رام الله الإخباري
استبشر المزارع محمد سليمان صوافطة، من قرية بردلة بالأغوار الشمالية، خيراً، على وقع التنبؤات الجوية التي تشير إلى أن فلسطين ستشهد هطولات مطرية بحلول نهاية الأسبوع الجاري.
انحباس الأمطار وسطوع الشمس منذ ثلاثة أسابيع، شكلا مصدر سعادة للكثيرين الذين خرجوا للتنزه والاستمتاع بالأجواء في ظل "المربعانية" وهي الفترة الأشدة برودة في فصل الشتاء، وبالنسبة لمحمد راكم تتالي المرتفعات الجوية خسائر وصلت إلى 80 ألف شيقل.
يمتلك صوافطة 10 دونمات من البيوت البلاستيكية المزروعة بالخيار، وارتفاع درجات الحرارة يؤدي إلى نضوج المحاصيل بشكل أسرع، الأمر الذي انتهى بغزارة الإنتاج وانخفاض في الأسعار، في ظل انخفاض القوة الشرائية.
لم يقم محمد بإتلاف محاصيله كما فعل الكثيرون ممن تضرروا من تغير الأحوال الجوية وصعوبة التسويق بفعل الإغلاقات التي تصاحب جائحة "كورونا"، ولكنه كان يبيع ما يقوم بجنيه من أجل "إسقاط الواجب".
يقول: "يتم بيع صندوق الخيار بـ10 شواقل في أفضل الأحوال، وتكلفته على المزارع تصل إلى 13 شيقلاً. أعتبر أن ما أقوم به هو الشكل الأفضل من الإتلاف".
منذ شهر حزيران/ يونيو، والخسائر تتراكم في الميزان التجاري الخاص بصوافطة، ففي موسم البطيخ لحقت به خسائر وصلت إلى 120 ألف شيقل، وتضاف إليها 80 ألفاً تشكل خسائر موسم الخيار، حيث أن ثلثي الإنتاج لم يجلب الربح في هذا الموسم.
لا يفكر محمد صوافطة نهائيا في استبدال مهنته كمزارع، على الرغم من الخسائر التي تلحق به سنويا، ولكنه قد يضطر إلى تقليل المساحات المزروعة في ظل انعدام خيارات التعويض الحكومي، وفتح أسواق جديدة في الخارج، أو استثمار القطاع الخاص في مجال الزراعة، بتوفير ثلاجات تخصص لتخزين المحاصيل في المواسم التي تشهد غزارة الإنتاج.
بلال الغول، الذي يعمل في الزراعة وتوزيع الخضروات، اضطر قبل عدة أيام لتوزيع أطنان من الخيار في بلدات كفر اللبد، ورامين، وعقربة وغيرها من القرى التي لا تكثر فيها المزارع والبيوت البلاستيكية.
منذ نحو أسبوعين، يعاني بلال وغيره من المزارعين في المنطقة المعروفة باسم "الشعراوية" وهو اسم يطلق على مجموعة قرى وبلدات طولكرم الشمالية، من غزارة إنتاج الخيار، والذي يفوق بأضعاف حجم الطلبيات التي يحصلون عليها.
وزع بلال 3 آلاف كرتونة من الخيار بعد يومين من تخزينها، بخلاف الكميات التي أتلفت لأنها كانت معدة للتسويق داخل أراضي العام 48 والأسواق الإسرائيلية، إلا أن الإغلاق الذي فرض على الحواجز بفعل جائحة "كورونا" حال دون ذلك.
يشير الغول إلى أن وزارة الزراعة ليست طرفا في هذه الأزمة التي ما زالت قائمة، ولكن من المتوقع أن تنحسر تداعياتها اعتباراً من مطلع الأسبوع المقبل، بعد عودة هطول الأمطار.
ويضيف أن 40% من مزارعي منطقة "الشعراوية" يقومون بتخزين المحاصيل داخل مزارعهم أملاً في إمكانية تسويقها، إلا أن استمرار الأحوال الجوية على هذا الحال يقلل من إمكانية نجاة المحصول، إذا لم يتمكنوا من بيعه خلال اليومين المقبلين.
المدير التنفيذي لاتحاد جمعيات المزارعين الفلسطينيين عباس ملحم يقول، إن قدرة الإنتاج في الظروف الطبيعية بفصل الشتاء تصل إلى العشر مقارنة ببقية الموسم، إلا أن ما حدث في الأسابيع الأخيرة لم يكن بالحسبان، حيث كان المزارعون في مثل هذا الوقت من السنة يعانون من أثر البرد الشديد والصقيع.
