رام الله الإخباري
أكد القطاع الخاص رفضه مقترح وزارة العمل، رفع الحد الأدنى للأجور 500 شيقل ليصبح 1950 شيقلا، نظرًا للظروف الصعبة التي يمر بها الاقتصاد بشكل عام ومنشآت ومؤسسات القطاع الخاص الانتاجية والخدماتية عمومًا وتأثر قدراته التشغيلية والانتاجية والتسويقة بتداعيات جائحة كورونا.
ومع إقرار القطاع الخاص بحقوق العمال في الأجر اللازم للعيش الكريم، لكنه ابدى استعداده لتطبيق القرار في حال أقدمت الحكومة على دعم المؤسسات والمنشآت الضعيفة بتقديمها الإعفاءات الضريبية والجمركية وتخفيض رسوم تراخيصها بما يمكّنها من التطبيق.
بينما رحب العمال ونقاباتهم بالمقترح بالرغم من انتقاداتهم لعدم ملامسته حد الفقر المدقع "1970" شيقلا وإن كان اقترب منه، وحد الفقر الوطني "2450" شيقلا، لكنهم يرونه أفضل من قيمة الحد الأدنى للأجر 1450 شيقلا المعمول به منذ عام 2012، الذي التزم بتطبيقه 70% فقط من أصحاب العمل.
وبين رفض القطاع الخاص وقبول العمال للمقترح، ابدت النقابات العمالية تشكّكها في قدرة الوزارة على تطبيقه، خصوصًا أنها فشلت في تطبيق الحد الأدنى الأقل قيمته بنسبة 100% على المشغّلين، الأمر الذي دفعهم لمطالبة
الوزارة بتشديد رقابتها على أصحاب العمل، وفرض إجراءات عقابية رادعة لكل من يخالف القرار في حال تم اعتماده رسميًا، محذّرين من الالتفاف عليه عن طريق تسريح أعداد كبيرة من العمال بحجة تمكينهم من تطبيق القرار على العمال المتبقين على رأس أعمالهم.
حل وسط
يقر وزير العمل نصري أبو جيش، في مقابلة له مع صحيفة الحياة الجديدة ( حكومية ) أن الحد الأدنى المقترح من الوزارة جاء كحل وسط بين (أصحاب العمل، والعمال) وقال: "اتفقنا جميعنا على ضرورة رفعه بعد نقاش
مستفيض، وبعد 9 سنوات من تطبيق الحد الأدنى الأول الذي لم يعد كافيًا لسد الاحتاجيات الأساسية للعمال غير المهرة"، لافتًا الى أنه أقل من قيمة حد الفقر المدقع 1970 شيقلا والفقر الوطني 2450 شيقلا الذي تطالب به النقابات العمالية ورفضه أصحاب العمل، لذا اقترحنا 1950 شيقلا كنقطة تلاقٍ بين طرفي الانتاج، بالرغم من قناعتنا بعدم كفايته لسد احتياجات أسرة العامل غير الماهر، ولكنه يعتبر بداية جيدة يمكن البناء عليها لاحقًا".
وأشار أبو جيش الى أنه تمت مخاطبة النقابات العمالية وأصحاب العمل ممثلة بالغرف التجارية والمجلس التنسيقي لمؤسسات القطاع الخاص، للاتفاق النهائي على القيمة المقترحة من الوزارة (1950) شيقلا الذي جاء حصيلة
حوارات طويلة مع طرفي الانتاج، لأن العمال يريدون أكثر وأصحاب العمل يريدون أقل بناء على وجود قطاعات ضعيفة لا تقدر على الايفاء بهذا الالتزام.
وتابع الوزير أبو جيش: "يعالج الاقتراح تشكيل لجنة مشتركة لتدارس أوضاع وتحديد القطاعات الضعيفة كرياض الأطفال، ووضع آلية لمعالجة أوضاعها بما يمكّنها من تطبيق الحد الأدنى المقترح للأجور".
القرار ملزم ابتداءً من مطلع العام القادم
وشدد وزير العمل، على إلزامية تنفيذ القرار، وقال: "هو ملزم للقطاع الخاص والمنشآت وكافة أطراف الانتاج وسيبدأ سريانه في بداية عام 2022، وستشدد الوزارة رقابتها لتنفيذ القرار المرتبط بجدول غلاء المعيشة السنوي وفق ما يحدده الجهاز المركزي للإحصاء".
وأقر وزير العمل، أن نسبة تطبيق الحد الأدنى المعمول به لم تتجاوز 89% في الضفة الغربية وكان يأمل أن يتم الالتزام به بنسبة 100% من كافة القطاعات الانتاجية والخدماتية في عام 2020، إلا أن الجائحة حالت دون ذلك على حد قوله.
