وفد إسرائيلي يزور ضريح "أبو حصيرة" في مصر.. هل يعود المولد اليهودي المتوقف منذ 12 عاماً؟

أثارت وسائل إعلام إسرائيلية الجدل من جديد بعد إعلانها زيارة وفد إسرائيلي إلى ضريح الحاخام اليهودي "أبو حصيرة" الموجود بمدينة دمنهور بمحافظة البحيرة شمال مصر، لتجديده؛ استعداداً لعودة الاحتفالات السنوية المعروفة باسم "مولد أبو حصيرة".

ونشر الصحفي بهيئة الإذاعة والتليفزيون الإسرائيلية، روعي كايس، تدوينة باللغة العبرية على موقع التغريدات "تويتر"، أشار فيها إلى ذهاب وفد إسرائيلي منخفض المستوى إلى الضريح لإجراء تنظيف شامل بعد أن ترك مهملاً، وأن الزيارة كانت مغلقة وسرية وجاءت نتيجة لجهود المسؤولين الأمريكيين بالتنسيق مع مصر.

وكان مولد أبو حصيرة توقف منذ ثورة يناير/كانون الثاني 2011، بسبب الرفض الشعبي، ثم الحكم القضائي الذي تلاه بثلاث سنوات، ليجعل المنع قانونياً ويحظر احتفالات اليهود التي كانت تتم كل عام في الفترة ما بين شهري ديسمبر/كانون الأول ويناير/كانون الثاني.

يأتي الجدل هذه المرة مصاحباً لتنفيذ مبادرات تتبناها السفارة الأمريكية في القاهرة لتجديد أضرحة اليهود في مناطق متفرقة، وهو ما يؤشر على أن "أبو حصيرة" الذي يحمل إرثاً من الرفض الشعبي نتيجة توافد الإسرائيليين عليه كل عام، قد يكون ضمن مبادرات التطوير دون أن يتم الإعلان عن ذلك بشكل رسمي، بعد أن أضحى مكاناً مهجوراً لا يتوافد عليه أحد إلا مرات قليلة خلال السنوات الأربع الماضية.

بالعودة إلى تغريدة الصحفي الإسرائيلي، فقد صاحبها فيديو يظهر عدداً من الأشخاص يقومون بتنظيف الضريح، دون أن تظهر معالمه بشكل كامل ودون أن يتم تحديد تاريخ تصويره.

ووفقاً لما ذكره الكاتب والباحث الفلسطيني المتخصص في الشأن الإسرائيلي، صالح النعامي، في تغريدة أخرى على موقع "تويتر"، فإن قناة "كان" الإسرائيلية نشرت أن "حكومة نتنياهو طلبت من مصر السماح لليهود بأداء الصلوات عند قبر الحاخام "يعكوف" أبو حصيرة في مدينة "دمنهور". 

كان محمد يقف مع أصدقائه أمام كوبري أبو الريش القديم بمدينة دمنهور، وعلى مقربة منهم توقفت حافلة ترجل منها بهدوء مجموعة من الرجال تتراوح أعمارهم بين الأربعين والخمسين عبروا الكوبري متجهين إلى قرية "دمتيوه" الصغيرة التي تضم مقبرة "الحاخام اليهودي أبو حصيرة" على تبة مرتفعة. 

للوهلة الأولى عرف محمد وأصدقاؤه أنهم غرباء عن القرية وأنهم غير مصريين لتحدثهم بلغة غريبة عليهم تخللتها كلمات عربية مكسرة وصعدوا سلماً عالياً يوصل إلى حجرة الدفن واختفوا عن الأنظار.

يشير الشاب الذي تواصل معه "عربي بوست" هاتفياً إلى أن ضابطاً وعساكر  شرطة وقفوا لتأمين من بالداخل، واصفاً تلك الإجراءات الأمنية بـ"البسيطة" وليست المعتادة في التأمين، إذا ما كان هناك نية إعداد  لمولد قريب.

وأوضح أن تلك الزيارة اختلفت عن زيارات كانت تتم منذ أكثر من عقد، حيث كانت الأعداد كثيرة وترافقها إجراءات أمنية مشددة، إذ لم يكن هناك إمكانية لتواجد أبناء من القرية أو مشاهدة الزائرين، مشيراً إلى أن هناك طريقاً سريعاً مختصراَ تمّ تشييده في مدخل المدينة الجنوبي لكي تمر حافلات الزائرين منه.