ويوضح ملحم، أن المناخ الإقليمي في المنطقة والانحباس المطري قفز بإنتاج الخيار إلى 10 أضعاف، وبالتالي تكدس المحصول ليس في فلسطين فحسب بل في دول الجوار، إلا أن صعوبة التصدير وقلة المنافذ البرية والإغلاقات التي تفرض بفعل جائحة "كورونا"، سببت أزمة التسويق في فلسطين على وجه التحديد.
ويتابع: "هذه أزمة لم تكن بالحسبان لا على مستوى المزارعين ولا حتى الدول، بسبب عامل غير متوقع، إلا أن المنخفض المقبل قد يعيد الأمور إلى مجاريها".
يشدد ملحم على أهمية التخطيط الزراعي، وإعداد قاعدة بيانات خاصة بهذا القطاع، تتضمن الأصناف المزروعة والكميات المتوقعة من المحاصيل ودرجة تغطيته لحاجة الاستهلاك، وعلى ضوء ذلك يتم توجيه المزارعين لتجنب فائض الإنتاج وهبوط الأسعار.
ويطالب أيضا بتفعيل نظام التأمين الزراعي لتمكين المزارع من التأمين على المحاصيل من الخسارات غير المتوقعة، الناجمة عن التبدلات المناخية والكوارث الطبيعية، مشيراً إلى أن التعويضات المباشرة مطلوبة في هذه المرحلة لا سيما أن الخسائر غير هائلة ولم تكن على فترة زمنية طويلة.
مدير عام التسويق في وزارة الزراعة طارق أبو لبن، يوضح أن زيادة الإنتاج في بعض المحاصيل خاصة الخيار، مرتبطة بظروف إنتاج غير متوقعة تمثلت بارتفاع درجات الحرارة، بينما استعد المزارعون لـ "المربعانية" بزراعة كمية أكبر أو مساحات أوسع لتلبية احتياجات السوق.
ويقول إن ارتفاع درجات الحرارة سبب نضوج المحاصيل بشكل أسرع وبالتالي تكدست ولم تعد هناك مقدرة على تسويقها في الأسواق الفلسطينية أو في داخل الأراضي عام 48، حيث أن إجراءات الإغلاق فيها حالت دون تمكن عدد من المزارعين المتعاقدين مع مطاعم أو فنادق من بيع المحاصيل.
ويؤكد أبو لبن أنه لا يمكن لأي جهة تحمل المسؤولية أو إلقائها على الآخرين، إنما ما جرى ناجم عن ظروف خارجة عن إرادة المزارع أو السوق نفسه، وأضاف أن التفكير بتقليص المساحات المزروعة خلال السنوات القادمة في ظل ظروف جوية قاسية ومنخفضات ثلجية كما كان الحال قبل عدة سنوات، سيؤدي إلى قلة المحاصيل وحرمان المزارع من أرباح إضافية، وسيضطر الوزارة إلى استيراد العديد من المحاصيل الأساسية كالخيار والبندورة.
ويضيف: "هناك اقتصاد سوق ويترك فيه المجال للمزارعين لكي يخططوا ويقرروا بأنفسهم نوع وحجم إنتاجهم، وغالباً ما تكون قراراتهم صائبة في ظل ظروف جوية طبيعية، ولكننا نوصي عادة بتنويع الإنتاج ونقدم إرشادات في كيفية التسويق، فمثلاً لو كان الخيار يناسب التصنيع والتخليل لكانت الخسائر أقل وطأة، ولتمكن المزارعون من التعامل مع الأزمة بشكل مختلف".
ويشير إلى أن وزارة الزراعة لا يمكنها وضع "رزنامة زراعية" تتنبأ فيها بطبيعة الظروف الجوية في الفصول المختلفة، منوهاً إلى أنها وضعت مخططا للتعامل مع السوق وحاجته في ظل جائحة "كورونا"، دعت فيه المزارعين لمراعاة هامش مرونة في التعامل مع الإغلاقات، ونصحت بتخصيص جزء من الإنتاج قابل للتصنيع فيما لم تسمح ظروف الإغلاق بالحركة السلسة، كما أنها حصلت على استثناء بتسهيل حركة المنتجات الزراعية في ظروف الإغلاق الشامل.
وفا