في خطوة مفاجئة، توجّه الرئيس اللبناني السابق ميشال عون إلى دمشق للقاء رئيس النظام السوري بشار الأسد في زيارة امتنع عن القيام بها طيلة عهده الذي دام 6 سنوات. ولم يرافق عون في هذه الزيارة رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل بل الوزير السابق بيار رفول، وكان في استقباله على الحدود اللبنانية السورية السفير السوري علي عبد الكريم علي.
وتأتي زيارة عون إلى دمشق بعد عودة سوريا إلى مقعدها في جامعة الدول العربية وبعد مشاركة الأسد في قمة جدة، لكن الأهم أنها تأتي في ظل التباعد المعلن بين التيار الوطني الحر وحزب الله على خلفية الاستحقاق الرئاسي ورفض النائب باسيل ترشيح الثنائي الشيعي لرئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية صديق الأسد وتقاطعه مع قوى المعارضة على ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور.
وكثرت التحليلات حول مغزى وتوقيت زيارة عون، فالبعض قال إنها للتأكيد على أن رفض فرنجية لا علاقة له بتموضع التيار الاستراتيجي، وإنه سيشرح وجهة نظره حول خطورة التمسك بترشيح فرنجية ضد رأي الأحزاب المسيحية، فيما البعض الآخر أدرج الزيارة ضمن الطلب من الأسد التدخل لتسوية العلاقة بين باسيل وحزب الله بعد اعتبار أوساط الثنائي الشيعي أن باسيل بات في الضفة الأخرى.
وكان العماد عون زار سوريا في كانون الثاني/يناير عام 2008 بعدما كان يتزعّم أكبر كتلة نيابية مسيحية حيث استقبل بحفاوة، وشكّلت تلك الزيارة إيذاناً بانتهاء حالة العداء التي سادت بينه وبين النظام السوري خصوصاً بعد حرب التحرير عام 1989 التي أعلنها عون بصفته رئيساً للحكومة العسكرية ضد الوجود السوري في لبنان وصولاً إلى عملية 13 تشرين/أكتوبر 1990 التي قام بها الجيش السوري وأطاحت بعون من قصر بعبدا، وما أعقب ذلك من دعم عوني لصدور القرار 1559 حول خروج الجيش السوري من لبنان.
في هذه الأثناء، وقبل أيام على جلسة انتخاب الرئيس في 14 حزيران/يونيو الحالي فإن الفريقين المتواجهين يحشدان قواهما لرفع رصيد مرشحيهما، مع الإشارة إلى أن الثنائي الشيعي الذي سيعطّل الجلسة في دورتها الثانية سيقترع على الأرجح بالورقة البيضاء لعدم إظهار سليمان فرنجية كمرشح تحد ولعدم الكشف عن رصيده الحقيقي من الأصوات قياساً لمنافسه أزعور، وهذا ما أحرج بعض النواب والكتل التي كانت ستقترع بورقة بيضاء في الدورة الأولى ودفعها لاعادة النظر بخيارها لئلا يتم احتساب أصواتها ضمن الأصوات الداعمة للثنائي الشيعي.
وينتظر كل من فريق المعارضة وفريق الموالاة موقف “اللقاء الديمقراطي” من العملية الانتخابية، إذ يراهن الثنائي الشيعي على تصويت نواب اللقاء بورقة بيضاء على الأقل في الدورة الأولى لعدم الظهور بأنهم يدعمون مرشح مواجهة ومرشح تقاطع المعارضة والتيار، فيما تظهر تصريحات نواب اللقاء الديمقراطي أنهم يميلون للاقتراع لأزعور بعدما كان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط أول من رشّحه ضمن مجموعة من الأسماء. ومن المعلوم أن الموقف الجنبلاطي له دلالاته وتأثيراته على موقف نواب آخرين مازالوا مترددين كنواب “تكتل الاعتدال الوطني” الذين يتأثرون بالموقف السعودي.
