معلق إسرائيلي بارز: غزة ليست بيروت… والسنوار يرفض الجلاء ويستعد لاحتفالات النصر

thumbs_b_c_dc4487c8e338742762c9adeb2bc7e44c.jpg

في اليوم الثامن والتسعين للحرب على غزة، تتزايد الأصوات الإسرائيلية الداعية لوقفها والتسليم بنتائجها، وسط تسريبات بأن الجيش معني بتحديد أهداف واقعية لاستمراريتها، ورسم ملامح اليوم التالي، تحاشياً للمراوحة في المكان وللاستنزاف، وتبدّد ما حققه من “مكاسب على الأرض”.

ويوضح محلل الشؤون العسكرية في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل أن الحرب تقترب من 100 يوم، مرجحاً أن تستمر أياماً كثيرة، رغم أنها بعيدة عن تحقيق أهدافها المعلنة، وربما بسبب ذلك.

ويقول هارئيل في مقاله المنشور اليوم الجمعة، إن إسرائيل احتلت وتسبّبت بمعاناة كبيرة للمدنيين الفلسطينيين، لكنها لا تقترب من انتصار حاسم، مرجحاً أنها ستستصعب تحقيقها مستقبلاً أيضاً. كما يقول إنه من الصعب التخفي على ذلك لأن الجيش موجود في ذروة عملية تقليل قواته داخل القطاع، وهذا يعكس الانتقال لمرحلة جديدة من الحرب، وهذا ما حاولت الحكومة التستر عليه، وجعل صورة الانتقال هذه غامضة بعيون الإسرائيليين.

وعلى غرار مراقبين إسرائيليين آخرين، يؤكد هارئيل أن المصاعب منذ القرار بالتوغّل البري لإلحاق هزيمة بـ “حماس” في القطاع كانت واضحة، لكن ذلك لم يمنع الحكومة (ولحد معين قيادة الجيش أيضاً) من صياغة أهداف من الصعب تحقيقها أصلاً في هذا الوقت المحدد.

 ويشير هارئيل إلى أن “حماس” بنت قوة عسكرية تشبه بهياكلها الجيش النظامي، وعندما تفكّك معظمها انتقلت لطريقة قتال أخرى على شكل حرب عصابات: “تتذيّل الجيش، وتخرج عناصرها من الأنفاق وتضربه وتصيبه يومياً. نعم؛ قوة كتائب القسام ببساطتها”.

ويتوافق معه زميله في “هآرتس” محلل الشؤون السياسية يوسي فرطر، الذي يدعو، ضمن مقال بعنوان “همّ المراوحة في المكان”، لاستعادة المحتجزين داخل غزة كهدف أوّل لا بأس من وقف من أجل تحقيقه.

ويحمل فرطر على نتنياهو ويقول إنه لا يفقه لا بالأمن ولا بالاقتصاد ولا بالدبلوماسية، بخلاف مزاعمه التقليدية، مؤكداً أنه “سيد الفشل متعدد المجالات”. لافتاً إلى ضرورة جعل استعادة المحتجزين في غزة أولوية أولى، حتى بثمن وقف النار، وإلى أن صورة القيادة الإسرائيلية بعيون العالم مختلفة عما هي بعيون الإسرائيليين.

 ويضيف: “يوم الأحد تبلغ الحرب في غزة 100 يوم، وهذا ضعفا حرب “الجرف الصامد”، عام 2014، وخمسة أضعاف حرب 1973، و16 ضعفاً من حرب 1967، وبعد أسبوعين ستتجاوز حرب لبنان الأولى في مدتها الرسمية”.

على الخاسر أن يدفع الثمن

وبشكل مثابر ومنهجي، يواصل المعلق السياسي الأبرز في إسرائيل ناحوم بارنياع التأكيد على استحالة تحقيق انتصار في الحرب على غزة، فيقول، الجمعة، ما قاله عدة مرات، منذ ثلاثة شهور، إن أهدافها غير واقعية، وإن إسرائيل خسرت فيها قبل أن تبدأ، بعدما أخذتها “حماس” على حين غرة في مفاجأة أخطر من مفاجأة السادس من أكتوبر، عام 1973.

 ويضيف: “وفق معلوماتي لا توجد صفقة بعد. هناك قراء يرفضون قبول هذا الوصف للواقع: هذا حقهم. أعتقد أن قيادة الجيش يفهمون الوضع جيداً. السؤال هو كيف يجسر نتنياهو ووزراؤه على الهوة بين التوقعات غير المسؤولة التي أنتجوها والقرارات الصعبة الماثلة أمامهم. لا تحسدوهم”. موضحاً أن الصفقة المقترحة لوقف النار لثلاثة شهور، والتنفيذ يكون متدرّجاً، ويشمل الإفراج عن كل المخطوفين، الأحياء والأموات، وعلى دفعات. وعدا إطلاق سراح آلاف الأسرى الفلسطينيين من المرجح أن تلبي الصفقة المقترحة طلبات أخرى: زيادة كبيرة في المعونات الإنسانية، عودة الغزيين لديارهم في شمال القطاع، انسحاب الجيش الإسرائيلي، إقامة مديرية لترميم القطاع بتمويل دولي، والأفظع هو شراكة “حماس” في السلطة الحاكمة في غزة مستقبلاً”.

