أزمة نحاس كبيرة مقبلة على الاقتصاد العالمي

رام الله الإخباري

تشهد أسعار النحاس انخفاضًا بنحو الثلث منذ مارس، ما دفع المستثمرين للبيع؛ خوفًا من أن يؤدي الركود العالمي إلى إحباط الطلب على المعدن الذي يرادف النمو والتوسع، الأمر الذي قد يؤدي مستقبلا إلى تفاقم العجز في إمدادات هذا المعدن وسط ركود الاستثمارات.

ونشرت وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية تقريرا، تشير خلاله إلى تحذير أكبر المنقبين وتجار المعادن، من أنه في غضون سنتين فقط سيحدث نقص هائل في معدن النحاس، وهو عجز يمكن أن يعيق النمو العالمي ويزيد التضخم، من خلال زيادة تكاليف التصنيع، وهذا الأمر من شأنه إعاقة تحقيق أهداف المناخ العالمية، حيث لأن الانكماش الأخير ونقص الاستثمار الذي تلاه يهددان بتفاقم الوضع.

وقال جون لافورج، رئيس إستراتيجية الأصول الحقيقية في "ويلز فارجو"، إن "السوق يعكس فقط المخاوف الفورية، ولكن إذا فكرت حقًا في المستقبل، يمكنك أن ترى أن العالم يتغير بوضوح، وسيكون أكثر اعتمادًا على الكهرباء وستحتاج إلى الكثير من النحاس".

يشار إلى أن المخزون الذي تتبعه البورصات التجارية يقترب من أدنى مستوياته التاريخية، وأحدث تقلب في الأسعار يعني أن إنتاج المناجم الجديدة يمكن أن ينخفض في المستقبل القريب. وفق "عربي 21"

وأوقفت شركة التعدين العملاقة "نيوماونت كورب" خططًا لمشروع ذهب ونحاس بقيمة 2 مليار دولار في بيرو، وقد حذرت شركة "فريبورت–ماكموران"، أكبر مورد للنحاس يتم تداوله علنًا في العالم، من أن الأسعار الآن "غير كافية" لدعم الاستثمارات الجديدة.

ويحذر خبراء السلع الأساسية من أزمة نحاس محتملة منذ شهور، إن لم يكن سنوات، ومن شأن الانكماش الأخير في السوق أن يؤدي إلى تفاقم مشاكل العرض المستقبلية، من خلال تقديم شعور زائف بالأمان، وخنق التدفق النقدي وتجمد الاستثمارات؛ حيث يستغرق تطوير منجم جديد وتشغيله 10 سنوات على الأقل، مما يعني أن القرارات التي يتخذها المنتجون اليوم ستساعد في تحديد الإمدادات لمدة عقد على الأقل.

الجدير ذكره أن النحاس ضروري للحياة الحديثة، وهو المعدن الذي يعتبر المعيار لتوصيل الكهرباء، كما أنه مفتاح عالم أكثر اخضرارًا.

وبينما تم التركيز كثيرًا على الليثيوم حتى الآن - وهو مكون رئيسي في بطاريات اليوم - فإن الانتقال في مصادر الطاقة سيدعمه مجموعة متنوعة من المواد الخام، بما في ذلك النيكل والكوبالت والصلب. بالنسبة للنحاس؛ فستكون هناك حاجة ماسة إلى ملايين الأقدام من الأسلاك النحاسية لتعزيز شبكات الطاقة في العالم، بالإضافة إلى أطنان وأطنان منه لبناء مزارع طاقة الرياح والطاقة الشمسية.

ووفقًا لتحالف النحاس؛ تستخدم السيارات الكهربائية أكثر من ضعف كمية النحاس التي تستخدمها السيارات التي تعمل بالبنزين.

وفقًا لدراسة ممولة من الصناعة من "إس آند بي غلوبال"، فإن أهداف حملة "صافي الانبعاثات الصفري" ستُضاعف من الطلب على النحاس إلى 50 مليون طن متري سنويًا بحلول سنة 2035.

وتشير تحليلات أخرى أيضًا إلى احتمال حدوث زيادة في الطلب على النحاس، حيث تقدر بلومبرغ أن الطلب سيزداد بأكثر من 50 بالمئة ما بين 2022 و2040.

وأورد التقرير أن نمو المعروض من المناجم سيبلغ ذروته بحلول سنة 2024 تقريبًا، مع ندرة المشاريع الجديدة قيد التشغيل ونضوب المصادر القائمة، وهذا يضع سيناريو يمكن أن يشهد فيه العالم عجزًا تاريخيًا يصل إلى 10 ملايين طن في سنة 2035، وذلك وفقًا لأبحاث "إس آند بي غلوبال".

