ما السر وراء اللياقة البدنية في عمر الـ 40؟

أيمكنك أن تصوم طوال 36 ساعة شأن رئيس الوزراء البريطاني؟ في ما يلي سنلقي نظرة على مجموعة رجال في منتصف العمر تحتل صحتهم دائرة الضوء الآن، ونسأل عما إذا كانت طقوسهم الصحية تناسبك أنت أيضاً.


يُقال إن الوجبة الصباحية المفضلة لدى ونستون تشرشل، رئيس الوزراء البريطاني السابق، كانت عبارة عن طبق فطور إنجليزي "يحوي عادة: شرائح اللحم المقدد، والبيض، والنقانق، والفطر، والطماطم"، وإلى جانبه شرائح من التوست المحمص بالزبدة وكأس من النبيذ.


أما بوريس جونسون، وعلى رغم ولعه بممارسة رياضة الركض في الصباح مرتدياً قميصاً وسروالاً قصيراً، فأخبر أحد الصحافيين ذات مرة أنه غالباً ما يستمتع بتناول ما تبقى من كعكة عيد الميلاد على وجبة الفطور، مضيفاً، أن "خلطة بيتي كروكر المفضلة لدي".


ومن ناحية أخرى، يُحكى أن رئيس الوزراء الحالي ريشي سوناك يكتفي بشرب الماء والقهوة السوداء من الساعة الخامسة مساء الأحد حتى الخامسة صباحاً من الثلاثاء: "هذه حقيقة، إذ لا يتناول الرجل أي طعام على الإطلاق الإثنين"، كما كشف أحد المصادر، موضحاً أن سوناك "ملتزم تماماً بهذا النظام على نحو لا يصدق".


في الحقيقة، ليس سوناك الرجل الوحيد الذي يلتزم نظاماً صحياً محدداً. من صيام سوناك طوال 36 ساعة، إلى "التمرينات الجسدية الوحشية" التي يؤديها رجل الأعمال الأميركي جيف بيزوس البالغ من العمر 60 سنة، لم يحدث يوماً أن كانت صحة الرجال في منتصف العمر في دائرة الضوء أكثر مما هي عليه الآن. ولكن ماذا عن رأي العلم في شأن الحفاظ على لياقتك البدنية وصحتك الجسدية بعد سن الـ40؟
ركز على الصيام..


سبق أن تحدث سوناك البالغ من العمر 43 سنة عن الصيام، علماً أنه جزء من ديانته الهندوسية. فهو ذكر لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) الأسبوع الماضي: "أسعى إلى الصوم في بداية كل أسبوع كجزء من نمط حياة شامل متوازن".


وليس سوناك الرجل الوحيد في مرحلة منتصف العمر الذي يميل إلى نظام الصيام. في العام الماضي، أخبر الموسيقي كريس مارتن، البالغ من العمر 46 سنة، أحد المذيعين عن قيوده الغذائية التي يلتزمها، قائلاً: "لقد توقفت عن تناول العشاء. أتوقف عن استهلاك أي طعام عند الساعة الرابعة مساءً، وتعلمت هذه العادة بعدما تناولت الغداء مع (الموسيقي الأميركي) بروس سبرينغستين. والمعروف أن الأخير، البالغ من العمر 74 سنة، يتناول وجبة واحدة فقط في اليوم، على غرار جاك دورسي، الرئيس التنفيذي السابق لشركة "تويتر".


يقول المدرب الشخصي مات روبرتس الذي عمل مع زميل سوناك ديفيد كاميرون "وزير الخارجية البريطانية": "إن السبب العلمي وراء أهمية الصيام نظرية راسخة، وإن كانت خاضعة لبعض الجدل. يعزز الصيام عملية الالتهام الذاتي التي تسمح للجسم بالتخلص من الخلايا الهرمة (المختلة وظيفياً أو القديمة) والتي، إن لم تخرج من الجسم، تبدأ بالتأثير سلباً في الخلايا السليمة المحيطة بها. يساعد الصيام في معالجتها، التي يُعتقد أنها تساعد في الحصول على حياة أطول".


مثلاً، وجدت دراسة تعود لعام 2023، نهضت بها "جامعة يوتا" الأميركية أن الصيام المتقطع ربما يساعدك في العيش لفترة أطول. أما الباحثون في "جامعة ألاباما" في مدينة برمنغهام الأميركية، فوجدوا أن تناول جميع وجباتك بين الساعتين السابعة صباحاً والثالثة مساء (المعروف بالحمية الغذائية المقيدة بالوقت) يحسن ربما مستوى ضغط الدم والمزاج، ويساعد في خسارة الوزن الزائد.


