للمجموعات المتباينة هدف مشترك في إلحاق الهزيمة بتنظيم \"داعش\" المعلنة ذاتياً، لكن التوترات الطائفية تظل قائمة مع ذلك. وتريد إيران ويريد الأكراد وتريد المليشيات الشيعية، ويريد حتى بعض السنة، رؤية المتطرفين وقد هزموا والعملية العسكرية الرئيسية في تكريت، في شمالي العراق، وهي تستمر . لكن من غير الواضح، في الأثناء، ما إذا كان باستطاعة الائتلاف الصمود في المعركة، والأهم من ذلك الانتصار فيها.
كيف أصبحت الأحزاب العربية الشيعية والمليشيات في العراق هي التي تقود القتال؟ عندما سارت الدولة الإسلامية، كما تصف نفسها، إلى داخل الموصل، المدينة الشمالية الرئيسية في العراق، في حزيران (يونيو) الماضي، انهارت فرق من الجيش العراقي بكاملها وهربت من أمامها. وكان الفراغ الذي خلفه الجيش العراقي -نتيجة للقيادة الفاسدة المهتمة بمصالحها الذاتية في الجزء الأعظم- بالإضافة إلى نية الإبادة الجماعية عند \"الدولة الإسلامية\"، وليس في حق الأغلبية الشيعة في العراق وحسب، وإنما في حق أقلياته الدينية أيضاً، هي العوامل التي سحبت مقدمة المليشيات الشيعية ومركزها إلى داخل القتال.
في وقت سابق من هذا الشهر، قدر الجنرال مارتن ديمبسي، رئيس هيئة القوات الأميركية المشتركة، أن حوالي 20.000 مقاتل من الميليشيات قد انخرطوا في الهجوم المضاد ضد \"الدولة الإسلامية\" في المعركة من أجل استعادة السيطرة على مدينة تكريت العربية السنية (التي تبعد حوالي 80 ميلاً إلى الشمال من بغداد)، والبلدات الواقعة في أكنافها. وقدم الجيش العراقي، كما تجدر الملاحظة، نحو 2.000 جندي وحسب في هذا الجهد.
تحت قيادة رجل الدين المثير للجدل مقتدى الصدر، كان هؤلاء المقاتلون -المتحالفون مع المجلس الإسلامي الأعلى في العراق، أحد أكبر الأحزاب الشيعية الإسلامية في البلد- قد هاجموا القوات الأميركية والمتمردين السنة خلال الاحتلال الأميركي للعراق. واليوم، وسوية مع قوات قيس الخزعلي الذي أنشأ عصبته الخاصة من ميليشيات الحق، تنخرط هذه المليشيات في القتال ضد \"الدولة الإسلامية\" عبر الكثير من وسط العراق وشماله.
الهدف النهائي للرجال المسؤولين عن هذه المليشيات هو التأكد من الاحتفاظ بالتفوق الشيعي في العراق، وهو تفوق أمكن تحقيقه بعد إسقاط الولايات المتحدة لنظام صدام حسين المسيطر عليه سنياً في العام 2003. وقد اشتركت كل هذه المليشيات تقريباً في القتال الطائفي الوحشي الذي عم البلد في العام 2006 بعد نسف مزار شيعي مهم في مدينة سامراء على يد تنظيم القاعدة في العراق، تلك المجموعة التي ولدت \"الدولة الإسلامية\".
ما هو دور إيران في العراق؟ تنسجم المصالح الإيرانية إلى حد كبير مع المصالح الخاصة بالمليشيات الشيعية في العراق. وكان الغزو الأميركي للعراق قد أزاح عدوا لدوداً من على حدود إيران الغربية، وآذن بقدوم سلسلة من الحكومات في العراق. وفي الأثناء، امتلأت الدولة عن بكرة أبيها بالناشطين الإسلاميين الشيعة العائدين، والذين كان العديد منهم يتلقى الدعم وهو في المنفى من إيران. ما يزال قاسم سليماني، الجنرال الرفيع في الحرس الثوري الإيراني، يتردد باستمرار على خطوط القتال الأمامية في العراق، بينما يكيل المقاتلون الشيعة العراقيون المديح للدعم العسكري الإيراني غير المتواني الذي تحصل عليه تنظيماتهم. وتحب إيران من جهتها عودة الوضع الذي كان قائما قبل عدة أعوام -حيث كانت الأراضي العراقية تحت سيطرة حكومة بغداد الصديقة.
