تقرير عسكري يكشف ما فعلته انتفاضة الاقصى بقدرات الجيش الاسرائيلي

حرب عام 2006

رام الله الإخباري

يقر محللون عسكريون وسياسيون إسرائيليون أن انتفاضة الأقصى التي خاضها الفلسطينيون منذ العام 2000 حتى نهاية 2005، كان لها تبعات استراتيجية بعيدة المدى، ظهرت بعضها خلال حرب تموز 2006 التي اعتبرتها "إسرائيل" حدثاً ترك آثاراً قاسية على الفكر العسكري والأداء السياسي فيها.

يرى تقرير أمريكي حول تقييم أداء جيش الاحتلال في الحرب، أن أحد أسباب تردي فعالية القوات البرية في مواجهة حزب الله في تموز 2006، كان القتال الذي خاضته ضد الانتفاضة الفلسطينية، حيث زج الجيش بوحداته البرية وسلاح المدرعات في مطاردة داخل أزقة المدن والبلدات والمخيمات بالضفة وغزة، خلف خلايا المقاومة الفلسطينية، الأمر الذي استنزفها في صراع غير متكافئ.

ويؤكد محللون إسرائيليون، أن الدفع بجنود الوحدات البرية في مهمات أمنية داخل الأراضي المحتلة جعلهم غرباء عن المهارات التقليدية التي يحتاجها المجندون في سلاح المدرعات والبر، ويعبر عنها الكاتب الإسرائيلي "غلعاد عتسمون": "خسر الجيش الإسرائيلي جاهزيته للحرب".

في حربه على الانتفاضة دفع جيش الاحتلال بدباباته "الميركافا" وآلياته المدرعة إلى قلب المدن والمناطق الفلسطينية، بهدف خلق حالة رعب لدى الفلسطينيين الذين تسببت انتفاضتهم بخسائر فادحة لدى الإسرائيليين، وكانت

أولى الضربات التي تلقتها دبابات الميركافا في غزة بداية انتفاضة الأقصى، بعد أن تمكنت ألوية الناصر صلاح الدين من تطوير عبوات فتاكة وجهت ضربة ميدانية ومعنوية لسلاح المدرعات.

يرى الجنرال احتياط يتسحاك بريك الذي أصدر تقريراً قبل سنوات انتقد فيه التدهور الحاصل على أداء الجيش، أن بقاء وحدات الجيش لأداء ما أسماها مهمات "حفظ النظام" في الضفة يسبب أضراراً لها على المستوى العملاني، وتعليقاً على التقرير يقول الجنرال السابق عمرام ليفين في مقال: :إذا واصلنا الجدال مع بريك، فبدلا من أن نفهم بأننا نفكك أساسات قوة جيشنا في سنوات طويلة جداً من حفظ النظام لدى سكان مدنيين، فسنجد أنفسنا في "يوم غفران" آخر"، في إشارة إلى فشل جيش الاحتلال في حرب 1973 مع مصر وسوريا.

يتناول "عتسمون" في مقال (من ترجمة مؤسسة الدراسات الفلسطينية) التغييرات التي حصلت على البنى العسكرية داخل جيش الاحتلال، بعد أن حل ضباط الوحدات الخاصة في قيادة الجيش بدلاً من قادة فرق المدرعات، بعد

الانتصار الإسرائيلي في حرب 1967، وإهمال سلاح المدرعات، بعد أن اعتقد قادة الاحتلال أن الحروب التقليدية انتهت ولا حاجة لقوات برية كبيرة في مواجهة التنظيمات الفلسطينية واللبنانية.

