تشكل الإحصائيات الخاصة بحالات الطلاق في عموم العراق، قلقًا بالغًا، للجهات المختصة؛ في ظل بقاء مسببات تلك الظاهرة الخطيرة، وتعمّقها؛ بسبب الظروف الاقتصادية التي يمر بها العالم، جرّاء الحرب الروسية الأوكرانية.
وسجّلت حالات الطلاق في العراق أرقاما قياسية؛ بسبب الزواج المبكر، والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي يعانيها الزوجان؛ ما زاد من نسبة حالات الطلاق عما كانت عليه في السنوات السابقة.
وشهد مطلع عام 2022 تسجيل أكثر من 200 حالة طلاق في اليوم الواحد، حيث سجّلت المحاكم في شهر يناير/ كانون الثاني، 6486 حالة، فيما سجلت البلاد خلال شهر فبراير/ شباط 5815 حالة طلاق.
ويربط خبراء ومختصون، هذا الارتفاع المهول في نسب الطلاق إلى جملة مسائل، أبرزها الجانب الاقتصادي، وانعكاس أزمة الغذاء العالمية، فضلًا عن الإجراءات التي لحقت ببعض الدول.
وفي هذا الإطار، ترى الباحثة في الشأن الاجتماعي، شهرزاد العبدلي، أن ”أسباب الطلاق في العراق كثيرة ومتنوعة، لكن أبرزها الوضع الاقتصادي، حيث تتفشى البطالة في صفوف الشباب، وغياب الدخل الفردي، أو ضعفه، مع انعدام فرص العمل في القطاع الأهلي، دون اكتراث بهذا الأمر، عند الإقبال على الزواج“.
وتضيف العبدلي في تصريح لـ“إرم نيوز“، أن ”زواج القاصرات، يمثل سببًا آخر ومهمًا في مسألة الطلاق“.
وتتحدث الباحثة العراقية، عن ضرورة أن ”يكون الرجل مهيأ من الناحية المادية والنفسية، لمسألة الزواج والاقتران“.
وفيما إذا كانت الحلول الحكومية قادرة على وقف تلك الظاهرة، تؤكد العبدلي، أن ”هناك قانونًا يحظر زواج القاصرين، حتى لو كانوا برفقة ولي أمرهم، لكن هنا يلجأ الوالدان إلى رجل الدين لعقد القِران“.
وأصبحت تلك الظاهرة بارزة ولصيقة بالمجتمع العراقي، بشكل أكبر وأوضح، خلال العقد الماضي، لجهة تصاعد حدة التوترات والحروب والكوارث التي شهدتها البلاد، مثل الحرب الطائفية، وما أفرزته من تداعيات، فضلًا عن سيطرة تنظيم داعش عام 2014، على عدة مدن شمالية وغربية، بما يعنيه ذلك، من صعود لخط الفقر، والمشكلات الناتجة عن النزوح وسكن المخيمات، وانهيار البناء الأسري، فضلًا عن الهجرة إلى أوروبا، التي شهدها العراق مطلع العام 2015.
كما شكل ضعف القانون، وتراجع الضبط الرسمي، لمجريات الحياة العامة، وانهيار المنظومة الأمنية، فرصة سانحة أمام العشائر، لفرض رؤيتها، وتطبيق قوانينها الخاصة بها، في ظل تحول المرأة إلى عامل مهم في حسم المشكلات التي تنشأ بين العشائر، وتخضع عادة للتسويات والفصول وغير ذلك؛ ما يجعل مسألة الطلاق حتمية في الكثير من المواقف؛ بسبب نزاع أو خلاف بين عشيرتين.
وبرز الاستخدام الخاطئ للتكنولوجيا، ووسائل التواصل الاجتماعي، عاملًا حاسمًا، في تصعيد نسبة الطلاقات في الكثير من المجتمعات، خاصة وأن شعوب الشرق الأوسط، لم تعتد بشكل كافٍ على الوافد الجديد، وتعاطى معه الكثير، على أنه غنيمة، وهو ما انعكس سريعًا على العلاقات الأسرية.
وبحسب باحثين ومختصين، فإن أسباب الطلاق في العراق تختلف عن غيره من البلدان، تبعا للظروف، والأحوال المجتمعية، والمشكلات التي يعاني منها.
وفي محكمة الكرخ، تسعى الشابة إيناس علي (21 عاما)، إلى إتمام أوراق طلاقها؛ بسبب تفاقم المشكلات مع زوجها، وخاصة الاقتصادية، وعدم قدرته على توفير مستلزمات العيش.
وتروي إيناس حكايتها لـ“إرم نيوز“، قائلة: ”تزوجت في عام 2018، من أحد جيراننا، وجاء هذا الزواج بـ(التقنيع)، من قبل الأهل والصديقات، بضرورة استغلال الفرصة والرضا بالقسمة، ومنذ ذلك الوقت وعدني بتحسين ظروفه المعيشية، والعثور على عمل أفضل، حيث يعمل في فرن للخبز، لكنه لم يتمكن، وهو ما انعكس سريعا على واقعنا بصورة مشاكل يومية، ومساجلات مع أهله، الذين نعيش معهم، وصولًا إلى مستويات لا يمكن تحملها، لذلك قررت في شهر رمضان استكمال الطلاق وإنهاء تلك العلاقة“.
وتضيف، أن ”جلوس المرأة في منزل أبيها وعائلتها أفضل لها من زواج يرهقها على طول الحياة، خاصة في ظل وجود أطفال“، لافتة إلى أن ”الكثير من الأزواج أحيانا يرغب هو الآخر بالطلاق؛ لإحساسه بفشل التجربة، وصعوبة إنهاء المسيرة“.
وتغيب إحصائيات عراقية أخرى، عن أعين المحاكم، حيث تجري غالبا خارج أروقة مجلس القضاء، عند رجال الدين؛ تجنبا لمساعي الباحثين الاجتماعيين التوفيق بين الطرفين، وتجنبا لتعقيد الأمور، خاصة وأن الكثير من الزيجات مسجلة بالفعل لدى رجال الدين، دون تسجيلها في مجلس القضاء.