أين يترك هذا الساسة السنيين والقبائل السنية العراقية؟
ثمة العديد من العرب السنة العراقيين عالقون في المنتصف. إنهم لا يريدون أن يحكمهم الراديكاليون العنفيون في \"الدولة الإسلامية\"، ولكنهم يخافون أيضاً من الحكومة العراقية ذات القيادة الشيعية، ولسبب جيد: بعد مغادرة القوات الأميركية في كانون الأول (ديسمبر) من العام 2011، شرع رئيس الوزراء العراقي في حينه، نوري المالكي، في شن حملة اعتقالات وإعدامات مدفوعة سياسياً ضد أعضاء في المليشيات السنية الذين كانوا قد حاربوا تنظيم القاعدة في العراق، في مقابل وعود بوظائف حكومية مستقبلية مع حماية. وجرى الدفع بالنائب السني للرئيس العراقي، طارق الهاشمي، إلى المنفى.
في كانون الأول (ديسمبر) من العام 2013، أفضى التفريق العنيف لمعسكر الاحتجاج السني في الرمادي، عاصمة محافظة الأنبار، إلى مقتل 10 أشخاص على الأقل، مما دفع العديد من العرب السنة إلى الارتماء في أحضان التمرد. وفي الشهور التي تلت ذلك، شرعت \"الدولة الإسلامية\" في حملة اغتيالات استهدفت العديد من القادة السنة القبليين الذين كانوا قد رفضوا النسخة المتشددة من الشريعة الإسلامية. وفي وقت أقرب الآن، تشير التقارير إلى أن قوات الأمن العراقية والمليشيات المتحالفة معها دمرت ونهبت وسلبت العديد من القرى السنية التي استعيدت من قبضة \"الدولة الإسلامية\". وبينما تم استبدال السيد المالكي كرئيس للوزراء بالسيد حيدر العبادي في آب (أغسطس) الماضي، فإن السيد العبادي ينحدر من نفس الحزب السياسي الإسلامي الشيعي الذي انحدر منه المالكي. وقد أظهر العبادي النزر اليسير من القدرة على كسب الدعم من أغلبية القبائل السنية.
ماذا عن الأكراد المستقلين؟ استطاعت الأقلية الكردية نحت جيب لها في الشمال الشرقي من البلد، والذي يتمتع بحكم ذاتي مستقل من جميع النواحي باستثناء الاسم. وتشكل \"الدولة الإسلامية\" تهديداً لأكراد العراق -لكنها خلقت لهم فرصة، متيحة المجال أمام توسيعهم نفوذهم إلى مدينة كركوك المنتجة للنفط، والتي ظلت في أيدي الحكومة المركزية حتى الصيف الماضي. بينما يحب الأكراد أن يروا \"الدولة الإسلامية\" وقد هزمت (كادت قواتها أن تصل تقريباً إلى العاصمة الكردية أربيل في الصيف الماضي)، فإن مصالحهم ليست مصالح قومية عراقية. وما يزال الأكراد وبغداد عالقين في نزاع حول اقتسام العوائد النفطية، حيث يزعم الأكراد أن الحكومة المركزية تدين لهم بمليار دولار شهرياً والتي يترتب دفعها لهم.
بينما أثبت مقاتلوهم، البشمركة، أنهم الأكثر قدرة على التصدي لمجموعة \"الدولة الإسلامية\" ومهاجمتها، فإن رغبة الحكومة الإقليمية الكردية في الإلقاء بجنودها إلى داخل ما تبدو معركة طاحنة لاستعادة الموصل -المدينة التي تعيش فيها أقلية من السكان الأكراد- تظل غير واضحة في أفضل الحالات.