غادر ميشال عون قصر بعبدا، بعد ست سنوات على سدة الرئاسة في لبنان، مع تضاؤل الآمال في انتخاب رئيس جديد، وتشكيل حكومة تملأ الفراغ المحتوم. يدخل لبنان اليوم رسمياً مدار الفراغ، بعد الدوران في جلسات أربع تفرز انتخاب رئيس جديد.
وقع عون قبيل مغادرته مرسوم استقالة حكومة تصريف الأعمال، التي يرأسها نجيب ميقاتي، الأمر الذي وصفته مصادر مطلعة لـ«البيان» بأنه فتح لمجال تصفية الحسابات، وإطلاق منصات السجالات في كل الاتجاهات، وأشارت المصادر ذاتها إلى أن عون يحاول بعثرة الأوراق وترسيخ فوضى علها تؤسس لوصول صهره جبران باسيل إلى سدة الرئاسة، مشيرة إلى أن عون أنهى عهده بطريقته المعهودة: فراغ وفوضى ومعارك مجانية مع رئيس مجلس النواب، نبيه بري، ورئيس الحكومة المكلّف، نجيب ميقاتي، كما مع معظم القوى السياسية الذين لم يوفر منهم سوى تياره وحزب الله، وترى المصادر، أن عون سيترك وراءه «جمهورية مهترئة»، مهما حاول البعض الاستعانة بمساحيق الإنجازات لتجميل صورتها.
توتّر وفراغ
يعيد لبنان عقارب الساعة إلى الوراء سنوات، وفق مراقبين، في ظل تراكم التوتر السياسي ودخول الفراغ الرئاسي، والتوهان الدستوري، وتداخل خطوط الطول الرئاسية، وخطوط العرض الحكومية، وما نتج عنها من تشابك بالتأويلات والاجتهادات، واشتباكات بالمواقف والبيانات.
ومع بلوغ خط نهاية عهد الرئيس عون، وفي انتظار أي محاولة لإخراج الاستحقاق الرئاسي من دائرة التعقيدات والانقسامات، التي تطبع واقع البرلمان غير الموزع بين أكثرية تحكم، وأقلية تعارض، فإن ثمة إجماعاً على أن الغموض الواسع، الذي يغلف آفاق الانتخابات الرئاسية ليس مرشحاً للتبدد في وقت قريب، بل إن التعقيدات الداخلية في شأنها مرشحة للتفاقم، وتمنع الاسترسال في أي توقعات متفائلة باستحقاق رئاسي يوفر على اللبنانيين واقع الفراغ وتداعياته.
خريطة اصطفافات
وأظهرت معطيات الجلسات الـ4 التي انعقدت منذ بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية خريطة اصطفافات، فرزت الكتل والتكتلات الأساسية بين جبهتين، الأولى بقيادة «قوى 8 آذار»، التي لا تزال تدفع قدماً باتجاه إفراغ سدة الرئاسة الأولى حتى يحين وقت قطاف التسويات الإقليمية والدولية، فيما على الجبهة الثانية تتقدم قوى المعارضة الرئيسية صفوف العاملين بقوة على «لبننة» الاستحقاق، وتطويق الشغور الرئاسي ومفاعيله.
انتهت الجلسات الأربع إلى تسجيل نقاط سياسية لصالح المعارضة، التي طرحت مرشحها النائب ميشال معوض بغية تحديد سقوفها في المعركة الرئاسية المستمرة، مقابل تكريس عدم اتفاق «قوى 8 آذار» على مرشح رئاسي واحد في ما بينها، وهو ما ترجمته بالاقتراع لصالح «الورقة البيضاء»، وثمة إجماع على أن أي جلسة رئاسية مقبلة ستكون بمثابة «اختبار» إضافي، ليس للانتخاب، وإنما لنصاب الثلثين، الذي يشكل معيار المواجهة الضمنية بين الكتل النيابية المتعارضة.
معركة شرسة
وفي الجانب المكمل للصورة حديث عن ألا مؤشرات على أن حامل مفتاح مجلس النواب، نبيه بري، سيدعو قريباً إلى جلسة الانتخاب الخامسة قبل التوافق على الاسم، مع ما يعنيه الأمر من كون الظروف المحلية والإقليمية والدولية لم تسمح بعد بتظهير مواصفات الشخصية، التي ستتولى إدارة شؤون البلاد في السنوات الـ6 المقبلة، فيما يشي المشهد بأن لبنان مقبل على معركة رئاسية شرسة، لعدم امتلاك أي من طرفي المعارضة والموالاة الغالبية النيابية، كما القوى التغييرية، أي 65 صوتاً من أصل 128 لإيصال مرشح أي منهما إلى سدة الرئاسة.