من جهتها، تقدر شركة "غولدمان ساكس غروب" أن المنقبين بحاجة إلى إنفاق حوالي 150 مليار دولار في العقد المقبل لسد عجز سيبلغ 8 ملايين طن. وتتوقع بلومبرغ أنه بحلول سنة 2040، يمكن أن تصل الفجوة بين ما يتم تعدينه والناتج النهائي إلى 14 مليون طن، ويستلزم سدها إعادة تدوير المعادن.

ويتوقع بنك غولدمان ساكس تضاعف السعر القياسي في بورصة لندن للمعادن تقريبًا، ليصل إلى متوسط سنوي يبلغ 15000 دولار للطن سنة 2025. وطبعًا، تستند جميع هذه التوقعات على فكرة أن الحكومات ستواصل المضي قدما في تحقيق أهداف صافي انبعاثات صفري، التي تزداد الحاجة إليها من أجل مكافحة تغير المناخ. لكن المشهد السياسي قابل للتغيّر، وهذا يعني ظهور سيناريو مختلف تماما لاستخدام المعادن.

وبينما انخفضت أسعار النحاس عن الرقم القياسي المسجل في مارس، فإنه لا يزال يتداول بنسبة 15 بالمئة أعلى من معدله المتوسط منذ 10 سنوات. وإذا استمرت الأسعار في الارتفاع، فسيؤدي ذلك في النهاية إلى دفع صناعات الطاقة النظيفة إلى إيجاد طرق لتقليل استهلاك المعادن أو حتى البحث عن بدائل.

وأشارت شركة "ستاندرد آند بورز غلوبال" إلى أن استخدام المزيد من النحاس في الانتقال الطاقي سيقدّم أيضًا المزيد من فرص إعادة التدوير، وسيشكل الإنتاج المعاد تدويره حوالي 22 بالمئة من إجمالي سوق النحاس المكرر بحلول سنة 2035، وهو ارتفاع عن 16 بالمئة المسجلة في سنة 2021.

وأكد التقرير على أن توقعات الطلب من الصين، أكبر مستهلك للمعادن في العالم، ستكون محركًا رئيسيًا أيضًا.

وحسب المحللة في شركة "وولف" للأبحاث تمنا تانرز، فإنه إذا انكمش قطاع العقارات في الصين بشكل كبير، فهذا يعني من الناحية الهيكلية طلبًا أقل على النحاس، وهذا مجرد تعويض مهم لتوقعات الاستهلاك المبنية على أساس أهداف صافي انبعاثات صفري.

في المقابل، هناك مساحة صغيرة للمناورة فيما يتعلّق بالعرض، ذلك أن سوق النحاس الفعلية ضيقة بالفعل لدرجة أنه حتى مع الركود في أسعار العقود الآجلة فإن الأقساط المدفوعة للتسليم الفوري للنحاس تشهد ارتفاعًا.

أشار التقرير إلى ما يحدث في تشيلي، أكبر مصدر للنحاس في العالم، حيث تنخفض عائدات صادرات النحاس بسبب صراعات الإنتاج. وتشهد المناجم القديمة تدهور جودة الخام، ما يعني أن الإنتاج يتراجع، أو أنه يجب معالجة المزيد من الصخور لإنتاج نفس الكمية.

على الصعيد العالمي، تعد الإمدادات شحيحة بالفعل. وفي الولايات المتحدة، تواجه الشركات عوائق تنظيمية، بينما في الكونغو تعمل البنية التحتية الضعيفة على الحد من إمكانات نمو الودائع الرئيسية.

وخلص التقرير إلى أن هناك تناقضا كبيرا عندما يتعلق الأمر بالنحاس؛ إذ إن هذا المعدن ضروري لعالم أكثر اخضرارًا، لكن عملية استخراجه من باطن الأرض تنطوي على مستويات تلوث كبيرة. وفي الوقت الذي يشدد فيه الجميع تدقيقهم في القضايا البيئية والاجتماعية، أصبح الحصول على الموافقات للمشاريع الجديدة أكثر صعوبة.

علاوة على ذلك؛ تدلّ الطبيعة الدورية للصناعات السلعية أيضًا على أن المنتجين يواجهون ضغوطًا للحفاظ على ميزانية عمومية قوية ومكافأة المستثمرين بدلًا من الشروع في النمو بقوة.

في هذا الشأن؛ قال محللون من مجموعة جيفريز في تقرير صدر هذا الشهر، إن "الحافز لاستخدام التدفقات النقدية لعائدات رأس المال بدلًا من الاستثمار في مناجم جديدة هو عامل رئيسي وراء نقص المواد الخام التي يحتاجها العالم لإزالة الكربون"؛ وحتى في حال قام المنتجون بتغيير استراتيجيّة عملهم وبدأوا فجأة في ضخ الأموال في مشاريع جديدة، فإن مدّة الانتظار الطويلة للمناجم تعني أن توقعات العرض ستظل عالقة إلى حد كبير خلال العقد المقبل.

رام الله الإخباري