أما آن للأيدي المنسحبة أن تصافح؟!

ابو جبريل

بقلم: علاء مطر

عشت أخشى أن أنغمس في تنظيم، أو أهتف براية أحد، أو عبئًا على حزب، أو سابحًا في تيار، غير تيار الوطن!

لكنني أعرف مثلما يعرف غيري أن حركة «فتح» هي أمُّ الجماهير، وصَوْت الكلِّ الفلسطيني.. دفَعَني ذلك، وما أراه ماثلًا على شاشات التواصل إلى أن أكتب كلمات من غير تحضير أو تنقيح.. إنها رسائل إلى أمي، دفقات من إحساس غير متكلِّف.. وقد كنت أطيل السكوت أحسب أن كل مدح مجاملة، وكل إسهاب «تطبيل». لكن لكلمة الحق حقّ في أن تُطِلَّ برأسها حين تختلط المسائل!

وإني أقول لأمي:

"عظيمة يا فتح"

أما بعد؛

فعقبَ كل سجال فلسطيني، أو شجار على مواقع التواصل الاجتماعي، أرى أبناء فتح وهم يقدِّمون آراءهم الوطنية، ويشددون على إنهاء الانقسام، وتوحيد شتات الأمة.

بل إثرَ حملات الاعتقالات السياسية المتتالية، التي تطال المواطنين في غزة أو الضفة، بسبب ما خطّته أيديهم، يخرج المعتقلون (من أبناء «فتح»)، وقبل أن يصلوا إلى بيوتهم، يطببون جراحهم بمِلح التسامح (وللتسامح وَجَع) ليطالبوا بالصُّلحِ ورصّ الصفوف.

"عظيمة يا فتح"

أما بعد؛

فما إن انتهى مسلسل التطبيع الأخيرة، وطُعِن من بعض الدول العربية الوطنُ المسلوبُ في الخاصرة، حتى نشر الكلُّ الفلسطينيُّ إدانات وشجبًا، بينما عرف أبناء فتح أين الجراح، ووضعوا أصبعهم عليها، هم يقولون: لا انتصار دون وحدة، ولا وحدة دون تسوية الصف!

فتحيَّتِي لهؤلاء الآملين الطامحين الذين لم تَسوَدَّ أعينُهم بفعل المنغصات، ولم تتردَّدْ أيديهم المفتوحة للمصافحة.

حركةٌ هي رحلة مُنتهاها الاستقرار الفلسطيني، ومبدؤها يد أبي عمار مرفوعة إلى جبهته، يحيِّي علم الصمود والمحبة، لا عجب أن أبناءها يعطون دروسًا في تجاوز الخلاف، والترفع عن الكراهية (كل كراهية) والسعي إلى تحقيق الانسجام، وإعادة الاعتبار لما تبقى من خارطة الوطن، الذي ضيَّع أكثرَه تصلُّبُ مواقفِ الإخوة، وسعيُهُم للكراسي لا إلى العودة.

"عظيمة يا فتح"

أما بعد؛

فأنتِ أول من وقف مع «حماس»، وخضتِ معركة العُمرِ في الأمم المتحدة لمنع تجريمها، واعتبارها إرهابية، مؤكدة أنها ستبقى حركة فلسطينية اتفقت أو اختلفت معها.

الآن وقد كبر الفتى، وتجاوَزَ عُمرَ النبوَّة، وأصبح في الخامسة والخمسين.. عصب الأرض شرايين ذراعه، واخضرار الحقول ابيضاض شعره، لم تهزمكِ كبوة، مزيج من حِكمة الكبار وإقدام الشباب وأمل الصغار التائهين والعجائز الواثقين بأن حركة واحدة تغير المعادلة، وتضبط كفَّتي الميزان المتأرجح، تنهضين بعزيمة ثائر رغم جبروت الموت وسطوة الجلاد، تطالبين بالوحدة سبيلًا للنصر، وتعرفين أن لا نصر بغير الوحدة!

"عظيمة يا فتح"

أما بعد؛

فنَعَم ستبقين عظيمة، وكبيرة، تحوين الكل الفلسطيني، ولتَتَمرَّدْ الشراذمُ عليكِ، وليتجرأ المذبذبون على جدران قَلعتِك، وليواجه مَن يحب الكاميرات، ويمسك ما شاء من الميكرفونات، ولتكن يدُك دائما كما هي ممدودة، تقدمين الغالي والنفيس نصرة للوطن.

وختامًا، كنتُ أعتقد أن يدك الغضة الممتدة للصلح قد ترتعش أو تضعف، لكن التجربة أمدتني بيقين أنها اليد الأثبت، والذراع الطولى، فالشديد من يملك نفسه، والقوي هو من يرتفع على جراحه، ويضمد الوجع ولو بالكي!! ما دام أحمر الدماء حنّاء في مفرق فلسطين.

أما آن للأيدي المنسحبة أن تصافح؟!