بدوره، طور الطبيب ومقدم البرامج التلفزيونية مايكل موسلي نظاماً غذائياً أطلق عليه اسم "فاست 800" (Fast 800) بهدف محدد ألا وهو تقليص خطر داء السكري من النوع الثاني وأمراض القلب، مع الاعتقاد بأن الحمية ذات السعرات الحرارية المنخفضة ربما توقف أعراض السكري من النوع الثاني، خصوصاً إذا كنت تحمل دهوناً زائدة في البطن، علماً أنه المكان حيث يخزن كثير من الرجال هذه المادة في منتصف العمر.


سواء كنت تتبع الصيام "المتقطع" من عدمه، يقول روبرتس: "إن التفكير في نظامك الغذائي في منتصف العمر خطوة أساسية، إذ تزداد الدهون في الجسم لدى الرجال مع وصولهم إلى الأربعينيات والخمسينيات من العمر، ومرد ذلك في معظمه إلى تباطؤ عملية الأيض أو التمثيل الغذائي لديهم (تحويل الجسم الطعام والشراب إلى طاقة) وتراجع معدل هرمون التستوستيرون في الجسم، مما يجعل الرجال يراكمون الدهون حول منطقة الوسط. ويشمل ذلك أيضاً الدهون الداخلية الحشوية التي تفاقم خطر الإصابة بالسكري وأمراض القلب".


صحيح أن التمارين الرياضية تكتسي أهمية بالغة، ولكن في منتصف العمر عليك أيضاً أن تلتزم نظاماً غذائياً صحياً يتضمن مجموعة واسعة من الخضراوات والأعشاب وبعض الكربوهيدرات الصحية والبروتينات الخالية من الدهون والأسماك، إضافة إلى كمية قليلة من اللحوم الحمراء والدهون الصحية الموجودة في المكسرات والبذور والأفوكادو وزيت الزيتون.


وفي المقابل، الابتعاد من تناول الكحول المليء بما يسمى السعرات الحرارية الفارغة "تفتقر إلى العناصر الغذائية المصاحبة مثل الفيتامينات والمعادن ومضادات الأكسدة"، الذي يضر بصحة الأمعاء، ويعوق قدرتك على هضم الطعام.
اخضع لفحوص البروستات..


غادر الملك تشارلز المستشفى منذ أسابيع عدة بعد خضوعه للعلاج من تضخم البروستات، كما قام بمشاركة الناس الأخبار حول حاله الصحية بغية تشجيع الرجال الآخرين على التفكير في سلامة البروستات لديهم. تذكيراً، يصيب تضخم البروستات واحداً من كل ثلاثة رجال فوق سن الـ50 في المملكة المتحدة، في حين يبقى السبب غير معروف. وتشمل الأعراض الحاجة المتزايدة والملحة إلى التبول وصعوبة إفراغ المثانة.


ومعلوم أن تضخم البروستات يختلف عن سرطان البروستات، غير أنهما يشتركان في الأعراض، إلى جانب وجود دم في البول أو السائل المنوي، لذا راجع طبيبك دائماً إذا اعتراك القلق في شأن حالك.


تقول كيارا دي بياسي، مديرة قسم الدعم في "مؤسسة سرطان البروستات في المملكة المتحدة" Prostate Cancer UK، "إن رجلاً واحداً من كل ثمانية رجال سيصابون بسرطان البروستات".


وعلى رغم ذلك، لا يتوافر حتى الآن برنامج فحص معتمد لهذا الداء. وفي المملكة المتحدة، أكثر من 95 في المئة من الرجال الذين شخصت الفحوص الطبية إصابتهم بسرطان البروستات سيبقون على قيد الحياة لأكثر من عام، في حين أن 80 في المئة سيعيشون لـ10 سنوات أو أكثر.


في الآونة الأخيرة، صدر إعلان عن تجربة مدعومة من حكومة المملكة المتحدة بقيمة 42 مليون جنيه استرليني، هي بمثابة مشروع تاريخي هدفه التوصل إلى أفضل طريقة لفحص الرجال بغية الكشف عن سرطان البروستات، على أمل في تمهيد الطريق لتنفيذ برامج الفحص الوطنية في المملكة المتحدة.


إضافة إلى ذلك، فإن اختبار الدم"بي أس أي" "PSA (اختبار مستضد البروستات النوعي) الذي يعد الخطوة الأولى في تشخيص سرطان البروستات، متاح أيضاً أمام جميع الرجال الذين تزيد أعمارهم على 50 سنة بناء على طلب الطبيب العام.


في غضون ذلك، تؤكد دي بياسي أهمية إدراك أن سرطان البروستات لا يتسبب بأي أعراض غالباً في مراحله المبكرة، وأن من المهم لكل رجل أن يتفهم عوامل الخطر الفردية الخاصة به، علماً أنها تكون أعلى لدى الرجال الذين تخطوا الـ 50 سنة، والرجال من العرق الأسود فوق الـ45 سنة، ومن لديهم تاريخ عائلي من الإصابة بالمرض.


