إفلاس وتقليص إنتاج وهجرة شركات.. "هزات مدوية" تترقبها الصناعة الألمانية

لم تكن أزمة الطاقة في أوروبا وهزات التضخم الناجمة عن الحرب الأوكرانية السبب الوحيد الذي "أرهق" الاقتصاد الألماني، وإنما كانت واحدة من العوامل التي عجلت في تراجع نموه.

وكثيرا ما ورد هذا الاعتقاد والتحليل في التصريحات الحكومية الألمانية والتي أكدت أن الاقتصاد الألماني يكتب "فصلا جديدا" في تاريخه، عنوانه أزمة العولمة الاقتصادية، وفحواه أن "الاقتصاد تردى" أمام نهضة الاقتصادات الآسيوية.

ففي الوقت الذي لا تستطيع فيه الصناعة الألمانية تعويض تكلفة العمالة مقارنة بمنافسيها الدوليين، تتردد في الأوساط الصناعية مخاوف من "هزات مدوية" يترقبها الاقتصاد الألماني.

من المتوقع ازدياد عدد حالات إفلاس الشركات هذا العام في ألمانيا بنسبة 3.6% مقارنة بالعام الماضي أي ما يعادل حوالي 14500 شركة

وأبرز تلك الهزات بحسب المحللين، انتشار حالات إفلاس لبعض الشركات في المستقبل بسبب البيئة الاقتصادية، واحتمالية توقف شركة من كل 10 شركات عن الإنتاج أو تخفيض إنتاجها، إضافة إلى عزم منتج من كل 5 منتجين في نقل جزء من إنتاجه إلى دولة أخرى.

وكشف تحليل أجرته شركة الاستعلام الائتماني "كريف"، ازدياد عدد الشركات المفلسة في ألمانيا خلال العام الجاري.

وتوقع التحليل الذي شمل بيانات حوالي 3 ملايين شركة، أن يرتفع عدد حالات إفلاس الشركات هذا العام بنسبة 3.6% مقارنة بالعام الماضي، أي ما يعادل حوالي 14500 شركة.

أما العام القادم 2023، فرجح التحليل أن يرتفع العدد مرة أخرى إلى 17 ألف شركة، في الوقت الذي تعاني فيه حالياً أكثر من 300 ألف شركة في ألمانيا من مشكلات مالية.

وقال الألماني فرانكلين شتانوفر (44 عاماً) لـ"إرم نيوز" "أن 80% من العائلات الألمانية لا تستطيع تحمل تبعات التضخم وأزمة الطاقة، وكذلك لم تتحمل معظم الشركات والمصانع".

وأضاف شتانوفر وهو يعمل محاسبا في شركة "بلا بلا كار" للنقليات: "من الطبيعي لآلاف الشركات التي تعتمد بشكل أساسي على النفط والطاقة أن تفلس، ويجب على الحكومة التدخل بشكل أكبر من أجل وقف هيجان الغلاء".

ويرى شتانوفر، أن "ما قامت به الحكومة الألمانية من إجراءات شملت المعونات المالية ورفع الرواتب والتأميم تتعارض مع علم اقتصاد السوق، وتسبب المزيد من الركود، وأبرز الأخطاء التي تعثرت خلالها الحكومة هي التوزيع غير العادل للمعونات المالية، والذي أدى إلى زيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء".

وهنا قال: "من المطالب الملحة لتدارك انهيار قطاع الصناعة تقديم خطة إغاثية للقطاع الصناعي، وأهمها التوقف عن إدخال معدل ضريبة أعلى، فاقتراح فرض ضرائب ورسوم أعلى أمر غير معتاد".

وبحسب تحليل أجراه مصرف "دويتشه"، يرجح أن يتقلص الإنتاج الصناعي الألماني بنسبة 5% العام القادم، وذلك نتيجة قيام عدد كبير من الشركات بتخفيض إنتاجها، وإيقاف بعض خطوط الإنتاج بسبب أزمة الغاز.

أما جمعية الشركات العائلية الألمانية، فأجرت استقصاء مؤخراً، كشف أن 25% من الشركات التابعة لها تخطط لإلغاء الوظائف، وتسريح العاملين لديها، فيما فقدت العديد من الوظائف في الصناعة التحويلية في الآونة الأخيرة.

كشف مسح أجراه اتحاد غرف الصناعة والتجارة الألمانية أن حوالي 40% من الشركات الألمانية تتوجه لنقل استثماراتها إلى الولايات المتحدة، وتقلص خططها الاستثمارية في ألمانيا وأوروبا

هجرة الأعمال

وتكافح المصانع والشركات الألمانية للتكيف مع نقص إمدادات الطاقة وارتفاع أسعارها، عبر تخفيض الإنتاج وتقنين المواد، ونقل العمليات إلى دول تكون فيها الطاقة أرخص، ما أثار قلقا عميقا بشأن مستقبل الصناعة الألمانية.

وقال الصناعي في مدينة "Fechenheim" الصناعية في فرانكفورت آرثر فراون لـ"إرم نيوز" إن "ارتفاع أسعار الطاقة ومواد الإنتاج لم يقوض الصناعة الألمانية فحسب، بل أصبح استيراد بعض المواد من الأسواق العالمية في الخارج، أرخص من صناعتها في ألمانيا، وهنا نتحدث عن مواد نوعية في الصناعة الألمانية مثل الأمونيا على سبيل المثال".

وأضاف فراون: "الوضع الصعب دفع الصناعيين إلى إعادة التفكير في البنية الصناعية في البلاد، ففي الماضي عرف عن نموذج الأعمال الألماني أنه يعتمد على توفير الطاقة وتوفر اليد العاملة والأسواق المفتوحة، أما اليوم فمعظم هذه العناصر تغيرت".

وتابع: "لذلك لا يلام الصناعيون في ألمانيا إذا فكروا في التحول بعيدًا عن ألمانيا، خاصة الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم، لأن الشركات الكبيرة متعددة الجنسيات ستتمكن من النجاة بنفسها".

وكشف مسح أجراه اتحاد غرف الصناعة والتجارة الألمانية أن حوالي 40% من الشركات الألمانية تتوجه لنقل استثماراتها إلى الولايات المتحدة، وتقلص خططها الاستثمارية في ألمانيا وأوروبا، وهذا يعني أن مكانة الاقتصاد الألماني كأقوى اقتصاد أوروبي ورابع أقوى اقتصاد في العالم ستصبح "حكاية من الماضي".