غزة ليست بيروت

كما يؤكد بارنياع أن الجانب الإسرائيلي سيكون فرحاً لتمكين قادة “حماس”، السنوار والضيف وغيرهما، لمغادرة القطاع، في جلاء يشبه جلاء ياسر عرفات وصحبه من بيروت في 1982، لكن غزة ليست بيروت، والسنوار ليس عرفات، وهو الآن لا يبحث عن ملجأ في الشتات، هو يستعد للاحتفال بالنصر، في غزة”.

وبلغة موجعة للإسرائيليين، يقول بارنياع، وبشكل مباشر، إن الظروف ربما تتغير خلال المفاوضات، بما يشمل تفجراً ممكناً للمداولات، لكن السؤال ما زال مطروحاً وهو أصعب من الموت: هل الأمل بحياة 136 إسرائيلياً يبرر هذه الأثمان؟ أنا أقول نعم، حتى لو بسبب حقيقة أن معظمهم مواطنون اختطفوا من بيوتهم بسبب حكومة وجيش أهملوهم في فشل لا مثيل له. أهملوهم قبل السابع من أكتوبر، وأهملوهم خلال ذاك اليوم. بايدن يستطيع أن يشفق على المخطوفين، لكن نتنياهو هو المسؤول عن حالتهم، فهذا عمله”.

 كما يشير المعلق الإسرائيلي إلى أن بعض قيادات المستوى السياسي والعسكري تفضل إزالة موضوع المخطوفين على الأجندة لأنهم يعيقون تقدم القوات ويعززون قوة “حماس”، ولذا يمكن التسليم بمصيرهم والتقدم للأمام.

 ويتابع: “هذه الأوساط تتبع بالأساس للجهات الصهيونية الغيبية التي لا ترى بالسابع من أكتوبر كارثة، بل فرصة تاريخية لاحتلال القطاع  واستيطانه من جديد وتهجير أهالي الضفة الغربية بحال شهدت جبهة جديدة”.

محللون إسرائيليون يدعون لوقف الحرب والتعايش مع الخسارة، “لأن من يخسر الحرب عليه أن يدفع ثمناً”

100 يوم من العزلة

وفي عنوان يحاكي رواية الأديب ماركيز،”100 يوم من العزلة”، يقول زميله المعلق السياسي بن درور يميني إن السابع من أكتوبر هو الضربة الأكثر قتلاً بتاريخ الاستيطان اليهودي، ومنذ وقتها تدور حرب هي الحرب الأكثر إحباطاً من بين حروب إسرائيل منذ قامت.

متقاطعاً مع بارنياع يقول يميني: “في الجو شعور بمرارة مزدوجة. تكتيكاً وإستراتيجيا. أولاً، معظم المخطوفين لا زالوا بيد منظمات إرهابية، ويعانون هناك، وبعضهم جرحى، ومن غير الواضح كم سيبقى منهم أحياء. ثانياً؛ لم يضع الجيش يده على قادة “حماس”. ثالثاً؛ إطلاق الصواريخ يتواصل، ورابعاً؛ فإن الوضع في الشمال خطير جداً مقابل عدو مع قدرة عسكرية أكبر. خامساً؛ الحوثيون الذين عوملوا باستخفاف وتندّر يهددون بوابة إسرائيل الجنوبية، وعلى مسار تجارة دولية، والعالم في الأساس مشلول. سادساً؛ مئات آلاف الإسرائيليين في الجنوب والشمال نازحون منذ شهور، ولا نهاية بآخر النفق. ومع ذلك ارتفاع منسوب المرارة غير مبرر، فرغم كل المعيقات فإن جيشنا الذي يقاتل عدواً داخل الأنفاق، وداخل مناطق مأهولة، يقوم بعمل عظيم. لذا نحن نحتاج للصبر، بل صبر طويل لأنه لا يوجد تقصير للطريق”.

في المقابل يواصل مراقبون آخرون الدعوة لمواصلة الحرب على غزة، لأن وقفها الآن يعني انتصاراً مدوياً لـ “حماس”.

 وفي الأثناء دعت 178 شخصية إسرائيلية عسكرية في الماضي كافتهم جنرالات في الاحتياط ورؤساء سابقون للمؤسسة الأمنية، ضمن عريضة وردت في إعلان في الصحف، اليوم، لتجدد إسرائيل، من خلال انتخابات عامة كمخرج للمأزق الحالي. وفي إعلان آخر بعنوان “100 يوم في جهنم” تدعو عائلات المحتجزين لمظاهرتين في تل أبيب غداً وبعد غد.

وكشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت”، اليوم، عن حجم الفشل الاستخباراتي الذريع في السابع من أكتوبر، وحسب تحقيق خاص بها، فقد قدمت وحدة 8200 التابعة للاستخبارات العسكرية تحذيرات نبهت فيها لمخاطر عملية مباغتة من غزة استناداً لمضامين كثيرة حولها نشرت مسبقاً قبل تنفيذها، لكن الإنذار لم يصل لقيادة الجيش.