كشفت تقييمات أمريكية أن حصيلة القتلى بين مقاتلي “حماس” في غزة تظهر مرونة للحركة، بعد مرور أشهر على الحرب. وقالت صحيفة “وول ستريت جورنال”، في تقرير لها، إن حصيلة القتلى في صفوف “حماس” تظل أقل بكثير من أهداف الحرب الإسرائيلية.
وفي تقرير أعدّته نانسي إي يوسف وجاريد مالسين جاء أن تقييمات المخابرات الأمريكية تظهر أن إسرائيل قتلت ما بين 20- 30% من مقاتلي “حماس”، وهي حصيلة أقل بقليل من حديث الحكومة الإسرائيلية عن تدمير” حماس” كلياً، وتفكيك قدراتها العسكرية، وإمكانياتها على حكم قطاع غزة.
واعترفت إسرائيل أن حملتها العسكرية العدوانية، والتي استهدفت غزة جواً وبراً وبحراً، وقتلت آلافاً من المدنيين، لم تحقق أهدافها بتدمير “حماس” التي تدير غزة منذ إطاحتها بالسلطة الوطنية في 2007.
وبحسب التقييم الأمريكي، فقد كيّفَ مقاتلو “حماس” أساليبهم العسكرية، ويقاتلون في مجموعات صغيرة، ويختفون وراء الكمائن ضد القوات الإسرائيلية، ويقوم مقاتلون أفراد بمزيد من المهام من أجل مواصلة مسيرة رفاقهم القتلى، حسب محللين عسكريين.
وبضغوط أمريكية، سحبت إسرائيل آلافاً من جنودها في غزة، وطالبتها بالتحول إلى عمليات موجهة أو “جراحية” دقيقة ضد أهداف “حماس”.
ويقول العسكريون الإسرائيليون إن هجمات “حماس” قد تستمر لأشهر قادمة. وأثار منظور نجاة “حماس” عدداً من الأسئلة داخل إسرائيل والمناطق الفلسطينية والخارج حول قدرة إسرائيل على تحقيق أهداف الحرب.
وفي الوقت نفسه، بدأت إدارة بايدن بتخفيف توقعاتها من الحرب إلى إضعاف “حماس” كتهديد أمني وليس تدميراً شاملاً، وحثّت الولايات المتحدة إسرائيل على حرف مسار الحرب إلى استهداف القيادة في “حماس”.
ورغم خسارة الحركة الكثير من مقاتليها، فإنها تهدف للخروج ناجيةً من الحرب، حسب المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين الحاليين والسابقين. وقال مسؤول: “يجب عليك ألا تنتصر، ولكن عليك ألا تنهزم”.
وتقول الصحيفة إن هجمات “حماس”، في 7 تشرين الأول/أكتوبر، دفعت إسرائيل إلى شنّ حملة انتقامية للقتلى الـ 1,200، وتحرير 200 رهينة، بهدف تدمير “حماس” كلياً، حيث كان المسؤولون الأمريكيون والإسرائيليون يتعاملون مع الحركة قبل هجماتها بالتهديد الذي يمكن التحكم به.
وقتلت الحرب أكثر من 24,000 فلسطيني، ثلثهم من الرجال، حسب السلطات الصحية الفلسطينية. وتم تشريد 1,9 مليون نسمة، أي نسبة 85% من سكان القطاع، حسب مكتب الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة.
وقدّرت الولايات المتحدة القوة القتالية لـ “حماس” قبل الحرب بما يتراوح بين 25,000- 30,000 مقاتل، إلى جانب أعداد أخرى من القوات، والتقدير الإسرائيلي متقارب.
وورد التقدير الأمريكي في تقرير سري لهذا الشهر، تم جمع مواده من خلال اعتراض الرسائل الصوتية والتنصّت عليها، وتحليل الدمار في غزة، ومعلومات جمعتها المسيّرات الاستطلاعية على المنطقة والمعلومات الاستخباراتية التي قدّمها المسؤولون الإسرائيليون.
وتظل التقديرات الإسرائيلية عن خسائر “حماس” أعلى، حيث يقول الجيش الإسرائيلي إنه قتل 9,000 مقاتل، أي أعلى بألف مقاتل، ونسبة 30% من القوة القتالية لـ”حماس”. كما أن تقدير الجرحى من “حماس”، والذين نقلوا من ساحة المعركة، هو أعلى بكثير من التقدير الأمريكي. ويقدر الإسرائيليون أن 16,000 مقاتل، أو يزيد، جرحوا في المعارك، عاد نصفهم للقتال من جديد، حسب مسؤول عسكري إسرائيلي بارز. أما المسؤولون الأمريكيون فيضعون عدد الجرحى بما بين 10,500 – 11,700 مقاتل، والكثيرون منهم سيعودون في النهاية إلى الحرب.
وأعلنت القوات الإسرائيلية عن مقتل حوالي 190 من جنودها، وجرح حوالي 1,200 جندي.
وفي عقيدة الجيش الأمريكي، تعتبر خسارة الجيش النظامي ما بين 25- 30% من قواته غير فعالة، لكن “حماس” هي قوة قتالية غير نظامية تخوض حرباً دفاعية في شوارع بكثافة سكانية عالية، ولديها قدرة على التحرك في أنفاق أرضية تمتد إلى أميال عدة. وأظهرت قدرةً على مواصلة القتال، لكن الخسائر تضع ضغوطاً على الحركة، كما يقول الجنرال الأمريكي المتقاعد، والقائد السابق للعمليات الأمريكية بالشرق الأوسط، جوزيف فوتيل، و”ربما بات على مقاتل القيام بمهمتين أو ثلاث مهام”.
ورفض مكتب مديرية الأمن الوطني الأمريكي التعليق، وأكدت القوات الإسرائيلية على تقديراتها، بدون التعليق على التقرير، ولم تعلق حركة “حماس”.
وفي شكل من أشكال مرونة واستمرارية الحركة، فقد وضعت في الشمال، حيث تعرضت مدينة غزة للدمار شبه الكامل نتيجة للغارات الإسرائيلية ومعارك الشوارع بين “حماس” والقوات الإسرائيلية، مجموعات أمن لحماية الشوارع، وتوفير الخدمات الطارئة، وتأكيد سلطتها، حسب مسؤولين وسكان فلسطينيين. ويقول المواطنون هناك إن الحضور الأمني لـ “حماس” في الحد الأدنى.
وفي بداية الأسبوع، أطلقت “حماس” رشقات صاروخية تجاه المدن الإسرائيلية، ومن منطقة وسط غزة، حيث كان الجيش الإسرائيلي ناشطاً، ما أثار مخاوف المسؤولين الإسرائيليين بأن “حماس” ستعيد تأكيد سلطتها بالمناطق التي لا يسيطر عليها الجيش. وعادت وزارة الداخلية في “حماس” إلى غزة والمناطق التي انسحب منها الجيش كلياً.
ويقول المسؤول السابق للشؤون الفلسطينية في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية ميخائيل ميليشتاين: “يحتاج الأمر لوقت قبل أن تعيد نشر جناحها العسكري في هذه الأماكن، إن لم ينشر الجيش جنوده هناك”.