واستباقاً لاجتماع “اللقاء الديمقراطي” برئاسة تيمور جنبلاط لاتخاذ الموقف المناسب، بعث رئيس مجلس النواب نبيه بري برسالة اعلامية إلى الزعيم الدرزي وليد جنبلاط حملت بين سطورها دعوة إلى عدم التسبّب بمشكلة بينه وبين الثنائي الشيعي حيث نُقل عنه قوله “إن جنبلاط وإن بدا مختلفاً عما عهدته منه، إلا أنني لا أعتقد أنه سيدخل في مشكلة معي ومع حزب الله كرمى لعينَي مرشح اختاره جبران باسيل”.
أما حزب الله، فواصل انتقاد جهاد أزعور وأطلقت عليه قناة “المنار” التابعة للحزب وصفاً جديداً هو “حصان طروادة البعض”، وقالت إنه “ما زال غائباً عن الصورة والسمع، فعسى أن يمنَّ اللُه على اللبنانيين بسماع موقفه ومشروعه الرئاسي الذي تقاطع عليه المتعارضون”.
وفي المواقف، أشار عضو “كتلة الوفاء للمقاومة” النائب حسن فضل الله إلى “أن دعوة رئيس مجلس النواب لعقد جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية تسقط كل الحملات الدعائية والتضليلية التي أطلقها فريق المواجهة بأنه لن تكون هناك جلسة لأننا لا نضمن نجاح مرشحنا”، وقال “وهذا الفريق اعتاد على هذا النوع من إطلاق الاتهامات عند كل محطة، وهذا دليل على منهجه في التضليل، وبالنسبة إلينا، لدينا مروحة من الخيارات الدستورية، ونحن نناقش هذه الخيارات مع حلفائنا وأصدقائنا لاتخاذ الموقف المناسب في الجلسة المقبلة، وهذه الخيارات من داخل النصوص الدستورية وهي متنوعة، وأي خيار سنلجأ إليه في الجلسة المقبلة أو غيرها من الجلسات، متوفر له العدد النيابي الكافي، وهو الخيار الذي بالتأكيد ومن داخل الدستور لن يوفر لأولئك الذين يريدون فرض رئيس مواجهة وتحدي أن يحصلوا على ما يريدون”.
وفي إشارة إلى احتمال تعطيل النصاب، قال فضل الله: “عندما كان يُقال إنَ الاستاذ سليمان فرنجية قد يحصل على 65 صوتًا هدَّد أحدهم بإعادة النظر بالكيان اللبناني، بينما نحن متمسكون بلبناننا ودستورنا وتطبيق اتفاق الطائف، ولا نريد إعادة النظر بشيء، بل سنمارس حقنا الدستوري والقانوني بالكامل، فما يعطينا إياه الدستور من صلاحية هو أن نشارك أو لا نشارك أو كيف نصوِّت ولمن نصوِّت، ونحن الآن في مرحلة نقاش، ولدينا الوقت حتى موعد الجلسة، وسنأخذ الموقف المشترك ونذهب في الموعد المحدد لتطبيقه، وهذا الموقف المشترك يستند إلى نصوص الدستور التي تعطينا مجموعة من الصلاحيات، وهو قادر على عدم القبول وعدم تسلل أو تمرير أي رئيس يحمل عنوان مواجهة وتحدي مهما كان اسمه، هم غيَّروا الأسم الأول بإسم ثان، ولكن هذا لا يغيِّر بالنسبة لنا شيئاً”. وأضاف: “عندما نصّ الدستور اللبناني على نصاب الثلثين إنَّما ليؤمِّن أوسع مشاركة لبنانية مسيحية اسلامية في انتخاب الرئيس، وليقول للكتل النيابية أنتم مجبرون على التفاهم، مع العلم أنَّه لا يملك أحد غالبية الثلثين وإلى الآن لا يملك أحد 65 حتى مع التهديدات بالعقوبات الخارجية التي يمارسها الفريق الآخر”.
وحول العقوبات الأمريكية، التي تمّ التلويح بها بحق الرئيس بري في حال عدم تسهيل انتخاب الرئيس، عبّر رئيس حزب التوحيد وئام وهاب عن رأي شخصي على حد تعبيره جاء فيه “أعتقد اذا وضعت واشنطن عقوبات على الرئيس بري سيكون الرد تصعيدياً عبر طرد السفيرة الأمريكية من لبنان. لذا فلتتوقف التسريبات والتهديدات”.