كشفت تصريحات وتحركات العديد من مسؤولي شركات صناعة السيارات في العالم بشكل عام وفي ألمانيا بشكل خاص، عن اتجاه هذه الشركات إلى التركيز على إنتاج السيارات الفارهة غالية الثمن في ظل قلة إمدادات مستلزمات الإنتاج وارتفاع أسعار المواد الخام.
وعندما تحدث أولا كالينوس رئيس شركة صناعة السيارات الفارهة الألمانية مرسيدس بنز عن الفخامة، فضل الاستشهاد بحقيبة اليد "بيركين" التي تنتجها شركة صناعة السلع الفاخرة الفرنسية هيرمس كمثال. فهذه الحقيبة لا يمكن الحصول عليها إلا من متاجر التجزئة وفي ظل قلة المعروض منها، يحتاج العملاء إلى الانتظار لفترة طويلة للحصول على الحقيبة المطلوبة بحسب الطراز.
ويستهدف كالينوس الذي يركز على الأرباح والإيرادات، زيادة الاعتماد على السيارات الأشد فخامة والأغلى سعرا مع تقليل إنتاج الشركة من الطرز الأصغر والأقل سعرا.
ولا تعتبر مرسيدس بنز شركة السيارة الوحيدة التي تعاني من التحولات باهظة التكلفة نحو السيارات الأقل تلويثا للبيئة. فعلى سبيل المثال ترغب شركة أودي التابعة لمجموعة فولكس فاجن الألمانية تحقيق أرباح أكبر من خلال السيارات الفارهة، والتوقف عن إنتاج الطرز الأصغر والأقل سعرا، بحسب ما أعلنه ماركوس دويسمان الرئيس التنفيذي.
أما بي.إم.دبليو فتسعى لوقف إنتاج سيارتها الكهربائية المبتكرة والقديمة أيضا آي3، وتقديم بدائل لعملائها مثل السيارة الكهربائية من ميني وبي.إم.دبليو آي.إكس1 والتي سيتم طرحها في الأسواق خلال العام المقبل.
والفكرة وراء التوسع في إنتاج السيارات الفارهة الكبيرة بسيطة وهي أنه يمكن تحقيق هامش أرباح أعلى من خلال بيع سيارات أكبر حجما من فئة السيارات متعددة الأغراض ذات التجهيز الرياضي (إس.يو.في) والصالون، مقارنة بهامش الأرباح من بيع السيارات الصغيرة.
وخلال أزمة نقص إمدادات الرقائق الإلكترونية المستخدمة في صناعة السيارات، اتجهت الشركات إلى استخدام الكميات المحدودة لديها من الرقائق في إنتاج الطرز الفارهة والأعلى سعرا لتحقيق أكبر قدر من الأرباح. في الوقت نفسه مازال الطلب على السيارات الصغيرة ذات الأسعار المعقولة يرتفع بالفعل.
ولم تعلق مرسيدس بنز على التقارير التي تقول إنها ستوقف إنتاج السيارة من طراز "أيه كلاس" الأقل سعر في منتصف العقد الحالي.
وقال فرديناند دودينهوفر خبير أسواق السيارات لوكالة الأنباء الألمانية (د. ب. أ) إنه مقتنع بأن مرسيدس ستوقف إنتاج السيارات "ايه كلاس" و"بي كلاس" لأنها لا تحقق أرباحا كبيرة، وهو ما يعني أن الشركة ستفقد حوالي 400 ألف سيارة من مبيعاتها لكن المبيعات الأقل من السيارات الأكبر حجما والأعلى سعر ستضمن لها أرباحا أكبر.
ويعتبر تزايد أعداد الأثرياء في العالم سببا رئيسيا وراء استراتيجية كالينوس بالتركيز على السيارات الأشد فخامة والأعلى سعرا.
ومن الطبيعي أن تؤثر الأحداث الأخيرة مثل الحرب الروسية في أوكرانيا، وارتفاع معدل التضخم، وتباطؤ الاقتصاد على صناعة السيارات، فالخبراء يعتقدون أنه من غير المحتمل أن تعيد شركة مرسيدس النظر في رهانها على فئة السيارات الأكبر والأغلى سعرا.
على سبيل المثال انضم ماركو جوبيتي رئيس بيت الأزياء الإيطالي سيلفاتوري فيراجامو إلى مجلس الإشراف على مرسيدس بنز.
ويقول خبير اقتصادات السيارات دودينهوفر إن التحرك نحو السيارات الأفخم والأغلى ينطوي أيضا على مخاطرة. ففي ظل الحرب في أوكرانيا والتوترات العالمية لا تبدو صورة الأثرياء الذين يمتلكون السيارات الفارهة واليخوت مقبولة كثيرا لدى أغلب الناس.
وحذر دودينهوفر رئيس مركز أبحاث السيارات الموجود مقره في مدينة دويسبورج إن "العلامة التجارية قد تفقد القبول الاجتماعي" في إشارة إلى مرسيدس بنز.
وقال دودينهوفر إن التركيز الجديد يمكن أن يجعل مرسيدس أكثر اعتماد على الصين التي أصبحت بالفعل السوق الأهم للشركة الألمانية "كما يجب التفكير في هذه المخاطرة". ويعتبر الحجم الضخم للشركة الألمانية أيضا مصدر قلق، حيث تضم أكثر من 170 ألف موظف في مختلف أنحاء العالم. ولو كان عدد العاملين فيها 20 ألف مثلا لما كانت هناك مشكلة. ومع ذلك فإن نتائج هذا التحول لن تظهر قبل مرور عشر سنوات من الآن.
ويقول فيرناند فاستوسو المحاضر في جامعة فورتساهيم إن حجم شركات تصنيع السيارات يمكن أن يكون مؤشرا على الفخامة لأن السوق عالمية.
وينظر إلى سيارات أودي وبي.إم.دبليو ومرسيدس في أغلب مناطق العالم باعتبارها فارهة، رغم أنها أقل فخامة من تلك التي تنتجها شركات إيطالية وبريطانية مثل فيراري وبنتلي وأستون مارتن.
ويقول خبير التسويق الألماني إن "الفخامة الأمريكية براقة، فهي الفخامة مع التكنولوجيا والحرفية العالية. ألمانيا حريصة على التزام إنتاج السيارات بالمعايير البيئية الصارمة بما يضمن تحقيق مفهوم الاستدامة البيئية".
وأخيرا وبحسب فاستوسو فإن أي علامة تجارية عليها الإعلان بوضوح عن نوع الفخامة التي تمثلها، لآن هذه الكلمة لم تعد ذات معنى موحد. لذلك فهناك سيارات يطلق عليها وصف "بالغة الفخامة" والبعيدة عن متناول أغلب العملاء وتستهدف فقط أثرى الأثرياء.