رام الله الإخباري
أظهر استطلاع أجراه المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية (ميتفيم) السنوي، أن الجمهور الإسرائيلي يفكر بشكل مختلف في الواقع عن نهج حكومة بنيامين نتنياهو، بشأن السياسات الخارجية، والتطبيع مع العالم العربي والصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وكشف الاستطلاع عن فجوات كبيرة بين اتجاهات الجمهور وأهداف الحكومة وإجراءاتها وتصوراتها في مجال العلاقات الخارجية، حيث يرى الجمهور والمجتمع الدولي أن حكومة نتنياهو "وصلت إلى أدنى مستويات السياسة الخارجية لإسرائيل بالعقد الأخير".
وتأتي نتائج الاستطلاع في وقت تؤكد فيه حكومة نتنياهو على التفويض الشعبي الذي حصلت عليه في انتخابات الكنيست (البرلمان) الأخيرة، كمبرر لإحداث تغييرات بعيدة المدى، ليس فقط في مسألة التعديلات القضائية، بل أيضا لتعزيز نهج معسكر اليمين في المجال الدبلوماسي والسياسات الخارجية.
واعتمد الاستطلاع على عينة تمثيلية من السكان البالغين في إسرائيل ضمت 800 شخص، رجالا ونساء، يهودا وعربا.
كما شمل أسئلة حول تداعيات سياسة حكومة اليمين المتطرف على علاقات إسرائيل الخارجية، بخصوص التعديلات القضائية أو سياستها في الضفة الغربية المحتلة، ومستقبل التطبيع مع العالم العربي، مع التركيز على السعودية، وإمكانية التأثير لتعزيز السلام الإسرائيلي الفلسطيني.
وتطرق الاستطلاع إلى موقف الجمهور من سياسة حكومة نتنياهو في التعامل مع إيران ومضي طهران قدما نحو القدرة النووية العسكرية، إلى جانب أزمة المناخ وسياسة إسرائيل في لبنان وفيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا، وزيادة التدخل الصيني في الشرق الأوسط.
تشكيك وانخفاض
وأظهرت النتائج الرئيسية أن الجمهور الإسرائيلي غير راض عن أداء الحكومة في مجال السياسة الخارجية بتسجيل 4.82 درجات من أصل 10 درجات، وقد أعطى ربع المشاركين تقريبا أداء الحكومة درجة واحدة، وهي الأدنى، وهذا انخفاض حاد مقارنة بعام 2022، حيث قُيم أداء الحكومة حينها بـ5.53 درجات، وهي أدنى درجة في السنوات السبع الماضية.
ومنح الجمهور مكانة إسرائيل في العالم درجة 5.03 بتراجع عن درجة العام الماضي التي بلغت 5.85، وهي أدنى درجة في السنوات السبع الماضية، فيما وصف 18% فقط من المستطلعين الوضع في إسرائيل "بالجيد".
وأعطي الجمهور حالة العلاقات الإسرائيلية الأميركية درجة 5.3 من 10 درجات، وهو انخفاض حاد مقارنة بعام 2022، التي بلغت درجتها 6.85، كما أنها أدنى درجة في السنوات الثماني الماضية.
وبينما تحاول الحكومة الإسرائيلية الفصل قدر الإمكان بين التطبيع والقضية الفلسطينية، أيد 61% من الجمهور الإسرائيلي الاستفادة من التطبيع مع العالم العربي لتعزيز السلام الفلسطيني الإسرائيلي، وأيد 41% منهم وقف البناء في المستوطنات وإخلاء البؤر الاستيطانية لصالح التطبيع.
مصالح
ويعتقد 43% من الجمهور أن استمرار وجود السلطة الفلسطينية يخدم المصلحة الإسرائيلية، مقابل 13% فقط يعتقدون أن استمرار وجودها يتعارض مع المصالح الإسرائيلية.
وتأثر 45% من الجمهور بالانتقادات الدولية للتعديلات القضائية وفي صياغة مواقفهم من الموضوع، مقارنة بـ 40% أشاروا إلى أن تأثيرهم ضئيل أو معدوم.