تشديد الرقابة والتفتيش ومعاقبة غير الملتزمين
أما حول آلية تطبيق المقترح الجديد، فان أبو جيش يقول: "سنقوم بالآليات التي يسمح لنا بها قانون العمل لتطبيقه في عام 2021، عبر تشديد الرقابة والتفتيش، وأيًا كان ثبت عدم التزامه وتطبيقه سنتخذ إجراءات عقابية رادعة كإغلاق المنشآت، وتحويل المخالفين للقضاء والمحاكم النظامية".
وأشار وزير العمل إلى أن عام 2019 شهد إجراءات عقابية بإغلاق 50 منشأة ومؤسسة وتحويل المخالفين من أصحابها الى القضاء، الأمر الذي أدى الى رفع نسبة الالتزام بالحد الأدنى للأجور من 70% الى 89%.
سعد: المشكلة في عدم التزام القطاع الخاص
ويتفق الأمين العام للاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين شاهر سعد، مع الوزير حول التوصل للحل الوسطي برفع الحد الأدنى للأجور، لكنه يرى أن المشكلة الأساسية ليست في تحديد قيمته وانما في عدم التزام القطاع الخاص به.
لذا طالب سعد، أصحاب العمل بالاعلان رسميًا وصراحةً وعبر وسائل الإعلام عن موافقتهم والتزامهم بالحد الأدنى للأجور، كما طالب وزارة العمل بإعداد لائحة جزاءات وعقوبات رادعة ضد المخالفين حتى لو أدى الى
إغلاق منشآت لمن يرفض التطبيق، لا سيما أن قيمة القرار هي أقل بكثير من قيمة خط الفقر الوطني 2450 شيقلا وحتى أقل من خط الفقر المدقع 1970 شيقلا، في الوقت الذي دعا فيه الحكومة الى دعم القطاعات الضعيفة خاصةً رياض الأطفال لتمكينها من الالتزام والتطبيق عبر تسهيل الترخيص وتخفيض رسومها والضرائب المفروضة عليها.
القرار غير كافٍ
ولكن الأمين العام للائتلاف النقابي العمالي في فلسطين محمد عرقاوي، يرى أن القرار غير كاف وغير منسجم مع مطالب العمال ولا يلبي الحد الأدنى من الحياة الكريمة لأي عامل، لأنه جاء بمنأى عن القاعدة العمالية، كما أن القرار لا يلامس متطلبات خط الفقر وما يتبعه من تداعيات اجتماعية واقتصادية.
وانتقد عرقاوي غياب آليات للتنفيذ للقرار، وبدونها لا يمكن تنفيذه خاصة في ظل رفضه من القطاع الخاص.
إنشاء محاكم عمالية مختصة بملاحقة غير الملتزمين
بينما يرى رئيس لجنة تسيير الأعمال في الاتحاد ورئيس نقابة القطاع المالي عبد الحكيم عليان، أن مشروع القرار ما زال قيد البحث والنقاش، وإن كان يتفق مع الآخرين أن قيمته لا تكفي لسد الاحتياجات الأساسية للعمال وإن كان يحسّن ولو جزئيًا من ظروفهم، لكنه، يقول: "بالنظر للظروف المحيطة ومصالح أطراف الانتاج الثلاثة، فان بقاء الحد الأدنى للأجور السابق يصب في مصلحة القطاع الخاص".
ويطالب عليان، بتشديد الرقابة والتفتيش وبإنشاء محاكم عمالية مختصة لملاحقة كل من لا يلتزم به واعتبار كل من لا يطبقه جريمة يعاقب عليها القانون.
تحذير من تسريح عمال مقابل الالتزام بالتطبيق على غيرهم
ولا يختلف مدير عام مركز الديمقراطية وحقوق العاملين حسن البرغوثي، مع ممثلي العمال وحتى وزير العمل حول عدم كفاية رفع قيمة الحد الأدنى للأجور، لكنه تساءل إن كان سيلتزم القطاع الخاص به، أم أنه سيقدم على تسريح أعداد كبيرة من عماله مقابل تطبيقهم القرار على العمال المتبقين على رأس أعمالهم؟.
ومن هنا فإن البرغوثي شأنه شأن الآخرين يطالب الحكومة بدعم المؤسسات غير القادرة على الايفاء بالتزاماتها المالية للعمال لتمكينها من توفير الحد الأدنى للأجر الذي يجب أن يقوم على دراسة السوق لمعرفة إمكانيات المؤسسات الضعيفة ومدى استعداد الحكومة لدعمها كتخفيض الضرائب وغيرها.
