لماذا تنحاز ألمانيا دائماً إلى إسرائيل؟

43448734_605.webp

في الوقت الذي تتواصل فيه الهجمات الإسرائيلية على غزة، منذ أكثر من شهر، ومع تزايد حجم المجازر ضد المدنيين، بدأت أروقة الصحافة والرأي العام تناقش أسباب دعم الدول الغربية لإسرائيل، رغم تلك الهجمات.

الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، اللذان يدّعيان أنهما يتمتّعان بأعلى المعايير في ما يتعلق بالمبادئ الأساسية للقانون الدولي، وخاصة حماية حقوق الإنسان، وينشران تقارير تنتقد الدول الأخرى بشأن هذه القضايا، يتجاهلان اليوم المجازر الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، وغيرها من انتهاكات القانون الدولي، فيما يدلي المسؤولون فيهما بتصريحات داعمة لإسرائيل.

من يتذكر سياسات هذه الدول الداعمة لإسرائيل في المجازر المماثلة التي ارتكبتها تل أبيب في الأراضي الفلسطينية وفي لبنان، لا يستغرب في الواقع المواقف الحالية، نظراً لقوة وتأثير اللوبي الإسرائيلي على السياسيين والبيروقراطيين والإعلاميين في العالم الغربي.

إن السياسة التي تنتهجها ألمانيا تجاه المجازر التي ترتكبها إسرائيل في غزة، منذ أكثر من أربعة أسابيع، لا تخرج في الحقيقة عن الخط العام السائد في الغرب.

وفي الواقع، يبدو أن القادة الذين يديرون سياسة ألمانيا الخارجية يبذلون جهداً خاصاً ليكونوا في طليعة الداعمين لإسرائيل، ودفع العالم نحو نسيان الهولوكوست، صارخين بأعلى صوتهم إنه “من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها”.

لكن هل دفاع إسرائيل عن نفسها يتم من خلال قتل آلاف الأطفال؟ يتم تجاهل هذا السؤال من خلال ترديد العبارة نفسها: “نحن نؤيد بالكامل حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”.

ومع تزايد أعداد أطفال غزة الذين قتلوا جراء القصف الإسرائيلي، وتصاعد ردود أفعال الرأي العام الألماني، عبّرَ المستشار أولاف شولتس ووزيرة الخارجية أنالينا بيربوك عن رفضهما على استحياء مقتل مئات المدنيين الفلسطينيين قائلين: “لا نريد أن يتأذى المدنيون!”.

فكيف لهذا (أن لا يتأذى المدنيون) أن يتم دون وقف إطلاق النار، ودون وقف الهجمات الإسرائيلية؟ وتجاه هذا السؤال يتجدد تكرار العبارة ذاتها: “نؤيد بشكل كامل حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”.

وفي غزة، قصفت إسرائيل المستشفى الأهلي المعمداني، ما أدى إلى مقتل أكثر من 500 شخص. المستشار شولتس بدوره قال عبْر منصة التواصل الاجتماعي “إكس” إن “لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، وواجب على كل دولة حماية مواطنيها”.

حسناً، أليس سكان غزة مواطنين؟ ومن سيحميهم من الهجمات الإسرائيلية؟ ومن سيحمي الفلسطينيين في الضفة الغربية من الاعتداءات الإسرائيلية والفوضى واغتصاب وطنهم؟ ليس لدى المستشار شولتس إجابات على هذه الأسئلة؛ لأنه يعتبر أن الآن هو الوقت المناسب لدعم إسرائيل! وليس هذا هو الوقت المناسب للتشكيك في أهداف (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو.

جهود حثيثة لتبرئة إسرائيل

في يوم هجوم “حماس” (على المستوطنات القريبة من غزة، في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي)، عبّرت بيربوك عن موقف الخارجية الألمانية الداعم لإسرائيل بقولها: “حماس تصعّد العنف، إنني أدين بشدة الهجمات الإرهابية ضد إسرائيل من غزة”. وقالت فيما بعد: “نحن متضامنون تماماً مع إسرائيل، ومن حق إسرائيل الدفاع عن نفسها ضد الإرهاب وفقاً للقانون الدولي”.

وبعد ثلاثة أيام، أي في 10 أكتوبر، وبعد مقتل مئات الفلسطينيين جراء الهجمات الإسرائيلية، واصلت الوزيرة الألمانية موقفها الداعم لإسرائيل بالقول: “أوروبا ككل تقف إلى جانب إسرائيل”.