توضح دي بياسي أن "زيادة الوزن ربما تفاقم أيضاً خطر الإصابة بسرطان البروستات العدواني أو المتقدم، في حين يساعدك تناول الطعام الصحي والمواظبة على النشاط في الحفاظ على وزن صحي". تذكيراً، يمكنك التحقق من حجم الخطر الذي يتهددك باستخدام فاحص الأخطار الخاص بـ"مؤسسة سرطان البروستات" الخيرية عبر الإنترنت.
ابنِ عضلاتك مثل بيزوس..


في حديث إلى مجلة "فوغ" أخيراً، قالت خطيبة جيف بيزوس، لورين سانشيز "صحافية ومعلقة رياضية وممثلة أميركية"، إنه بينما يتمرن الزوجان معاً، "لا يسعنا أن نؤدي التمارين الرياضية نفسها. إنه "بيزوس" على مستوى مختلف تماماً عما أنا عليه الآن. تراه وحشاً في صالة الألعاب الرياضية". بدأ رئيس "أمازون" بيزوس متابعة التدريبات مع المدرب ويس أوكرسون الذي تولى تدريب النجم توم كروز، إضافة إلى ممارسة رفع الأثقال والتجديف ورياضة قوارب الكاياك وتسلق المرتفعات وركوب الأمواج، فضلاً عن تناول حمية البحر الأبيض المتوسط بما تتضمنه من أسماك ونباتات ودهون صحية.
يقول المدرب روبرتس: "إن الخطوة الأساسية التي لا بد من أن تتذكرها عندما تصل إلى منتصف العمر أنك معرض لخطر تراكم كمية صامتة (من دون أي أعراض ملحوظة أو علامات تحذيرية) تقريباً من الترسبات في شرايينك وارتفاع مستويات الكوليسترول، وكلاهما يزيد خطر الإصابة بأمراض القلب".


