الكشف عن حقيقة الاستيطان الجديد على مشارف حي "الماصيون"..كسارة حجر ومن ثم مزرعة عنب

رام الله الإخباري

منذ أيام، شرعت آليات مملوكة لمقاولين فلسطينيين، بالعمل لصالح مستوطن إسرائيلي، في قطعة أرض تزيد مساحتها عن 200 دونم تابعة لقرية قلنديا شمال غرب مدينة القدس، وتُشرف على حي "الماصيون"، أحد أرقى أحياء رام الله، حيث مقر أكبر المؤسسات الحكومية والأمنية والخاصة.

لا يخفي المستوطن الإسرائيلي نيّته إنشاء مزرعة عنب كبؤرة استيطانية زراعية مطلة على أرض مطار قلنديا التاريخي، وهذه الأرض مملكة للصندوق القومي اليهودي، منذ عشرينيات القرن الماضي، باعتراف الجهات الرسمية الفلسطينية 

وما يجري حتى الآن، وفق مصادر محليّة هو عمل الكسارة على تحويل ما في الأرض من أتربة ومخلفات متراكمة منذ 2013، إلى "بسكورس" يُستخدم في تعبيد الطرقات، ونقله إلى داخل الخط الأخضر. 

وفي المرحلة الثانية، لا يخفي المستوطن الإسرائيلي نيّته إنشاء مزرعة عنب كبؤرة استيطانية زراعية مطلة على أرض مطار قلنديا التاريخي، وهذه الأرض مملكة للصندوق القومي اليهودي، منذ عشرينيات القرن الماضي، باعتراف الجهات الرسمية الفلسطينية.

كيف وصلت ملكية الأرض إلى الصندوق القومي اليهودي؟ ولماذا سمح اليهود بتراكم المخلفات في قطعة الأرض؟ وكيف سيتم مواجهة المشروع الجديد؟ هذا ما سنحاول الإجابة عليه في هذا التقرير.

ملكية الأرض

يقول وليد الكيشي رئيس مجلس قروي قلنديا إن هذه الأراضي في أصلها "أراضي دولة" منذ أيام الحكم العثماني، ومن المعروف بأن الحكومات ترث بعضها، وفي زمن الانتداب البريطاني عام 1922، تم إنشاء مستوطنة "عطروت" على أرض مطار قلنديا، وظلّت هذه المستوطنة موجودة حتى 1948.

أمّا بخصوص هذه الأرض بالتحديد، يوضح الكيشي في حديث مع "الترا فلسطين"، أن الانتداب البريطاني قام بنقل ملكية الأرض إلى الصندوق القومي اليهودي، وهناك وثائق لديهم تثبت ذلك، ولديه وثيقة "كوشان" انجليزي قديمة تثبت أن الأرض كانت مسجلة باسم المندوب السامي، ومن ثم تحوّلت إلى "صندوق أراضي إسرائيل".

ويؤكد ذلك حسن حلايقة مدير دائرة الخرائط ونظم المعلومات الجغرافية في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، الذي يقول إن هذه الأرض كانت مسجّلة باسم المندوب السامي وحوّلها إلى اسم "الصندوق القومي اليهودي". 

ولا يُخفي خليل التفكجي رئيس دائرة الخرائط في جمعية بيت الشرق الفلسطينية أن جزءًا كبيرًا من أراضي منطقة قلنديا كانت فيها مستوطنة عطروت التي أقيمت عام 1924، وهناك أملاك يهودية كثيرة في المنطقة، منها ما هو مُسجّل باسم "حارس أملاك العدو"، وبالتالي يستطيع المستوطن أن يدعي أن هذه الأرض له، وقد ورثها.

مكب لمُخلّفات ورش البناء

منذ العام 2013 يجري نقل مخلفات وُرش البناء وبالتحديد من مدينة رام الله إلى هذه الأرض.ويقول وليد الكيشي رئيس مجلس قروي قلنديا، إن أشخاصًا متطفلين كانوا يعملوا في الموقع ويسمحون بدخول الشاحنات التي تنقل المخلّفات من المناطق المحيطة إلى داخل الأرض، وأخذ أموال مقابل كل حمولة، على أساس أنّه مكب عشوائي، وذلك دون أخذ الإذن من أي جهة، حتى صارت الأرض مثل "جبل كبير".

ويضيف الكيشي، أنه قبل عامين ظهر مستوطن وحاول العمل في الأرض وتجريفها، ولكن تم طرده.

وتابع: قبل نحو شهرين حضر أشخاص لعمل مكب إضافي قرب الأرض، ولكن جرى التحرك وتم إيقاف العمل بعد التواصل مع وزارة الحكم المحلي والأجهزة الأمنية. 

وقبل نحو شهر ظهر نفس المستوطن الذي ظهر قبل عامين. ويؤكد رئيس المجلس أنه تبيّن أنّ هذا المستوطن هو من كان يُشغّل الأشخاص المتطفلين، للإشراف على المكب وجباية الأموال مقابل نسبة من العوائد.

وينوّه وليد الكيشي إلى أن بلدية رام الله على سبيل المثال كانت تعتمد على هذا المكب في نقل المخلّفات، ولكن بعد مراسلتهم، أرسلوا كتابًا بأنهم توقفوا عن ذلك.

إنشاء مزرعة عنب

منذ أيام حضرت المعدات من جديد، وبدأ مقاولون فلسطينيون بالعمل لصالح المستوطن الذي يتسلل إلى المنطقة المحيطة بالقرى والبلدات الفلسطينية خلسة عبر حاجز "الجيب".

