مع دخول الحرب الإسرائيلية على غزة يومها العاشر، يبدو أن حكومة تل أبيب تعيد حساباتها، وبدأت تحدد أهدافا أكثر تواضعا غير تلك التي توعدت بتحقيقها عقب هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الذي نفذته حركة حماس.
فربما لم تتوقف الضربات الإسرائيلية جوا وبرا بحرا منذ ذلك الحين، ما أسفر عن استشهاد نحو ثلاثة آلاف فلسطيني وإصابة آلاف آخرين، لكن بدء هجوم بري شامل على القطاع لاقتلاع حماس والقضاء عليها تماما لم يصادف الموعد الذي حدده مسؤولون بارزون في الجيش الإسرائيلي بمطلع هذا الأسبوع، وفقا لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.
ويرى مراقبون أن تأجيل الاجتياح البري لقطاع غزة دليل على خفض إسرائيل سقف أهداف حربها لأسباب عدة ليس من بينها الظروف الجوية التي تذرعت بها.
فوسط إقرار بالفشل الاستخباراتي واتهامات متبادلة بالمسؤولية عما حدث في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، ومظاهرات تطالب برحيل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، يرى محللون أن ثمة أسبابا عدة تقف وراء تأجيل العملية البرية، من بينها التحسب لتكبد خسائر بشرية فادحة، والأعداد الكبيرة للرهائن والأسرى الإسرائيليين الموجودين في قبضة حماس والجهاد الإسلامي، والمخاوف من استخدامهم دروعا بشرية.
وبدأ الحديث في الصحافة العبرية عن “تحديات على جبهات عدة”، وفقا لصحيفة جيروزاليم بوست التي رأت أنه من الضروري أن تكون هناك “خطة تكتيكية واستراتيجية للحرب في غزة”.
وأشارت الصحيفة إلى أن “إسرائيل تواجه الآن تهديدات من الشمال، حيث تآكل الردع ويواصل حزب الله شن هجمات يومية. ومن منظور أشمل، يجب أن تستعيد إسرائيل الصورة الذهنية فيما يتعلق بقدراتها (العسكرية). هذا سيكون مهما بالنسبة لإيران والخليج ومصالح إسرائيلية أخرى”.
ووصفت الصحيفة الاجتياح البري بـ”المحتمل”، قائلة إن العديد من المناقشات تدور حول هذا الموضوع. وأوضحت أن مطالبة إسرائيل لسكان شمال القطاع بمغادرته والتوجه جنوبا استعدادا لمثل هذه العملية أثارت جدلا ومخاوف من حدوث أزمات إنسانية في غزة، مشيرة إلى أن عمليتي الاجتياح البري السابقتين اللتين قامت بهما إسرائيل لغزة عامي 2009 و2014 “لم تنجحا في هزيمة حماس، وليس واضحا ما الذي سيكون مختلفا هذه المرة”.
وفي هذا الإطار، نقلت وكالة بلومبرغ للأنباء عن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي جوناثان كونريكوس قوله: “هذا ليس كل شيء. حماس تستخدم شبكة أنفاق ومخابئ معقدة تحت مدينة غزة والمناطق المحيطة بشمال غزة. هناك احتمال لأن تحاول حماس إحباط تقدم القوات الإسرائيلية من خلال نسف الأنفاق ونصب الأفخاخ في أنحاء القطاع”.
وأضاف: “إسرائيل حاولت من قبل استهداف هذا النظام المعقد من الأنفاق لكنها لم تحقق نجاحا يذكر. لا أحد سوى حماس يعرف المدى الكامل لشبكة أنفاقها”.
واستشهدت بلومبرغ ببحث أجراه معهد الدراسات الوطنية الذي يتخذ من تل أبيب مقرا له، بشأن عدم نجاح إسرائيل في التعامل مع مسألة الأنفاق. وذكرت أنه في عام 2014، عملت إسرائيل على تطوير نظام عالي التقنية للكشف عن الأنفاق، لكن أجهزة الاستشعار لم تعمل بالكفاءة المنتظرة “لا يمكنها اكتشاف الأنفاق الملتفة والتشوش عند التقاطعات”.
