رام الله الإخباري
بتاريخ 18 اب/أغسطس من الشهر الجاري نظمت أجنحة عسكرية في مخيم جنين عرضا مسلحا جاب شوارع المخيم والمدينة، ومن ثم توجه العرض إلى بيت عزاء شهداء المدينة الأربعة الذين سقطوا قبل ذلك بيومين برصاص وحدات خاصة إسرائيلية اقتحمت المدينة ومخيمها لتنفيذ عملية اعتقال تقليدية.
بعد تأدية واجب العزاء نظم المسلحون ما أسموه «عرضا عسكريا» بسيطا في المنطقة التي وقع فيها الشهداء الأربعة الذين انضموا لستة شهداء سقطوا في المدينة منذ بداية العام الحالي وهناك قالوا رسالتهم التي التفت حولها جماهير عريضة ومفادها أن المقاومة المسلحة مستمرة وهي بدون أي تنظيمات سياسية وبجهود ذاتية.
عد الحدث فارقا ولا سيما وأنه ضم مقاتلين من مختلف الفصائل: فتح، والجهاد الإسلامي، وحركة حماس..الخ، وفيه أكد المقاتلون أنهم يعملون من دون انتماء فصائلي، وأنهم ينتمون لصالح المخيم والمدينة «بكل ما يحمل من رمزية مقاومة وعنفوان وتاريخ طويل من النضال ضد الاحتلال الإسرائيلي».
بعد ذلك العرض بساعات أصدرت حركة الشبيبة الفتحاوية في المدينة بيانا سياسيا جاء مساندا للحالة القتالية وخروجا عن الخطاب الفتحاوي التقليدي الذي يأت دوما متماشيا مع خطاب الرئيس محمود عباس والمتمثل بالمقاومة الشعبية.
طالب بيان الشبيبة الفتحاوية بالالتفاف حول «البندقية الطاهرة التي تعتبر أعلى درجات الشرعية، وبحماية البندقية والدفاع عن قرارها في مقارعة العدو».
كما دعا البيان قيادة حركة فتح ممثلة باللجنة المركزية والمجلس الثوري وجميع الأطر القيادية بالضغط على المستوى السياسي من أجل قطع الاتصال والتواصل مع العدو في شقيها الأمني والسياسي في ظل الهجمة الشرسة التي يشنها على الشعب الفلسطيني.
كما طالب البيان جميع فصائل العمل الوطني والهيئات والفعاليات الشعبية والنقابات والمؤسسات الوطنية بجميع مسمياتها إلى تحمل مسؤولياتها بالدعوة إلى التوقيع على ميثاق شرف يمنع كل الظواهر التي تهدد السلم الأهلي وفي مقدمتها استعمال السلاح المنتشر في المناسبات خلافاً للسلاح المشرع بوجه الاحتلال.
معركة سيف القدس
ويؤرخ مراقبون لهذا التحول إلى معركة «سيف القدس» حيث قامت مجموعة من المقاومين في المدينة بعمليات إطلاق نار على قوات الاحتلال التي كانت تمارس قبل ذلك عملياتها بهدوء وسلاسة، فيما أكدوا أن نواة هذا الفعل العسكري بدأت من خلية تتبع سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، حيث «كانت خلية جميل العموري (الشهيد) هي الأولى، وكان بمثابة رأس التنظيم، وتوقع الاحتلال أن يترتب على اغتياله تشتت الخلية وتوقفها على القيام بنشاطها المقاوم».
ويؤكد المراقبون أن أغلب من يقود هذه الحالة النضالية الجديدة التي بدأت تتسع مع تصاعد وتيرة الاعتداءات الإسرائيلية في الضفة والقدس وغزة هم شباب ولدوا مع الانتفاضة الثانية عام 2000
د. جمال حويل، محاضر العلوم السياسية وأحد قادة العمل الفصائلي في مخيم جنين يقول: «هذه إشارة إلى أن المقاومة مستمرة، لا يمكن ان تموت هذه الجذوة».
وأكد أن جنين تستند على تاريخ طويل وممتد منذ ثلاثينات القرن العشرين، أي منذ أن جاء عز الدين القسام للمدينة مقاتلا، وهو ما يجعل النفس المقاوم تعبيرا عن ثقافة وتكوين للوعي الجمعي في المدينة وكل فلسطين.
وتابع قائلا: «الشباب غاضب ويشعر بالإحباط، لكنه مع ذلك مفعم بالأمل، هؤلاء شباب ملتحمون مع أبناء شعبهم، وطالما نحن تحت الاحتلال يجب ان تظهر المقاومة».
وأكد أن الفصائلية غائبة عن حياة هؤلاء، فيما الوحدة الوطنية المعمدة بدماء الشهداء هي السائدة، ونحن بحاجة إلى المقاومة المسلحة التي تعتبر بمثابة المقاومة الصلبة.
ويرى حويل أن مفهوم المقاومة الشاملة، بحسب ما طرحه الأسير مروان البرغوثي، هو نوع المقاومة الذي نحتاجه في هذه الأوقات وليس مفهوم المقاومة الشعبية السلمية، فهي مقاومة ليست مهادنة بل تعمل على تدفيع الثمن.