ويدعي المستوطن الإسرائيلي أن معه عقد إيجار من الصندوق القومي الإسرائيلي للانتفاع من الأرض.

وبحسب مجلس قروي قلنديا والأشخاص المطلعين، يدعي هذا المستوطن أنه يريد تسوية الأرض، ومن ثم الزراعة فيها.

ويقول حلايقة إن ما يجري الآن أن المستوطن بدأ بعمل كسارة حجر لطحن المخلفات وتحويلها إلى "بسكورس" لنقله إلى الداخل، وبعد تسوية الأرض سيقيم فيها مزرعة عنب، وهذا آخر ما وصل إليهم في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان.

ووفقًا لحلايقة مدير دائرة الخرائط ونظم المعلومات الجغرافية في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، فإنه لا يوجد مخطط لإقامة مستوطنة هناك، وسيكون من الصعب جدًا بناء مستوطنة هناك، ولكن الحديث يدور عن إقامة مستوطنة زراعية تضم حقولًا من العنب. 

ويشير حلايقة إلى أن مستوطنة "عوفرا" الواقعة شرق رام الله، على أراضي بلدة سلواد، كان من المقرر أن تقام سابقًا في المنطقة ذاتها.

ولهذا المشروع أثر سلبي كبير على المنطقة، وفق وليد الكيشي رئيس مجلس قروي قلنديا، وما يزيد من مخاوفهم أن هناك مخططات لمستوطنين لإقامة مستوطنة كبيرة على أرض المطار القريبة من هذه الأرض.

المستوطنات الزراعية

يقول خليل التفكجي رئيس دائرة الخرائط في جمعية بيت الشرق إن هذا الأسلوب الإسرائيلي بدأ منذ عشر سنوات سواء في الضفة الغربية والقدس، بحيث يكون بيت لمستوطن هنا وبيت هناك، وهو ضمن مشروع أكبر، وهذا ما يجري في قلنديا، في البداية مستوطنة زراعية، ومن ثم تتوسع ويسيطر المستوطن على المنطقة ككل.

ويعتقد التفكجي في حديثه مع "الترا فلسطين"، أن ما دفع الإسرائيليين إلى هذا الأسلوب هو نتيجة الضغوط الدولية، لذا شرعوا باستخدام ما يعرف بـ "الراعي العبري"، وهو الانتشار في الجبال، حيث يسيطر مستوطن على عدد كبير من الدونمات (أرض كبيرة وسكان أقل).

ويضيف أنه "في قلنديا هناك ضغط دولي لمنع إقامة مشروع استيطاني على أرض المطار، وبالتالي يتوجّه مثل هذا المستوطن إلى المنطقة، مدعيًا أنه له أملاك للعمل فيها، ويبدأ الأمر كبؤرة استيطانية، ومن ثم تصير مستوطنة، أو يسيطر على الأرض دون أن يكون هناك مشروع استيطاني وضجيج إعلامي.

لكن حلايقة الذي استبعد إنشاء مستوطنة في المنطقة، عاد وشدد على أنه لا يوجد أي شيء بعيد على الاحتلال، ولكن بخصوص الاستيطان على أرض مطار قلنديا فما يُروَّج حتى الآن هو مخططات من قبل المستوطنين، أما الجهات الرسمية الإسرائيلية فلم تطرح أي عطاء أو مخطط هيكلي لبناء مستوطنة في "عطروت".

كيف ستتم مواجهة المشروع؟

يقول وليد الكيشي إن المجلس وبالتشاور مع وزارة الحكم المحلي وسلطة جودة البيئة وهيئة مقاومة الجدار والاستيطان سيسيرون بخطوات قانونية، من ضمنها تحضير ملف يقوم على عقد إيجار لأحد الأشخاص من قلنديا، الذي استأجر الأرض من الحاكم العسكري عام 1983 وحتى عام 1993 وكان يزرع هذه الأرض، وهذا يمكن أن يكون مدخلًا قانونيًا.

أما حسن حلايقة فيشير إلى أن الهيئة تتحضّر لرفع قضية في المحاكم الإسرائيلية مفادها أن هذه الأراضي يتم استغلالها من قبل كسارة، وهي قريبة من مناطق السكن، وستخلّف أضرارًا بيئية كبيرة.

أما على المستوى الشعبي، يبين حلايقة أنه كان هناك اجتماع لقرى شمال غرب القدس، وجرى الاتفاق خلاله على عدة نقاط لمواجهة هذه البؤرة.

من جهته، يقول أسامة عزام عضو إقليم حركة فتح في محافظة القدس، وممن حضروا الاجتماع، إنه تم الاتفاق على عدة خطوات بالتعاون مع باقي المؤسسات والأجهزة الأمنية، لمواجهة المشروع الاستيطاني.

ويفيد عزام في حديثه لـ "الترا فلسطين" أنه "في البداية قمنا بتبليغ المقاولين الفلسطينيين بأن عليهم وقف العمل مع المستوطن، الذي بدأ بالظهور قبل عامين وتم طرده، ولكن هذه المرة عاد من خلال مقاولين فلسطينيين".

وأضاف: "سنبعد المقاولين الفلسطينيين عن مكان العمل كخطوة أولى، ومن ثم سنتصرف مع المستوطن على أرض الواقع، وقمنا بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وتم استدعاء المقاولين لإبلاغهم بوقف العمل في المشروع".

ولكن ماذا لو رفض المقاولون الفلسطينيون طلبكم؟ رد عزام "في البداية نريد أن نضعهم عند مسؤوليتهم، ولكن إذا لم يخرجوا هناك طرق أخرى لإخراجهم".

الترا فلسطين