لبنان يتنازل عن حدوده.. تبدّل مفاجئ وثمة "تسوية إقليمية"

رام الله الإخباري

أعلن لبنان عن تراجعه عن الخط الحدودي البحري 29 إلى 23، ما قد يمهد لإتمام مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، وذلك بعد زيارة الموفد الأميركي، آموس هوكشتاين، إلى بيروت يوم 8 شباط/فبراير، حيث التقى مسؤولين لبنانيين وصرح في حديث لوسائل الإعلام، أن "مفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل في نهايتها وإن التفاوض هو بين الخط 1 و23".

وقام هوكشتاين بهذه الزيارة في محاولة لإعادة تحريك المفاوضات بين الجانبين التي انطلقت في تشرين الأول/أكتوبر 2020 قبل أن تجمد في أيار/مايو 2021، حيث عقدت 4 جلسات محادثات برعاية الأمم المتحدة ووساطة أميركية دون التوصل إلى اتفاق.

وما بين الخطين 1 و23 منطقة بحرية متنازع عليها بين لبنان وإسرائيل، تبلغ مساحتها 860 كلم مربع وتعد غنية بالنفط والغاز، إلا أن الوفد اللبناني قدم خلال إحدى جلسات التفاوض خريطة تقول إن حدود بلاده هي الخط 29 وتدفع باتجاه 1430 كلم إضافي لصالح لبنان.

وأعلن الرئيس اللبناني، ميشال عون، يوم 12 شباط/فبراير أن حدود لبنان البحرية هو الخط 23 وهو خط تفاوضنا الذي نتمسك به، وأن البعض طرح الخط 29 من دون حجج لبرهنته؛ حسب ما نقلت صحيفة "الأخبار" اللبنانية.

"تبدل مفاجئ بالموقف اللبناني"

وجاء موقف عون مناقضا لما نُقل عنه سابقا عن تمسكه بالخط 29، كما يخالف رأي الجيش اللبناني ووفده المفاوض الذي أصر سابقا على اعتماد الخط 29 كمنطلق للمفاوضات، ما دفع برئيس الوفد المفاوض العميد الركن الطّيار بسام ياسين، في اليوم ذاته إلى إصدار بيان ردّ حول ذلك.

وقال ياسين في بيانه حينها إن "الرئيس عون كان يؤكد دائما خلال كافة الاجتماعات التي عقدها مع الوفد على ضرورة التمسّك ببدء المفاوضات من الخط 29، وكان يرفض حصر التفاوض بين الخط 1 و23 كما يطالب العدو الإسرائيلي".

كما اعتبر ياسين أن "الخط 23 غير تقني وقانوني وتشوبه الكثير من العيوب".

وما بين هذا وذاك، يرى مراقبون أن ثمة "تسوية إقليمية" تلوح بالأفق قد تكون وراء التبدل المفاجئ بالموقف اللبناني، فيما يرجح خبراء أن تكون المصالح السياسية الداخلية وراء هذا التطور الذي يأتي على أعتاب الانتخابات في لبنان.

"مفاوضات النووي في فيينا"

وقال العميد المتقاعد جورج نادر، من "جبهة 17 تشرين" المعارضة، إن موقف عون هو "إعلان رسمي بالتخلي عن 1430 كلم من المياه اللبنانية".

وفي حديثه للأناضول، أعرب نادر عن تخوفه من "صفقة أميركية - إيرانية على حساب لبنان، تزامنا مع المفاوضات النووية في فيينا".

وأشار إلى أن "الجيش بحرفيته وتقنياته العالية رسم الخط 29 كحد فاصل بين لبنان وفلسطين المحتلة، وهذا كان رأي المعهد البريطاني للعلوم ومياه البحار، وكذلك اتفاقية بوليه نيوكومب (الحدودية) بين فرنسا وبريطانيا عام 1921، واتفاقية الهدنة بين لبنان وإسرائيل عام 1949".

"موقف مشبوه من حزب الله"

ولفت نادر إلى أن "التنازل للعدو الإسرائيلي عن أرض يعد خيانة وطنية"، واصفا "موقف حزب الله حيال هذا الملف بالملتبس والمشبوه، خصوصا أن حليفه هو رئيس الجمهورية ميشال عون، وكذلك رئيس مجلس النواب نبيه بري".

واعتبر أن "لبنان ليس لديه حرية القرار ولا يمكننا مفاوضة إسرائيل وقتما نشاء، ولا حتى القدرة على ذلك، لأننا دولة خاضعة لإيران، سواء رضينا بذلك أم لا".

