رام الله الإخباري
أثارت دعوة وزير المالية الاسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش مؤخرًا، بإلغاء نظام تأمين التعويض الذي توفره حكومته للبنوك الإسرائيلية التي تجري معاملات مع البنوك الفلسطينية، مخاوف قد تصل إلى حد إمكانية عزل البنوك العاملة في المناطق التابعة للسلطة الفلسطينية عن العالم الخارجي.
فما تفاصيل القصة؟ وهل يمكن فعلًا في حال تطبيق هذه التهديدات أن يتم عزل فلسطين مصرفيًا عن العالم الخارجي؟
لتوضيح الصورة أكثر، يجب الإشارة إلى أن بروتوكول باريس الاقتصادي هو الإطار الناظم للعلاقة الاقتصادية بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، والقرار المبرم عام 1994 ينص بشكل واضح في البند (19) على إنشاء سلطة نقدية "PMA" في المناطق الفلسطينية تتمتع بصلاحيات ومسؤوليات لتنظيم القطاع المصرفي، محددًا مجموعة من المهام لتلك السلطة من بينها الإشراف على الاستقرار المالي والنقدي، وكذلك تنظيم جميع أنواع النشاطات البنكية بما في ذلك نشاطاتها الخارجية.
وبموجب ذلك البروتوكول يستطيع أي بنك فلسطيني إتمام معاملاته المصرفية مع بنك وسيط في أي دولة كانت بما فيها بنوك وسيطة داخل "إسرائيل"، وهو بنك خارج الأراضي الفلسطينية ويقوم بإجراء أعمال تخص عملاء البنك الفلسطيني.
يقول بشار ياسين مدير عام جمعية البنوك في فلسطين لـ"الترا فلسطين": "علاقة أي بنك في فلسطين مع العالم الخارجي تتم من خلال بنك وسيط في كل دولة على حدة، فمثلاً لو أراد بنك فلسطيني إتمام معاملات مالية في الصين عليه التعامل مع بنك وسيط في تلك الدولة"، مشيرًا إلى أن البنوك العاملة في فلسطين وعددها(13) بنكًا لديها بنوك وسيطة في دول عدة عبر العالم.
ويضيف: "التهديد الإسرائيلي بقطع العلاقة المصرفية مع البنوك الفلسطينية لا يوقف علاقة هذه البنوك مع العالم الخارجي، لكنه سيتسبب بوقف العلاقة المصرفية المباشرة بين إسرائيل وفلسطين"، مبينًا أن هذا من الناحية النظرية ممكن، لكنه غير وارد لأن مصلحة الطرفين تقتضي بالإبقاء على هذه العلاقة.
تتعامل البنوك العاملة في فلسطين، وفق بروتوكول باريس الاقتصادي، مع بنكين وسيطين إسرائيليين، هما "ديسكونت" و"هبوعليم" (لإتمام المعاملات المالية بعملة الشيقل بين الطرفين)، وقد طالبا منذ عام 2009 بإنهاء التعاملات مع البنوك الفلسطينية تخوفًا من توريطهم في قضايا "تمويل الإرهاب"، وذلك بعد رفع دعاوى على بنوك فلسطينية في المحاكم الأمريكية.
وقدمت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ورقتي ضمانات للبنكين الإسرائيليين طوال السنوات الماضية؛ واحدة من وزارة العدل الإسرائيلية تفيد بأن الحكومة ستدافع عن البنكين في أية قضايا تمسهما بدعوى "تمويل الإرهاب"، والثانية من وزارة المالية الإسرائيلية تؤكد على أنها ستقوم بتعويضهما نتيجة أي خسائر قد يتكبدها البنكان بسبب هذه الدعاوى، وذلك في حالة أدينت بنوك فلسطينية. مع العلم أن إدانة بنوك فلسطينية في قضايا "إرهاب" يعني إدانة ضمنية للبنوك الوسيطة الإسرائيلية، وهو ما أثار تلك المخاوف لدى البنكين.
وتسري كتب الضمانات هذه من وزارتي المالية والعدل الإسرائيليتين منذ عدة سنوات، وتتجددان بشكل تلقائي سنويًا أو مرة كل سنتين، وآخر هذه الكتب انتهت في 31 آذار من الشهر المنصرم.
وأكدت سلطة النقد الفلسطينية لـ"الترا فلسطين" أنه جرى تمديد العمل برسائل الضمانات حتى نهاية شهر تموز المقبل، وأن العلاقة المصرفية حاليًا مستمرة بين الطرفين.