لكن الحكومة المصرية طعنت على هذا الحكم، لتتم إحالة الأمر إلى المحكمة الإدارية العليا التي حسمت القضية في سبتمبر/أيلول 2020 برفض الطعن الحكومي وتأييد الحكم القضائي الصادر عام 2014، ليكون ذلك الحكم باتاً ونهائياً.

ونص الحكم على رفض الطلب الإسرائيلي المقدم لمنظمة الأمم المتحدة للعلوم والثقافة (اليونسكو) بنقل الضريح إلى القدس "باعتبار أنها أرض عربية محتلة"، وألزم الحكم وزير شؤون الآثار بشطب الضريح من السجلات الرسمية، مع التزامه بإبلاغ لجنة التراث العالمي باليونسكو بهذا الإجراء.

وألغى أيضاً قرار وزير الثقافة في عهد الرئيس المصري الراحل حسني مبارك، فاروق حسني، باعتبار ضريح "أبو حصيرة" والمقابر اليهودية الموجودة حوله والتل المقام عليه، ضمن الآثار الإسلامية والقبطية "لانطوائه على خطأ تاريخي جسيم يمس كيان تراث الشعب المصري".

وبحسب مصدر بوزارة السياحة والآثار المصرية، تحدث إليه "عربي بوست" فالضريح لم يعد ضمن الآثار الإسلامية أو القبطية المصرية منذ العام 2019 حينما وافقت لجنة الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية على شطب الضريح في ذلك الحين بناء على الحكم القضائي، لكن على أرض الواقع، فإن الضريح يعامل معاملة الآثار المصرية ولا يمكن الاقتراب منه أو نقله أو التعرض له، وهو ما وضع وزارة السياحة والآثار في مشكلات قانونية.

وأوضح المصدر أن وزير السياحة والآثار السابق خالد العناني أرسل خطابات إلى قسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة المختصة بتنفيذ الأحكام ذات الصلة بالجهات والهيئات الحكومية لكيفية تنفيذ الحكم الصادر بشأن إزالة الضريح، لكنه تلقى رداً قضائياً بأنه لا يجوز المساس به طالما أن الوزارة لم تتلقّ إعلاناً من المحكمة بصورة رسمية من الحكم مذيلة بالصيغة التنفيذية، وهو ما فُهم على أنه رغبة رسمية بالإبقاء على وضعية الضريح دون هدمه، ولكن مع عدم السماح بعودة الاحتفالات إليه مرة أخرى.

ويلفت إلى أن الضريح يعامل كغيره من المقابر اليهودية التي تحمل صفة المال العام، وبالتالي فإنه لا يجوز المساس به، وتشدد الحكومة إجراءاتها لحمايته من أي تعديات قد تقع عليه، وأن الفتوى التي صدرت مطلع العام الماضي كانت بمثابة مواءمة تمنع الدخول في صدام مع الجانب الإسرائيلي وفي الوقت نفسه لا تمنح الضريح وضعيته الأثرية ليبقى تحت الحراسة المصرية.

ويقع ضريح أبو حصيرة وسط قرية مصرية تسمى "دميتوه"، ويمكن رؤية الضريح من مسافات بعيدة؛ إذ يقع على تبة مرتفعة تصل إلى خمسة أمتار، حيث يوجد مبنى مغلق يضم ضريح الحاخام، ومعه ثلاثة أضرحة، يقول اليهود إنها لأحفاده، وتغطى قبر أبو حصيرة قطعة كبيرة من القماش الأسود المنقوش بعبارات عبرية، كتبت بخيوط ذهبية، وتبلغ مساحة الحجرة التي تضم الضريح 30 متراً مربعاً، وهى خالية إلا من 3 لوحات زيتية للحاخام اليهودي.

ويتصدر مدخل الضريح لوحة رخامية مكتوبة بالعبرية، ومجموعة من المعادن الصغيرة أشبه بالقروش الفضية، موضوعة فوق أحد المقابر المجاورة لضريح الحاخام، ولوحة مكسورة من الخشب صغيرة الحجم، إلى جانب عدد من الشبابيك الخشبية أنهكت من إلقاء الحجارة عليها.