وفي ما يتعلق بمقتل المدنيين في غزة نتيجة الهجمات الإسرائيلية، قالت بيربوك إن “معاناة وموت المدنيين الفلسطينيين جزء من إستراتيجية الإرهابيين”، وبعد ذلك حاولت تبرئة الإدارة الإسرائيلية بالقول: “حماس تختبئ وراء السكان المدنيين”.

وفي 13 أكتوبر، عندما بدأت أعداد المدنيين في غزة، ممن قضوا جراء الهجمات الإسرائيلية، تغدو بالآلاف، قالت الوزيرة الألمانية إن “إسرائيل تعيش هذه الأيام على وقع إرهاب همجي، من حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها ضد هذا الإرهاب في إطار القانون الدولي. ألمانيا تقف إلى جانب إسرائيل دون تردّد”، مكررةً دعمها لحكومة نتنياهو بالقول: “لهذا السبب سأذهب إلى إسرائيل اليوم”.

ولكن، ماذا تعني وزيرة الخارجية الألمانية بالقول إن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها “في إطار القانون الدولي”؟، هل كانت تقصد أنه إذا انتهكت إسرائيل القانون الدولي أثناء دفاعها عن نفسها فسنسحب دعمنا لها؟ بلا شك، لا.

ورغم استمرار إسرائيل في قصفها لغزة، منتهكةً كافة قواعد القانون الدولي، ومرتكبةً جرائم حرب يندى لها جبين الإنسانية، إلا أن دعم ألمانيا لحكومة نتنياهو لا يزال مستمراً إلى اليوم.

يتم تغطية موضوع المحرقة بشكل مستمر على شاشات التلفزيون والصحف الألمانية، ما يذكّر الألمان بأنه رغم أن الجريمة المعنية ارتكبها أسلافهم، فإن الأجيال الحالية أيضاً تتحمل نفس القدر من المسؤولية

ولم تتمكن ألمانيا حتى من الدعوة إلى وقف إطلاق النار، مضيفة صفحة جديدة من العار إلى تاريخها بالامتناع عن التصويت على القرار الذي يدعو إلى وقف إنساني عاجل لإطلاق النار في غزة في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

ومع ذلك، إذا أمكن إجبار إسرائيل على وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية، فسيكون من الممكن للمواطنين الأجانب الذين تعرّضوا للقصف في غزة مغادرة القطاع والعودة إلى بلدانهم، ومن بينهم أيضاً مواطنون ألمان. (لكن) إسرائيل لم تسمح بإجلاء المواطنين الألمان في غزة لمدة 3 أسابيع، فماذا كان رد فعل ألمانيا على إسرائيل، التي أبقت مواطنيها أسرى في غزة تحت القصف لأسابيع: “إننا نؤيد بالكامل حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”.

4 أسباب وراء دعم ألمانيا لإسرائيل

يمكن القول إن هناك أربعة أسباب رئيسية وراء الدعم الألماني غير المشروط لإسرائيل؛ وهي عبء ماضي الهولوكوست، واللوبي الإسرائيلي في البلاد، ونفوذ الولايات المتحدة، وخطّ الحكومة الائتلافية الحالية.

لا شك أن الإبادة الجماعية التي ارتُكبت ضد اليهود في عهد (أدولف) هتلر قد رهنت السياسة الألمانية لصالح إسرائيل حتى يومنا هذا.

ولا ينبغي أن ننسى أن هناك أشخاصاً يبذلون قصارى جهدهم لضمان استمرار هذا النهج. وفي هذه المرحلة، يأتي دور اللوبي الإسرائيلي في البلاد، حيث

يتم تغطية موضوع المحرقة بشكل مستمر على شاشات التلفزيون والصحف الألمانية، ما يذكّر الألمان بأنه رغم أن الجريمة المعنية ارتكبها أسلافهم، فإن الأجيال الحالية أيضاً تتحمل نفس القدر من المسؤولية.

ونتيجة لذلك، يصف السياسيون الألمان دائماً حماية إسرائيل بأنها “سياسة الدولة” الألمانية، وهم يعتقدون أيضاً أن على ألمانيا دعم تل أبيب بغض النظر عمّا تفعله الأخيرة في الأراضي الفلسطينية والمنطقة، وإشاحة الوجوه عن الفلسطينيين الذين وقعوا ضحايا لهذا التفكير المرضي.