ويشكّك البرغوثي في قبول أصحاب العمل بالقرار، لافتًا الى أن 120 ألف عامل وعاملة لا يتقاضون الحد الأدنى للأجر القديم 1450 شيقلا، وأن 52% من العمال لم يتلقوا أجرًا في فترة الكورونا، خلافًا للاتفاقية الموقّعة مع وزارة العمل وأصحاب العمل والنقابات، و25% منهم تلقوا 50% من أجورهم، وفقط 22% تلقوا أجرًا كاملا وهم الإداريون.
القطاع الخاص يرفض القرار
وإن كان رفض ممثلي القطاع الخاص في مجلسه التنسيقي واتحاد الغرف التجارية التعليق على مشروع القرار، لكن علمنا رفضهم للقرار الا اذا تمت الاستجابة لشروطهم التي من المقرر أن يكونوا قد سلموا مذكرة خاصة بها لوزير العمل يوم"الأحد الماضي" تتضمن موقفهم وحيثيات رفضهم للقرار واشتراطاتهم للالتزام. وتمكنا من لقاء بعضهم بصفاتهم إما الشخصية أو القطاعية وليس التمثيلية.
الحد الأدنى للأجور "كلام حق يراد به باطل"
وإن كان رجل الأعمال سمير حليلة يقر بضرورة أن يأخذ العامل حقه ويعيش حياة كريمة من دخله، لكنه نوه الى أن متوسط عدد العاملين في الأسرة 1,4 تقريبًا أي ما يعادل 1.1 مليون عامل و600 ألف أسرة، والأسرة لا
تعتمد على أجر واحد فقط، في الوقت الذي يجب الأخذ بالاعتبار إن جدوى مجموعة من الصناعات والحرف والمشاغل تتراجع وبالكاد قادرة على التعايش مع رواتب قليلة، لذا فانه يطالب الحكومة بمراعاة ضمان استمرارية هذه القطاعات في ظل الحد الأدنى للأجور قيد الحديث.
ويعتقد حليلة أن الحد الأدنى للأجور "كلام حق يراد به باطل"، لأنه يجب أن يكون جزءًا من حزمة سياسات وإجراءات تتخذها الحكومة تواءم وتوازي بين صاحب العمل والعامل حتى يمكن تنفيذه بعيدًا عن لغة التهديد كل من
لم ينفذ ستغلق منشأته ويحاكم ويسجن، وقال: "هذا لا يعالج المشكلة لأن لدينا مستوى دخل ومعدل نمو اقتصادي معروف ونسبة بطالة تتزايد".
ويتساءل حليلة، حول كيفية تطبيق القرار في ظل الجائحة وتداعياتها الاقتصادية السيئة؟. وطالب الحكومة بحث عناصر أخرى في الاقتصاد بما يجعل التطبيق ممكنًا بدون اللجوء لفرض قوة القانون بالعقوبات.
الموازاة بين متطلبات القطاع الخاص ورفع الأجور
ولا يختلف أمين سر اتحاد الصناعات البلاستيكية ونائب أمين سر غرفة تجارة وصناعة رام الله والبيرة محمد عابدين، مع حليلة، حول أهمية رفع قيمة الحد الأدنى للأجور، لكنه قال:"نريد في القطاع الخاص أن يكون هناك دعم وتنفيذ كافة المقترحات المقدمة للتحفيز الاقتصادي وإصدار قرارات كاملة لدعم الصناعات الفلسطينية، حيث نعاني من نقص في الأيدي العاملة الماهرة".
وطالب الحكومة ببرنامج وقرارات واضحة توازي ما بين متطلبات القطاع الخاص ورفع الأجور، وقال:"إن لم تكن هناك قرارات رسمية وبرنامج واضح للتحفيز الاقتصادي، لن نتمكن من توفير دخل لتغطية ارتفاع نفقات الأجور، بدون الدعم الحكومي فمن الصعوبة بمكان تطبيقه لأنه يؤدي الى رفع التكاليف وعدم قدرة منتجنا على المنافسة".
القرار منصف وعادل وفي الاتجاه الصحيح
أما الخبير الاقتصادي نصر عبد الكريم، فيرى أن القرار منصف وعادل وفي الاتجاه الصحيح ويساهم في إعادة توزيع وتدوير الثروة وتصبح حقوق العمال على شكل أجور أعلى كنسبة في الناتج المحلي من مستواه الحالي، وأهميته تكمن في تطبيقه تدريجيًا وقطاعيًا، ولكن إمكانية تطبيقه في ظل الظروف الراهنة وعدم الالتزام بالحد الأدنى للأجر السابق مشكوك فيه.
ويؤكد أن الحد الأدنى الجديد لا يلبي احتياجات العمال الأساسية، وخصوصًا في ظل ارتفاع الأسعار وارتفاع تكاليف المعيشة، التي اعتبرها الإشكالية الأكبر لقيمة الأجر.
الحياة الجديدة