يقول "عتسمون": لكن الأمور لم تقف عند هذا الحد؛ فلم يطل الوقت بالوحدات الإسرائيلية الخاصة قبل أن يتضح فشلها في توفير حلول لما بدا أنه مقاومة فلسطينية مدنية متنامية باستمرار. وبدا إرسال نخبة الأمة اليهودية إلى غزة في ساعات الصباح الأولى أمراً محفوفاً بالمخاطر الداهمة. ويجدر القول إنه بقدر ما يحب الإسرائيليون رؤية شبانهم يُروّعون الفلسطينيين بقدر ما يمتعضون من رؤية أبطالهم المحبوبين ضحايا الكمائن وقتلاها".

هذه الآثار التي خلفتها المواجهة مع الانتفاضة ظهرت سريعاً على أداء جيش الاحتلال خلال حرب تموز، حيث فشل في إدارة عملية برية واسعة داخل الأراضي اللبنانية، بهدف وقف إطلاق الصواريخ على المستوطنات والأراضي المحتلة، وتسبب غياب الخطط وافتقار وحدات المدرعات والقوات البرية للقدرة على المناورة والقتال بخسائر فادحة في الأفراد والآليات.

يؤكد تقرير لمؤسسة "راند" حول حرب تموز أن "الجيش الإسرائيلي لم يُخضِع جنوده المشاة لأي عملية تدريب افتراضية شاملة تحاكي نموذج حرب كبرى، طيلة السنوات الأخيرة (قبل 2006)".

ويؤكد التقرير أن "وحدات المشاة كانت غير قادرة على التنسيق مع أطقم المدرعات والدبابات التي أثبتت انعدام فاعليتها في العمليات الليلية»، وخلص إلى نتيجة أنه «منذ بدء الحرب وحتى نهايتها، افتقرت العمليات البرية في لبنان لأسلوب عملاني محدد».

بالإضافة لإهمال تدريب قوات الاحتياط خلال سنوات قبل الحرب، كان الاعتماد المبالغ فيه على سلاح الطيران مدخلاً للفشل في العملية البرية، حيث اعتمد جيش الاحتلال على "سلاح الاغتيالات" في مواجهة الانتفاضة، وتسرب إلى قادة الجيش أن بإمكان الغارات من الجو حسم المعركة، وهو ما ظهر أنه اعتقاد خاطئ تماماً، في حرب تموز وما لحقها من مواجهات مع المقاومة الفلسطينية في غزة.

يقول العقيد احتياط في جيش الاحتلال، "روني بيرت"، في مقال حول إخفاق القوات البرية بالحرب: "على مدى أسبوعين تمت المماطلة في اتخاذ القرار بشأن العملية، على ما يبدو بسبب انعدام إصرار الحكومة وبسبب عدم الاستعداد للاعتراف بأن العمليات الجوية لم تحقق هدفها المأمول حيال الصواريخ قصيرة المدى. وعندما أقرت العملية البرية تم عرقلة تنفيذها".

بعد دخولها إلى أرض المعركة لحق بسلاح المدرعات خسائر فادحة، جراء الكمائن التي تعرض لها في طريقه لتحقيق "نصر معنوي"، بالوصول إلى نهر الليطاني، كما خطط رئيس حكومة الاحتلال حينها، أولمرت، ووزير الحرب عمير بيرتس ورئيس الأركان دان حالوتس، لكن مجزرة دبابات في واد الحجير سلبت من "إسرائيل" صورة نصر أرادت تقديمها للمستوطنين بعد الفشل في وقف الصواريخ.

منذ سنوات بقي هاجس الفشل في العمليات البرية يلاحق جيش الاحتلال، ورغم الخطط العديدة التي وضعها قادة أركانه (تنوفا، وجدعون) وغيرها، ما زال قادة وجنرالات سابقون يحذرون من قصور الذراع البرية في الجيش عن التعامل مع وحدات المقاومة الفلسطينية واللبنانية التي تمتلك خبرات كبيرة في حرب العصابات، وكبدت قوات الاحتلال خسائر كبيرة في الأفراد والمعدات، خلال المواجهات السابقة، وسقط لها أسرى بيد المقاومة، خاصة في حرب 2014. 

شبكة قدس