وبشأن الدولة الأكثر أهمية بالنسبة لإسرائيل إلى جانب الولايات المتحدة، فقدت روسيا مكانتها الرائدة التي كانت حاسمة في الأعوام السابقة، لصالح ألمانيا، وبعدها تم ترتيب الدول بشكل مشابه للسنوات الماضية بترتيب تنازلي من حيث الأهمية، وهي بريطانيا، والصين، ومصر، وفرنسا.
وبخصوص المشروع النووي الإيراني والتعامل الإسرائيلي معه، فضّل 49% من الجمهور الإسرائيلي المسار السياسي باعتباره الوسيلة الرئيسية لكبح جهود إيران النووية، فيما يؤيد 25% من المستطلعين شن هجوم عسكري على المنشآت النووية.
فجوات
يقول جيل مورسيانو المختص في سياسات إسرائيل الأمنية والخارجية والرئيس التنفيذي لمعهد (ميتفيم) إن نتائج الاستطلاع تؤكد "الفجوات بالمواقف في مختلف القضايا بين الجمهور الإسرائيلي وحكومة نتنياهو التي دائما تؤكد لمنتقديها على التفويض من الشعب الذي حصلت عليه في انتخابات الكنيست الأخيرة، كمبرر لسياساتها بعيدة المدى".
وأوضح للجزيرة نت، أن هذه الفجوات "لا تقتصر على الشؤون الداخلية وتعزيز مكانة اليمين المتطرف في مقاليد ومفاصل الحكم والتعديلات بالجهاز القضائي، بل إنها بدت واضحة في سياسات حكومة نتنياهو الإقليمية، والتطبيع، والنووي الإيراني، والعلاقات مع أميركا".
واعتبر أن هذه الفجوات تعكس عدم رضا الجمهور الإسرائيلي عن سياسات حكومة نتنياهو في كل ما يتعلق بإنهاء الصراع مع الفلسطينيين وفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة، وتوسيع المشروع الاستيطاني، وتطبيق حل الدولتين، والعلاقات مع العناصر اليمينية المناهضة لليبرالية بالعالم، والتشكيك بنجاعة التطبيع والترويج له على أنه إنجاز.
أزمات
ويرى المحلل السياسي الإسرائيلي عكيفا إلدار، أن نتائج الاستطلاع تؤكد حقيقة أن حكومة نتنياهو هي "حكومة أقلية سياسية" تتعارض خطوط سياستها الخارجية مع مواقف الأغلبية من الجمهور الإسرائيلي، في قضايا داخلية، وإقليمية وعالمية، ما يعكس الأزمات الداخلية المتفاعلة بإسرائيل وسعي حكومة نتنياهو لتصديرها والهروب إلى الأمام عبر الترويج للتطبيع.
وقال إلدار للجزيرة نت، إن نتنياهو "دائما ما كان يوظف السياسات الخارجية لحكوماته وتصويرها على أنها إنجازات لتجاوز الأزمات الداخلية وتصاعد قوة المعارضة، ولكن ومع مواصلة محاكمته بتهم فساد وخيانة الأمانة، يراهن نتنياهو على استخدام ساحة العلاقات الخارجية كأساس لمنح حكومته شرعية عالمية".
ويعتقد أن نتنياهو "فشل إلى الآن في الحصول على شرعية دولية لحكومته، حيث تتم مقاطعة عدة وزراء ولا يتم استقبالهم بالمحافل الدولية، كما سجلت حكومته أخطاء دبلوماسية فادحة تجلت في القضية الليبية".
واعتبر أن تعامل المجتمع الدولي "غير العادي" مع وزراء بحكومة نتنياهو، يوحي للجمهور الإسرائيلي بأن هذه الحكومة ليست طبيعية على الإطلاق، فنتنياهو الذي سعى لشرعنة حكومته خارجيا لدعمها واستقرارها داخليا، أحدث نتائج عكسية، وبات الجمهور الإسرائيلي يخشى أن تنعكس الأفكار المتطرفة للحكومة على مستقبل إسرائيل ووجودها كدولة يهودية.
الجزيرة نت