عاش الجنوب اللبناني منذ الساعة السابعة صباح الجمعة هدوءاً ملحوظاً مع بدء سريان الهدنة في غزة، وسادت أجواء شبه طبيعية في القرى والبلدات الحدودية وشهد الخط الساحلي من صور حتى الناقورة حركة سير مقبولة في فترة قبل الظهر وازدادت مع تقدم ساعات النهار.
وعمّ الهدوء الحذر مختلف البلدات الحدودية وتفاوتت حركة الاهالي العائدين لتفقد منازلهم بين بلدة وأخرى خصوصاً تلك التي شهدت مواجهات صاروخية أسفرت عن أضرار في عدد من البيوت وعن حرائق في الثروة الحرجية وأشجار الزيتون كما هو الحال في علما الشعب ومروحين والضهيرة.
وجال عضو هيئة الرئاسة في “حركة أمل” النائب قبلان قبلان الذي قُصف منزله في ميس الجبل على الاهالي متفقداً الاضرار الناجمة عن العدوان الاسرائيلي.
ويأتي الهدوء في الجنوب بعد تصعيد غير مسبوق في العمليات العسكرية لكل من جيش الاحتلال الاسرائيلي وحزب الله وما رافقه من قصف معاد عنيف على البلدات الجنوبية واستشهاد ستة من كوادر فرقة الرضوان التابعة لحزب الله بغارة على بيت ياحون بينهم نجل رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد.
وقبيل السابعة صباحاً، إستهدف القصف الإسرائيلي وسط سهل مرجعيون وسُمع دوي انفجارات متتالية في أرجاء قضاء مرجعيون. وكان الطيران الحربي الاسرائيلي شنّ مساء الخميس غارتَين على بلدة العديسة، الأولى قرب مسجد البلدة أدت إلى أضرار كبيرة في الممتلكات والمحال، والثانية على طريق العديسة مركبا استهدفت مستودعات للمواد الغذائية. وقد أصيب معاون في قوى الأمن الداخلي بجروح طفيفة في يده ورجله جراء القصف الذي استهدف محيط مخفر عديسة منتصف الليل وأدى إلى تحطم زجاج المخفر. كما قصف جيش الاحتلال بشكل متقطع اطراف عدد من البلدات في القطاع الغربي أبرزها الناقورة، علما الشعب، الضهيرة، واللبونة.
ومع سريان الهدنة في غزة وانسحابها إلى جنوب لبنان، تبلغ عدد من سكان البلدات والقرى الحدودية إشعاراً بتوقف المواجهات بما يتيح عودتهم إليها لتفقدها وجني محاصيلهم الزراعية ولاسيما الزيتون. إلا أن قيادة الجيش دعت المواطنين في بيان “إلى اتخاذ أقصى تدابير الحيطة والحذر من مخلفات القصف المعادي ولاسيما الذخائر الفوسفورية والذخائر غير المنفجرة، وعدم الاقتراب منها وإفادة أقرب مركز عسكري عنها أو الاتصال بعمليات القيادة على الرقم 1701″، كما دعت “إلى الالتزام بإجراءات الوقاية المعممة من قبل الجيش في هذا الخصوص”.
قائد اليونفيل
من ناحيته، عبّر رئيس بعثة “اليونيفيل” وقائدها العام الجنرال أرولدو لاثارو عن “قلقه إزاء تبادل اطلاق النار المكثف المستمر على طول الخط الأزرق الذي أودى بحياة الكثير من الناس، وتسبب في أضرار جسيمة، وبتهديد أرزاق الناس”. وقال “باعتبارنا حفظة سلام، فإننا نحثّ أولئك الذين يتبادلون إطلاق النار على طول الخط الأزرق على وقف دائرة العنف”، معتبراً “أن أي تصعيد إضافي في جنوب لبنان يمكن أن تكون له عواقب مدمرة”. واضاف “يجب على الأطراف أن تؤكد من جديد التزامها بقرار مجلس الأمن الدولي 1701 ووقف الأعمال العدائية، بينما تسعى إلى إيجاد حلول طويلة الأمد لمعالجة الأسباب الكامنة وراء النزاع”.