وأفادت سلطة النقد أن الجانب الإسرائيلي قرر إنشاء فريق لدراسة الخيارات المتاحة للتعامل مع المصارف الفلسطينية، وفي الأثناء فإن سلطة النقد تنسق مع الحكومة الفلسطينية بشأن البدائل المتاحة في حال عدم قيام الجانب الإسرائيلي بتجديد الرسائل لصالح البنوك الإسرائيلية.
من جهة أخرى، علمت "الترا فلسطين" من مصادر خاصة أن حجم الحوالات المصرفية المتبادلة بين فلسطين ودولة الاحتلال تجاوز 70 مليار شيقل خلال العام الماضي، الأمر الذي ينذر بحجم الأزمة في حال عدم تجديد الرسائل المشار إليها.
جدير بالذكر أن قانون خفض استخدام النقد المطبق في إسرائيل سيكون أمام تحد كبير في حال عودة التجارة بين البلدين بالاعتماد على الأساس النقدي.
وعلمت "الترا فلسطين" من مصدر مطلع أن هناك توجهًا لإيجاد بديل عن التعامل مع البنوك الوسيطة الإسرائيلية من خلال إنشاء شركة للخدمات المصرفية في إسرائيل تتعامل مباشرة مع سلطة النقد، لكن هذا الموضوع لا يزال في إطار الدراسة.
ويرجح الخبير الاقتصادي د. ثابت أبو الروس إلى أن التهديد بقطع العلاقة المصرفية مع البنوك العاملة في فلسطين ليس إلا "زوبعة في فنجان" في إطار تخبطات سياسية ، مشيرًا إلى أن مصلحة الطرفين تقتضي بالإبقاء على هذه العلاقة، وإن كانت بآلية جديدة عبر شركتين للخدمات المصرفية، مرجحًا أن تُبقي الحكومة الإسرائيلية على تمديد منح الضمانات للبنكين الإسرائيليين إلى حين اعتماد العمل بالآلية الجديدة.
ويشير د. أبو الروس إلى أنه في حالة تطبيق التهديدات الإسرائيلية بوقف التعاملات مع البنوك الفلسطينية، فسيكون لذلك آثار كارثية على الطرفين، تشمل وقف التعاملات المالية بينهما بعملة الشيقل، فمثلًا لن تستطيع إسرائيل تحويل ضريبة المقاصة للسلطة الفلسطينية، ولن يكون هناك أية إمكانية لتحويل مبالغ مالية أو حوالات أو إجراء عمليات تقاص بين بنوك فلسطينية وإسرائيلية، وهذا يعني ضمنًا عدم تمكن إسرائيل من استيفاء المبالغ المالية المترتبة على الجانب الفلسطيني نظير عمليات استيراد من السوق الاسرائيلي، وفي مقدمتها أثمان الكهرباء والمياه والمحروقات.
لكن أبو الروس يؤكد أن الجانب الإسرائيلي سيكون الأكثر تضررًا حال تطبيق قطع العلاقة المصرفية، كون أن عملة الشيقل هي المتداولة في السوق الفلسطينية، وفي حال وقف التعاملات سيتسبب لها ذلك بضرر كبير كون أن الكمية المتداولة في الأراضي الفلسطينية كبيرة، وسيدفع هذا الفلسطينيين إلى التفكير باعتماد عملة بديلة.
حجم التسهيلات الائتمانية الممنوحة في فلسطين بعملة الشيقل؛ تشكل نحو 42% من حجم إجمالي التسهيلات البالغة نحو 11.3 مليارات دولار.
وتشكل الصادرات إلى إسرائيل حسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني نحو 88% من إجمالي الصادرات الفلسطينية البالغة نحو مليار دولار سنويًا.
بينما بلغ حجم التبادل التجاري بين فلسطين و"إسرائيل" العام الماضي 3 مليارات دولار في أول 6 أشهر من 2023، مقارنة مع 2.7 مليار دولار للفترة ذاتها من 2022، مسجلة بذلك صعودًا بنسبة 8.7% على أساس سنوي.
وحسب مسح الإحصاء للسلع الخارجية المرصودة في الربع الأول والثاني من 2023، ومع نهاية يونيو/حزيران الماضي، استورد الفلسطينيون بضائع من إسرائيل بقيمة 2.3 مليار دولار من إجمالي الواردات البالغة 4 مليارات دولار، أي نحو 57% من الواردات الفلسطينية تأتي من "إسرائيل".
الترا فلسطين