يريد أن يكون للسلطة دور.


ويوضح الخطيب أنه في حال انتهت الحرب على القطاع، فإن حركة حماس لن تستطيع لوحدها إدارة شؤون القطاع، وإعادة إعماره، حيث بلغت نسبة الدمار درجة كبيرة لا يمكن معها إعادة البناء بشكل سهل! وكذلك في ظل إعلان الكثير من الدول أن دعمها للإعمار يتوقف على إيجاد حل سياسي، لذا فإن آفاق إعادة الإعمار مظلمة.
ويشدد الخطيب على أن الطريق الأقصر لإدارة شؤون قطاع غزة، هو توحيد النظام السياسي الفلسطيني، والوصول إلى صيغة ما للتعايش بين الفلسطينيين، وبدونها من الصعب جدًا الوصول إلى آفاق في ظل استمرار الانقسام.


ويقول الكاتب والمحلل السياسي د. علي الجرباوي: "لا يوجد أية معالم لخطة فلسطينية لكيفية التصرف بعد انتهاء الحرب، ولكن هناك أمور يجب العمل على معالجتها قبل ذلك، بإنهاء الانقسام، والوصول إلى تفاهمات فلسطينية داخلية، لأن أية حكومة فلسطينية لا يمكن لها أن تعمل بدون التوصل إلى تفاهمات، والحرب على غزة من الممكن أن تضعف حماس وتمنع حكمها بشكل منفرد، لكن الحرب لن تنهي وجود حماس".


ويتابع الجرباوي: "يجب الإجابة على التساؤلات حول كيفية تغيير نظامنا السياسي بشكل توافقي، خاصة أن المناكفات والتراشق بين طرفي الانقسام لا زال مستمرًا رغم استمرار الحرب".


ويشدد الجرباوي على أن السياسة الفلسطينية يجب أن تنطلق عبر برنامج توافقي مهم يؤكد على كيفية لملمة الأوضاع الفلسطينية بعد الحرب ومواجهة المخططات وإعمار غزة وتصميد الناس فيها، وهو أمر يتطلب وجود مقاربة فلسطينية فلسطينية وتفاهمات للانطلاق بالقضية نحو الساحتين الإقليمية والدولية، وأن لا نترك المصير الفلسطيني للآخرين نتيحة الانقسام.


ويشير الجرباوي إلى أن الحكومة التي سوف تقود غزة يجب أن يكون عليها توافقات وتفاهمات، وليس تشكيل الحكومة والطلب بقبولها، ويجب الترويج لحكومة وتفاهمات نقنع بجدواها العالم، للضغط على إسرائيل للقبول بذلك سواء رضيت إسرائيل أم لا، حيث أنها ترفض السلطة أو حركة حماس لإدارة شؤون القطاع.


ويشدد الكاتب والمحلل السياسي عدنان الصباح على أنه من المفترض أن هناك رؤية واحدة موحدة لإدارة شؤون قطاع غزة، لكن لا يوجد حتى الآن أي خطة فلسطينية للتعامل مع اليوم التالي للحرب، وكل ما يجري طروحات أميركية أو إسرائيلية أو دولية.


ويقول الصباح: "إن الواقع القائم في غزة هو وجود حركة حماس والمقاومة، ولا أحد يجرؤ بعد انتهاء الحرب الذهاب إلى هناك لإدارة شؤون القطاع دون موافقتها، لكن حماس وأمام الملفات الصعبة في غزة تعجز عنها دول عظمى، وحجم الألم الموجود، لا تقدر وحيدة على إدارة شؤون القطاع وحلحلة الأزمة"، مشيرًا إلى الواقع الصعب كذلك في الضفة الغربية والذي يحتاج لخطة إدارة للمرحلة.


ويشير الصباح إلى أنه وللأسف لم تجلس أية مؤسسة أو فصيل أو مركز دراسات وغيرها للتفكير بخطط لليوم التالي للحرب، في مقابل وجود رؤى للاحتلال الإسرائيلي وأميركا لما بعد الحرب، ويتم تعديلها بحسب كل مرحلة، وأميركا تسعى ليكون لها دور في إدارة غزة، لكن إن بقي الحكم العسكري في المقابل تبقى المقاومة.


ويرى الصباح أنه يتوجب فصل السلطة عن منظمة التحرير، والتي يتوجب عليها إدارة الواقع السياسي بينما الحكومة تدير الواقع الخدماتي، مؤكدًا أنه يتوجب الحديث عن وجود سلطة مختلفة عن السلطة الحالة، والمطلوب من السلطة والقيادة الفلسطينية من مختلف الفصائل، بما فيها حركتا حماس والجهاد الذهاب إلى إنهاء جريمة الانقسام.


وينوه الصباح إلى أن حركة حماس لوحدها لا تسطع إدارة شؤون القطاع، وسيحاربها العالم، وواقعنا يتطلب رؤية فلسطينية موحدة من أجل اليوم التالي للحرب، وهي مسؤولية الجميع فصائل وسلطة ومؤسسات مجتمع مدني، من أجل إدارة شؤون المواطنين ولململة جراح غزة ومآسيها بكافة التفاصيل، وهو ما يتطلب من القيادة الفلسطينية أن ترتقي إلى مستوى ما جرى.


ويقول أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة العربية الأميركية والكاتب والمحلل السياسي د. أمجد أبو العز: "إن الفلسطينيين غير جاهزين لفكرة اليوم التالي للحرب، والتي تحتاج لمصالحة فلسطينية- فلسطينية، ووجود برنامح ورؤية ومرجعية سياسية وحوار وطني، إلا أن الموجود لا يرتقي كونه محاولات ترميم، وليست محاولات حقيقية لرأب الخلاف الموجود".


ويتابع أبو العز، "إن حركتي حماس وفتح لا تملكان حتى الآن الأهلية لإدارة شؤون غزة بعد الحرب، حيث إن حماس رغم قوتها وحضورها لكنها تفتقد الشرعية الدولية والاعتراف العالمي بها والذي يعدها حركة (إرهابية)، وحركة فتح تمتلك تلك الشرعية لكنها تفتقد القوة على الأرض في غزة".


ويشدد أبو العز على أن الحديث عن "اليوم التالي" للحرب، من الصعب التكهن به، لأن المعركة لم تنتهِ، واستمرار وجود إسرائيل في غزة، يعني دخولها في حرب استنزاف قد تستمر أكثر من عشر سنوات، ولن يكون هنالك استقرار، وانتهاء الحرب بالنسبة لحماس انتصار، واستمرار الحرب يعني بالنسبة لنتنياهو الانتصار.


ويشير أبو العز إلى أن حركة حماس قبل السابع من أكتوبر تختلف عما بعده، في ظل حديثها عن إمكانية إبرام هدنة طويلة الأمد، والحديث عن إمكانية تحولها لحزب سياسي.


ويقول أبو العز: "إن الحديث عن إدارة غزة فلسطينيًا لن يكون دون وجود نظام سياسي يقبل العالم فيه، وذلك يتطلب وجود توافق دولي وعربي وفلسطيني، لذا يتطلب الأمر وحدة حقيقية وتفعيل وجود حركتي حماس والجهاد في منظمة التحرير، والاتفاق على خطة وبرنامج موحد، والأمر سهل إن توفرت النية والرغبة الفلسطينية ضمن حوار وطني".