وكان مصدر في حزب الله أوضح “أن جنوب لبنان هو جبهة مساندة لقطاع غزة وتوقف القتال هناك سينسحب على لبنان، وأن الحزب سيلتزم الهدنة التي أُعلنت إذا التزمتها قوات الاحتلال الإسرائيلي وأي تصعيد إسرائيلي في جنوب لبنان، أو في غزة خلال الهدنة سيقابله رد من الحزب.
وعلى الخط الاسرائيلي، أوردت وسائل الإعلام الإسرائيلية تصريحاً لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، قال فيه “إن إسرائيل لم تقدم أي التزامات هدنة في ما يتعلق بالحدود الشمالية، وأنه سيتم الحكم على حزب الله من خلال أفعاله بدلاً من أي شيء يقوله”.
وقد كانت الاوضاع في الجنوب وغزة محور لقاء بين رئيس مجلس النواب نبيه بري في وعضو “اللقاء الديموقراطي” النائب وائل أبو فاعور الذي على غرار رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط لم يبد تفاؤلاً كبيراً بالهدنة وبإمكان تطويرها أو تثبيتها قريباً نحو إنهاء الحرب. وقال بعد اللقاء “نأمل ان تكون هذه الهدنة مستدامة تقود إلى وقف العدوان الإسرائيلي في حق الشعب الفلسطيني وتقود كما نأمل إستطراداً إلى الهدوء على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، وأيضاً وقف الإعتداءات والإجرام الاسرائيلي، ولعل في هذا الهدوء الذي نأمل ان يكون مستداماً فرصة من أجل نقاش جديد لبناني لبناني لمعالجة كل الإستحقاقات التي طال انتظار علاجها وبالتأكيد في مقدمها رئاسة الجمهورية ومسألة الشغور في المؤسسات الامنية والعسكرية”، مشيراً إلى “أن الرئيس بري ورئيس الحكومة يعملان ونعمل معهما وطيف واسع من القوى السياسية على الوصول إلى نتائج إيجابية في هذا الأمر”.
تعيين أم تمديد؟
وكان الرئيس بري لفت إلى “أن رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل يريد تعيين قائد جيش جديد ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع يريد التمديد للقائد الحالي، وعندما نقول إن المشكلة مسيحية مسيحية بيزعلوا منا”. ورأى “أن الخيارات محصورة بين التعيين أو التمديد ولا يوجد خيار ثالث ولا تكليف”.
وقد ردّ عضو كتلة “الجمهورية القوية” النائب نزيه متى نافياً “أن تكون المشكلة في لبنان مسيحية مسيحية بل المشكلة هي على طريقة ادارة البلد وبالتالي خلافنا مع التيار الوطني الحر هو خلاف سياسي”.
كذلك، علّق النائب المستقل ميشال ضاهر على كلام رئيس المجلس، وتوجّه إليه بالقول “أنت سيّد من يعرف أن لا أحد يستطيع أن يختصر المسيحيين على مر التاريخ، أما الخلاف الحقيقي اليوم فهو بين أكثرية نيابية مسيحية ما بين القوات والكتائب والمستقلين وعلى رأسهم بكركي يؤيدون بقاء قائد الجيش حتى انتخاب رئيس، يعارضهم رئيس كتلة نيابية، جزء من كتلته يعارضه ويفضل بقاء قائد الجيش”. واعتبر ضاهر “أن الخلاف بين حريصٍ على الوطن والجيش، وبين باحثٍ عن انتقام”، مضيفاً “الخلاف بين من يريد حماية دور رئيس الجمهورية قولًا وفعلًا، وبين مستغل لشعار حقوق المسيحيين”.