ويوجد بجوار الضريح ما يقرب من 53 مقبرة لشخصيات يهودية مجهولة، ويقنع اليهود بأن تلك المقابر تتبع مريدي الحاخام. ووفقاِ لمصدر مطلع بوزارة السياحة والآثار تواصل معه "عربي بوست"، فإن تلك المقابر لم يقترب منها أحد منذ عقود طويلة، وليس من المؤكد إذا كانت تحتوي على جثث لأشخاص يهودية من عدمه. وهناك مقولات بأن المتوافدين على الضريح كل عام منذ قديم الأزل روجوا لوجود أتباع الحاخام أبو حصيرة في تلك المقابر.

وأبو حصيرة هو يعقوب بن مسعود "أبو حصيرة "، حاخام يهودي من أصل مغربي، عاش في القرن التاسع عشر، وينتمي إلى عائلة يهودية كبيرة هاجر بعض أفرادها إلى مصر ودول أخرى، وبقي بعضهم في المغرب على مر العصور، ويعتقد عدد من اليهود أنه شخصية "مباركة"، لكن تلك الشخصية كانت دائماً محل تشكيك من باحثين مصريين وعرب.

ويعتقد عدد من اليهود أن أبو حصيرة غادر المغرب لزيارة الأماكن المقدسة في فلسطين قبل مجيئه إلى مصر، حيث أقام في القرية ودفن فيها وأقيم ضريح له عام 1880.

ويشير خبير في التراث الشعبي إلى أن قرية "دميتوه" يعود أصلها إلى اسم تاجر يهودي كان يمتلك معظم أراضيها، وأن "أبو حصيره" حينما استقر بالقرية توطدت علاقته بذلك الثري؛ حيث كان يعمل إسكافياً وعقب وفاته تكفل التاجر بدفنه تنفيذاً لوصيته في مقابر اليهود المقامة بالقرية.

ويضيف المتحدث أن بعض الروايات المتواترة شعبياً في دمنهور تشير إلى أن "يعقوب أبو حصيرة" حينما وفد من المغرب لم يكن يستهدف البقاء في مصر، وأنه كان في رحلة مقرر لها أن تطوف بلداناً إسلامية، وتصادف وصوله إلى دمنهور عام 1881 وقت قيام الثورة العرابية وتسببت الاضطرابات في عدم تمكنه من مواصلة رحلته.

وكان مولد أبو حصيرة يُقام في الفترة بين 26 ديسمبر/كانون الأول و2 يناير/كانون الثاني من كل عام، وكان يحجّ إليه مئات اليهود خصوصاً من المغرب وفرنسا وإسرائيل. ويجري تنظيم المولد منذ مطلع القرن التاسع عشر، قبل أن يتوقف في العام 2011 في أعقاب اندلاع ثورة يناير؛ إذ حاول بعض الأشخاص مهاجمة الضريح وهدمه بواسطة "لودر كبير" لكن أهالي القرية البسطاء تصدوا لهم.

ولطالما أثار الاحتفال بمولد أبو حصيرة جدلاً كبيراً في مصر، حيث عبّر المواطنون عن رفضهم له، مما جعل الاحتفالات تتم تحت حراسة أمنية. وبحسب خبير أثري بمحافظة البحيرة، فإن التشديد الأمني الذي اعتاد عليه نظام مبارك لتأمين العشرات أو المئات من الإسرائيليين والمضايقات الأمنية التي تعرض لها أهالي القرية والكثير من أبناء دمنهور ضاعفت من جرعات الرفض لإقامته.

ويشير إلى الكثير من الشائعات التي انتشرت وتتعلق بطقوس احتفالات اليهود، بينها أنهم كانوا يمارسون الفواحش لكنها روايات لم يتم التأكد من صحتها، والثابت أنهم يذبحون الخراف قرابين على الضريح، بنفس طريقة ذبح المسلمين، ويأكلون المخبوزات والفواكه المجففة، ويتلون صلواتهم وتراتيل دينية، والتي يتخللها البكاء.

ويؤكد أن بعض أبناء القرية كانوا يستفيدون من إقامة المولد؛ لأنه يشكل رواجاً اقتصادياً لهم نتيجة الإقبال على شراء الخراف والاستعانة بالجزارين في ذبح القرابين، لكن في المقابل، فإن الجزء الأكبر كان يعاني من الإجراءات الأمنية المشددة، ما جعلهم يخرجون في مظاهرات فرح في أعقاب صدور حكم قضائي بات ونهائي يحظر عودة الاحتفالات.