يذكر أن اجتماع مجلس الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية الذي عقد بتاريخ 3/9/2020 برئاسة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وبحضور الأمناء العامين لحركتي المقاومة الإسلامية «حماس» والجهاد الإسلامي، وشارك فيه ممثلون عن 14 فصيلًا فلسطينيًا في رام الله وبيروت قد ناقش قواعد الاشتباك مع الاحتلال، وأكدوا خلاله حق الشعب الفلسطيني في ممارسة كافة أساليب النضال المشروعة، وتوافقوا على تفعيل وتطوير المقاومة الشعبية الشاملة «كخيار أنسب للمرحلة».
غير أنه وفي نهاية أعمال الدورة الثامنة للمجلس الثوري لحركة فتح التي عقدت أواخر شهر حزيران/يونيو اعتمدت الحركة المقاومة الشعبية بصفتها طريقا لمواصلة المقاومة والنضال، حيث وعدت بالعمل على انخراط كل أطر فتح القيادية والقاعدية في عملية المقاومة الشعبية خلال الفترة المقبلة.
وبالعمل على «تشيكل قيادة موحدة للمقاومة الشعبية للعمل ميدانيا مع جميع الفصائل التي ترغب بمشاركتنا هذا النهج، والباب سيكون مفتوحا لكل الفصائل ومنظمات المجتمع المدني». وهو ما لم يترجم حتى اللحظة.
ويؤكد حويل أن الأمناء العامين لفصائل الوطنية والإسلامية اعتمدوا المقاومة الشعبية فيما غابت المقاومة المسلحة عن أجندة الفعل السياسي.
ما أشبه اليوم بالبارحة
ويضيف حويل: «وضعنا اليوم أسوأ من عام 2002 حيث بدأت الانتفاضة الثانية بعد مفاوضات كامب ديفيد التي فشلت، في تلك اللحظة قام ياسر عرفات بوضع السلاح على الطاولة، أما وضعنا اليوم فهو أكثر سوءا، حيث تقوم إسرائيل بممارسات تدميريه لكل مشروع الدولة الفلسطينية، كما أن الفساد يستشري، والوضع الاقتصادي مزري، والحكومة الإسرائيلية تمتلك رؤية للحل يقوم على البعد الأمني والفقاعة الاقتصادية».
كل ذلك بحسب حويل يعمل على ظهور جيوب المقاومة، حالة الانقسام والإحباط تجعل من فعل الشباب في جنين ومخيمها عبارة عن رسالة للفصائل كلها.
وكان تقرير استراتيجي صدر قبل أيام عن «مركز مسارات» في مدينة رام الله قد أشار أن القضية الفلسطينية تمر بوضع قد يكون الأصعب منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة، فليس من المبالغة القول إن القضية الفلسطينية الآن أمام لحظة فارقة مصيرية، حيث يتعمق الفعل الاحتلالي بتهويد القدس وأسرلتها، والاستعمار الاستيطاني يتوسع بمعدلات كبيرة جدًا، والضفة مقطعة الأوصال ومستباحة من قوات الاحتلال التي لم تعد تميز منذ أكثر من 18 عامًا بين المناطق المصنفة (أ) و(ب) و(ج) وقطاع غزة محاصر.
والسؤال المطروح برأي جمال حويل يتمثل في: من يدافع عن المخيم؟ مسؤولية من؟ من يدافع عن القدس والشعب الفلسطيني؟ وهو ما يعجل من ظهور هذه الحالة النضالية التي تلقى قبولا منقطع النظير في الشارع الفلسطيني.
وأضاف: «المقاومون هم بمثابة المنبه لوجود الاحتلال، هؤلاء لا تعنيهم المناصب ولا التعديلات الحكومية، ما يعنيهم حياة الفلسطيني المنتهكة من الاحتلال بشكل يومي».
حويل يشير إلى مشكلة كبيرة تتعلق بهذه الظاهرة وهي تتمثل في أن «الفصائل الفلسطينية على اختلافها تخاف من الاقتراب من هؤلاء المقاتلين، هناك خوف من التواصل معهم، وهم بحاجة إلى النصح والدعم والتنظيم، هم بحاجة إلى تنظير وتنظيم، وهناك خوف من الاقتراب منهم لكونهم معرضون للتصفية، فإسرائيل تضعهم تحت المجهر طوال الوقت وبشكل لحظي».
وختم أن هؤلاء ليسوا جزءا من حالة «فوضى السلاح» التي تعيشها الضفة الغربية، فمن يقوم بفوضى السلاح ليسوا من المقاتلين، وهؤلاء معروفين للجميع.
بدوره اعتبر التقرير الاسترتيجي لمركز «مسارات» المقاومة المسلحة للاحتلال بالحق الطبيعي المقر في القانون الدولي، ولكن في الظروف العربية والدولية الراهنة لا يمكن أن تكون الأسلوب الرئيسي للنضال، وإنما شكل من أشكال الدفاع عن النفس، ومسعى لإيجاد نوع من الردع. ورأى أن هناك إمكانية للجمع ما بين المقاومة والاستعداد للمفاوضات والتسوية.
يذكر ان «معركة سيف القدس» التي خاضتها فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وأطلقت خلالها مئات الصواريخ على المدن الفلسطينية المحتلة عام 1948 أعادت التأكيد على مفهوم المقاومة العسكرية لكونها قدمت نموذجا ألهم الفلسطينيين في الضفة الغربية، وهو بحسب مراقبين، ما ضخ الدم في خيارات الفلسطيني أمام تنامي الاعتداءات الاحتلالية التي لم تنفع معها خيارات المقاومة الشعبية حتى اللحظة.
صحيفة القدس