ويضيف روبرتس: "اعتباراً من سن الـ40، تبدأ مستويات هرمون التستوستيرون الذي ينتجه الجسم أيضاً بالتراجع بصورة طبيعية، مما يعني أن الرجال يدخلون مرحلة فقدان كتلة العضلات، وتسوء حالهم المزاجية ويظهر ضباب الدماغ (مشكلات في الذاكرة والتفكير وعدم القدرة على التركيز)".
ويتابع، "لكن ليس هذا جزءاً محتوماً من مرحلة الشيخوخة: شخصياً، أبلغ من العمر 50 سنة وما زالت نسبة الدهون في جسدي والأبعاد التي ترسمها عليه هي نفسها لم تتغير عندما كان عمري 20 سنة. في الحقيقة، ليس الكرش جزءاً لا مفر منه من الشيخوخة".
ينصح روبرتس عملاءه الرجال في منتصف العمر برفع الأثقال مرتين إلى ثلاث مرات أسبوعياً، مما يرفع نسبة هرمون التستوستيرون ويعزز كتلة العضلات ويخفض نسبة الدهون في الجسم. في هذا المجال، وجدت دراسة حديثة نشرتها "المجلة الطبية البريطانية" أن رفع الأثقال لمدة 30 إلى 60 دقيقة "أسبوعياً" (التي يمكن أن تشمل استخدام وزن الجسم، مثلاً، وتمارين البلانكplanks أو تمارين الضغط "بوش أبس" push-ups)، يقلص خطر إصابة الرجل بأمراض القلب بنسبة 10 إلى 20 في المئة".
ويتابع: "كذلك واظب على ممارسة بعض تمارين القلب البسيطة (أو ما يسمى التمارين الهوائية) لمدة 40 دقيقة نحو ثلاث إلى أربع مرات أسبوعياً لأنها تحرق الدهون بصورة فاعلة جداً، وتقلل من نسبة الترسبات في الشرايين والكوليسترول. من أمثلة ذلك المشي السريع، أو الركض البطيء، أو ركوب الدراجة الهوائية. في النطاق الثاني هو عندما تقوم باستخدام نحو 60 إلى 70 في المئة من معدل ضربات قلبك ("تبقى قادراً على خوض محادثة"، كما يقول روبرتس)، وعلى مقياس من واحد إلى 10 في الجهد المبذول، تبلغ نحو ستة. إضافة إلى الحؤول دون مواجهة أي إصابة جسدية، فإنه يجعل جسمك يستخدم الدهون كمصدر رئيس للطاقة.
وجدت بحوث اضطلعت بها "مؤسسة القلب البريطانية" أخيراً أن الرجل العادي في المملكة المتحدة يمضي خُمس حياته في وضع الجلوس، ولكن روبرتس يقول: إن الانشغال ليس عذراً لعدم النشاط، فيضيف: "أعرف من وقت عملي مع ديفيد (كاميرون) عندما كان في مقر رئاسة الحكومة، حيث كان يقوم بوظيفة ريشي الآن نفسها، أنها حياة مزدحمة. ليس عليك أن تذهب إلى صالة الألعاب الرياضية وتبقى هناك ساعة من الوقت، ولكن يمكنك رفع الأثقال أمام مقطع فيديو على "يوتيوب" لمدة 10 دقائق أثناء استراحة الغداء، أو اذهب في جولة مشي سريع قبل العمل".
عزز قوة عقلك..
وجدت دراسة أجرتها "جامعة إكستر" الإنجليزية أن العزف على آلة موسيقية أو الغناء في جوقة موسيقية من شأنه أن يقلص خطر الإصابة بالخرف. وتبين للباحثين أن لدى الموسيقيين ذاكرة أكثر وضوحاً وأدمغة أصغر سناً، خصوصاً من يعزفون البيانو. وأضاف الخبراء أن الجانب الاجتماعي للكورال يعود بالنفع على الدماغ.
يقول البروفيسور جيمس غودوين، مدير قسم العلوم في مؤسسة "شبكة صحة الدماغ"، ومؤلف كتاب "إشحن طاقة دماغك"Supercharge Your Brain : "هذه الدراسة قطعة مفقودة أخرى تضاف إلى اللغز حول تأثيرات الموسيقى في الدماغ... لا يوجد أي نشاط بشري واحد يشرك كثيراً من أجزاء الدماغ في وقت واحد كما تفعل الموسيقى التي تترك أيضاً تأثيراً إيجابياً في صحتنا، وهي واحدة من الركائز الثلاث الرئيسة لصحة الدماغ. أما العاملان الآخران، فهما مهارات التفكير لدينا والإدراك الاجتماعي، وبعبارة أخرى، مدى تفاعلنا مع الآخرين".
علاوة على ذلك، يقول البروفيسور غودوين: "إن الموسيقى غالباً ما تتضمن التعلم: يسمي علماء النفس هذه الأنواع من الأنشطة المحفزة معرفياً، وقد ثبت أنها تعزز مهارات التفكير الخاصة بنا، مما يساعدنا في الحفاظ على الأخيرة وعلى الذاكرة العاملة لدينا. كذلك يوضح الجانب التعلمي من الموسيقى لماذا يبدو أن الاكتفاء بالاستماع إليها ينطوي على فوائد أقل. ليس بين أيدينا أدلة كافية على أن ألعاب تدريب الدماغ تعزز صحته وسلامته، ولكن نشاطات مثل تعلم لغة جديدة، أو تركيب الصور المقطوعة، أو حتى تعلم لعبة ورق جديدة تفعل ذلك".
يقول البروفيسور غودوين: إنه مع تقدمنا في السن، تصير أنماط حياتنا التي تتسم بقلة الحركة المتزايدة (قاتلة لصحة الدماغ). أحد أكثر التغييرات الملحوظة منذ منتصف العمر فصاعداً لدى الرجال انخفاض مستويات نشاطهم، ويصبح من الصعب علينا أكثر وأكثر تحفيز أنفسنا للنهوض عن الكرسي. وعلى مدى أعوام عدة، يترك أسلوب العيش هذا تأثيراً مدمراً في مستويات الالتهاب في جسمنا، علماً أنه عدو لصحة الدماغ".
عندما نصبح أكثر نشاطاً نعكس مسار شيخوخة الدماغ لأن التمرين يبدأ عملية تسمى تكوين الخلايا العصبية، أي نمو خلايا جديدة. يقول غودوين: "أود أن أوصي جميع الرجال في مرحلة منتصف العمر بالتقليل من مشاهدة التلفزيون والجلوس لفترات أقل والتحرك أكثر. كما أن ملعقة صغيرة من زبدة (المارميت) مفيدة أيضاً لاحتوائها على الفيتامين (بي 12) المهم لصحة الدماغ".
كذلك ثمة مسألة أخرى لم يتطرق إليها كثر وتتمثل في النشاط الجنسي الذي يقول البروفيسور غودوين إنه يعزز صحة الدماغ، ولكنه يتراجع عادة مع تقدمنا في السن. ويوضح: "يبدو أن مرة واحدة في الأسبوع تشكل المعيار الذهبي لممارسة العلاقة الجنسية في منتصف العمر، وقد ثبت أنها تحسن ذاكرتنا بنسبة تصل إلى 20 في المئة".