وعن موقف "حزب الله"، قال نادر إن "الحزب أعلن أنه يقف خلف الحكومة بهذا الملف، لكن السؤال لماذا لم يقف خلفها عندما تدخل في الحرب السورية (لصالح نظام الأسد)، وفي البحرين، والعراق، وعندما راح يصنع المسيرات والصواريخ".

"الخط 29 لن يؤدي إلى نتيجة"

موقف عون الأخير، كرره وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب، الجمعة، عندما قال لصحيفة "الجمهورية" المحلية إن "خط 23 هو الذي يحقق مصلحة لبنان، وأن التمسك بالخط 29 لن يؤدي إلى نتيجة".

ونقلت الصحيفة عن بو حبيب أنه تواصل مع مسؤولين في "حزب الله" قبل زيارة هوكشتاين الأولى إلى لبنان في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي وسمع منهم أن "ملف الحدود البحرية هو شأن الحكومة".

وأكد أمين عام "حزب الله"، حسن نصر الله، مرارا أن جماعته لا تتدخل بعملية ترسيم الحدود، وتمضي بما تقرر الحكومة اللبنانية بهذا الشأن.

وفي 8 شباط/فبراير الجاري، قال نصر الله في حديث تلفزيوني "نحن كمقاومة لا نتدخل في موضوع ترسيم الحدود، لأنه ‏بالنسبة لنا، لا يوجد شيء اسمه إسرائيل، ‏لنذهب ونكون جزءا من الترسيم معها".

وأضاف حينها أن "موضوع ترسيم الحدود تقرره الدولة اللبنانية، ونحن كمقاومة نلتزم بهذه الحدود التي تقبل بها وتقررها مؤسسات الدولة".

"إمداد لبنان بالغاز والكهرباء"

من جانبه، اعتبر المحلل والكاتب السياسي، منير الربيع، أن حصول لبنان على الغاز من مصر والكهرباء من الأردن عبر سورية، سيكون مرتبطا بإتمام عملية ترسيم الحدود البحرية.

وكان وزراء الطاقة والنفط في لبنان والأردن ومصر وسورية اتفقوا مطلع أيلول/سبتمبر الماضي، على "خريطة طريق" لإمداد لبنان بالكهرباء، لحل أزمة طاقة حادة يعاني منها منذ شهور.

ولفت الربيع في حديثه للأناضول إلى أن إعفاء لبنان والدول المصدرة للطاقة أي مصر والأردن من عقوبات قانون "قيصر" (تفرضه واشنطن على النظام السوري) مرتبط بإتمام ملف ترسيم الحدود.

وقال الربيع إن "الموفد الأمريكي آموس هوكشتاين، أبلغ بطريقة أو بأخرى المسؤولين اللبنانيين موقفا واضحا مفاده، أن ترسيم الحدود يؤدي إلى تسهيل إيصال الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان".

"حسابات سياسية داخلية"

وعن تراجع لبنان عن الخط 29، لفت الربيع الى أن حسابات سياسية داخلية قد تكون خلف ذلك، لتسريع ترسيم الحدود، خصوصا أننا على مشارف الانتخابات النيابية والرئاسية في لبنان.

واعتبر الربيع أن "ثمة همّ أساسي للرئيس عون، وهو أنه يريد أن ينجز عملية ترسيم الحدود في عهده (ينتهي أواخر تشرين الأول/أكتوبر 2022)، كي يعلن إطلاق عمليات التنقيب عن النفط والغاز".

"رفع العقوبات الأميركية"

كما أن لرئيس البلاد "همٌّ أساسي آخر وهو رفع العقوبات الأميركية عن (صهره) جبران باسيل، واستعادة عدد من الأوراق القوية داخليا قبيل موعد الانتخابات"، على حد قول منير الربيع.

ولفت المتحدث إلى أن "التيار الوطني الحر (حزب عون) يسعى للحفاظ على مقاعده ووجوده في الانتخابات النيابية والرئاسية المقبلتين، أو حصول تمديد للمجلس النيابي ولولاية رئاسة الجمهورية، أي أنها حسابات ومصالح سياسية بحتة خلف ذلك".

بانتظار الاتفاق النووي

لكن الربيع استبعد أن "تكون التسوية قد اقتربت حاليا، ويربطها بمسار المفاوضات في فيينا، والاتفاق النووي بين الدول الكبرى وإيران".

وقال "لا حل لهذا الملف قبل الوصول الى اتفاق إقليمي يتعلق بالاتفاق النووي الذي سينعكس على الداخل اللبناني وعلى ملف ترسيم الحدود".

عرب 48