تتواصل معاناة سكان المملكة المتحدة نتيجة ترنح بلادهم تحت تضخم متسارع بشكل هائل مصحوب بركود اقتصاد وضع البلاد في خضم أوسع حالة انكماش اقتصادي في تاريخها.
ولا تقتصر المشكلة على أزمة معيشية ترخي بأوزارها على ملايين العائلات البريطانية التي تخوض غمار امتحانات معيشية لا يمكن المفاضلة بين خياراتها، بل يكمن الخطر الأكبر في ترقب ما هو قادم في بلاد أصبحت بيئتها الاقتصادية مهيأة لاستقبال حقبة ركود اقتصادي هي الأسوأ العام القادم.
مؤشرات ذلك الركود الهستيري القادم واضحة بحسب المحللين الاقتصاديين، أبرزها اقتراض الحكومة الشهر الماضي رابع أعلى اقتراض شهري منذ بدأت السجلات العام 1993، بحسب ما ذكر مكتب الإحصاء الوطني.
وأوصل ذلك الاقتراض حجم الدين العام إلى أعلى معدل له منذ ستينيات القرن الماضي، بينما يشكك الكثير من الاقتصاديين في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية في قدرة الحكومة على خفض الدين العام، خاصة في ظل ما تواجهه من أولويات دعم أسعار الطاقة.
لذلك تحوم كل التوقعات حول انكماش وركود سيتربصان باقتصاد لندن، وهذا ما توقعه مكتب الإحصاء الوطني عندما أعلن أن انكماش الناتج المحلي الإجمالي البريطاني سيراوح عند نسبة (0.4-) خلال العام المقبل 2023.
أين ذهبت أموال الاقتراض؟
يفترض أن تثمر كل تلك الإجراءات التي أثقلت الواقع الاقتصادي إلى تحسن في الواقع المعيشي للناس، وتحسن من قدرتهم الشرائية، وأن تنعكس كل تلك الويلات التي كبدتها الحكومة للاقتصاد على بحبوحة يشعر بها المواطن، لكن ذلك لم يُرَ حتى الآن.
وقال أستاذ الاقتصاد والتمويل والمحاسبة في جامعة "بورنموث" البريطانية هنري ماثيو، لـ"إرم نيوز": "في حين أن الحكومة ترجع هذا الكم المخيف من الدين إلى الحلول الإسعافية لدعم قطاع الطاقة ومجابهة التضخم، لم نرَ أي تجليات لهذا الدعم الشهر الماضي، ولم تظهر تلك الكتلة المالية الضخمة في قطاع دعم أسعار الطاقة، لذلك لا بد من مراجعة حجم الاقتراض بشكل جلي".
وأضاف: "عند التطرق إلى الواقع اليوم، نرى أن أكثر من 8 ملايين أسرة في بريطانيا قد تعجز عن دفع فواتير الطاقة، والكلام هنا لوزارة الخزانة البريطانية، وما صرحت به عن عزمها زيادة المدفوعات على أساس الدخل لن يحقق ذلك الأثر الكبير".
وتابع: "إزهاق الدين العام ببرنامج دعم أسعار الطاقة في البلاد ستكون نتائجه وخيمة على المدى البعيد وسيرهق الخزانة والاقتصاد، ويجعل البلد تحت وطأة ضغوط تضخمية لن تكون جاهزة لمجابهتها".
أوقفوا الحرب بدلًا من تغذيتها
انتقد ماثيو، استمرار دعم بلاده العسكري لأوكرانيا، معتبرًا أن ذلك سيزيد من تعقيد المشكلة ويطيل عمر الحرب.
وقال: "نحن ندعم أوكرانيا ونؤيد دعم المملكة المتحدة للشعب الأوكراني، لكن يجب علينا من وجهة نظري العمل على إيقاف هذه الحرب، لإيقاف معاناة الشعب الأوكراني وإيقاف معاناتنا أيضًا".
انتقادات في بريطانيا للدعم العسكري والمالي المستمر لأوكرانيا
"ديلي إكسبريس"
من جهتها، كشفت صحيفة "ديلي إكسبريس" البريطانية في استطلاع رأي أجرته، أن البريطانيين ينتقدون قرارات التوريدات العسكرية البريطانية إلى كييف والدعم المالي المستمر لأوكرانيا من قبل المملكة المتحدة، وأعربوا عن استيائهم من حقيقة أن أموالهم تزود كييف بالأسلحة وتطيل الصراع الذي يعاني بسببه سكان المملكة المتحدة أنفسهم.
تصويب بوصلة المعونات
انتشرت في الأيام الأخيرة تحذيرات من قبل اقتصاديين ومحللين مفادها، أن "ملايين الأشخاص في بريطانيا سيضطرون للاعتماد على المعونات والمساعدات خلال الأعوام المقبلة، كما سيعانون من آثار الركود الذي من المحتمل أن يرخي بظلاله مع بداية العام القادم، والذي سيثقل كاهل قدرتهم الشرائية.
وقالت البريطانية برناديت ملوحي (28 عامًا) لـ"إرم نيوز": "تدفع الحكومة البريطانية مساعدات للفقراء، ولكن هناك الكثير من الناس محرومون من هذه المساعدات ويتضررون كثيرًا من التضخم".
وأضافت ملوحي، وهي من أصول عربية، أن "الشتاء جعل جميع شرائح المجتمع تعاني وليس فقط الفقراء والمشردون، وطالما أنني أعمل ولدي دخل شهري، فهذا لا يعني أنني بخير".
وتابعت ملوحي، التي تعمل سكرتيرة تنفيذية في شركة قانونية: "يجب أن تحتوي مظلة المساعدات الحكومية الجميع، وأن تسد العجز الذي أصاب الأسر، كذلك يجب القيام بإصلاحات في قطاع خدمات الصحة الوطنية، فالكثير من الأشخاص أصبحوا يعانون فيما يخص تلقي العلاج والحصول على الدواء".
وترى ملوحي أن توزيع المساعدات "غير عادل"، وأن الحكومة يجب أن تقوم بإصلاحات في سوق العمل كي يتناسب مع الوضع المعيشي الحالي.
ولفتت إلى أن "هناك الكثير من العمال والموظفين الذي لم يحصلوا على علاوة وزيادات، كما يعجزون عن زيادة ساعات عملهم لأسبابب لها علاقة بأزمة الطاقة أو ضعف وسائل النقل".