وأضافت بلومبرغ أنه في عام 2021، أعلنت إسرائيل أنها دمرت 100 كيلومتر من الأنفاق في غزة، مشيرة إلى أن حماس تقول إنها تمتلك شبكة تمتد لـ500 كيلومتر، دمر 5 % منها فقط. وقالت الوكالة إن تلك الأنفاق “تجعل خطة إسرائيل للقضاء على حماس أكثر تعقيدا”.
كما يرى مايكل آيزنشتات، مدير برنامج الدراسات العسكرية والأمنية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، أن غزة “تشكل تحديا على نحو خاص، وأنت لديك خصم أمضى العقد ونصف العقد الماضيين، منذ سيطرة حماس على قطاع غزة، يستعد لهذه اللحظة”، حسبما نقلت مجلة “تايم” الأمريكية.
كما لا يمكن استبعاد تلويح إيران على لسان وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان بـ”حرب إقليمية” ما لم تتوقف إسرائيل عن قصف وحصار قطاع غزة، محذرا من أن “وقت الحلول السياسية ينفد”، وأن امتداد الحرب إلى “جبهات أخرى” قد يصبح قريبا “لا مفر منه” في وقت تشهد الحدود اللبنانية الإسرائيلية فيه بالفعل توترا متصاعدا.
وربطت صحيفة جيروزاليم بوست بين تهديد إيران بالدخول على خط المواجهة، وبين علاقاتها بلاعبين رئيسيين على الساحة الدولية، وهما روسيا والصين. وأشارت الصحيفة إلى موقف موسكو وبكين المنتقد لرد إسرائيل على هجوم حماس.
وقالت الصحيفة: “بينما تحتفظ الولايات المتحدة بمزيد من التركيز على الشرق الأوسط هذا الأسبوع، وتدرس إسرائيل موعد بدء توغلها البري في غزة، تعقد روسيا والصين محادثات… لا ينبغي أن تمر المحادثات بين لاعبين عالميين وإقليميين رئيسيين دون التوقف أمامها في هذا الوقت، حيث انتقد كلاهما رد فعل إسرائيل على (هجوم) حماس”.
وأضافت الصحيفة أنه “على الرغم من السنوات التي حاولت فيها السياسة الخارجية الإسرائيلية تعزيز العلاقات مع الصين وروسيا، أو على الأقل التشجيع على رؤية متوازنة للصراع (في الشرق الأوسط) في بكين وموسكو، فإن كليهما الآن معاديان بشكل علني لإسرائيل، وقد أشادت حماس برؤية روسيا للوضع الحالي”.
ويرجح مراقبون ألا تقدم إسرائيل على بدء اجتياحها البري قبل زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن التي أعلن وزير الخارجية أنتوني بلينكن أنها ستكون يوم الأربعاء. وكان بايدن قد اعتبر أن احتلال إسرائيل لقطاع غزة مجددا “سيكون خطأ كبيرا”.
وعلى الرغم من هذه المعطيات، يرى فريق آخر من المحللين، أن إسرائيل ستمضي قدما في خططها لشن عملية برية حتى وإن كانت محدودة في ظل عديد القوات التي حشدتها على حدود القطاع.
ونقلت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن ثلاثة مسؤولين بارزين في الجيش الإسرائيلي، أنه “تم توجيه أوامر للجنود الإسرائيليين بالاستيلاء على مدينة غزة وتدمير قيادة حماس الحالية”، مشيرة إلى أن هذه “ستكون هي المحاولة الأولى للاستيلاء على الأراضي والاحتفاظ بها لفترة وجيزة منذ اجتياحها لغزة عام 2008”.
وأضافوا أن الجيش الإسرائيلي خفف بعض قواعد الاشتباك، “سيسمح للجنود بإجراء تدقيقات أقل قبل إطلاق النار على الأعداء المشتبه بهم”، لكنهم لم يكشفوا عن التفاصيل.
ونقلت الصحيفة عن ضابط إسرائيلي بارز آخر أن “القوات الإسرائيلية تلقت تدريبا إضافيا سيساعدهم على القتال في البيئات الحضرية المدمرة”.
ويرى مراقبون أن الحرب مفتوحة على كل الاحتمالات وسط تحذيرات من اتساع رقعتها لتشمل أطرافا إقليمية ودولية، وتتسبب في مزيد من عدم الاستقرار بتلك المنطقة من العالم.