رام الله الإخباري
رام الله الاخباري :
رحل الفنان الفلسطيني عبد الرحمن أبو القاسم، اليوم الجمعة، عن عمر يناهز (78 عاما)، والمولود في بلدة صفورية بالناصرة عام 1942.
في نيسان 2012، زار أبو القاسم لأول مرة في حياته وطنه فلسطين، بعد أن هجر منها إبان النكبة عام 1948 إلى سوريا، حينها علق على تلك الزيارة في جملة: "عشرة أيام هزت وجداني".
وفي حديث سابق مع وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية "وفا" حول تلك الزيارة، قال أبو القاسم: "سأشتاق لفلسطين كثيرا ودائما، ولطالما طال انتظاري لحلم حققته الآن على تراب الوطن".
يومها حمله الحنين لفلسطين خاصة بلدته صفورية، وكان في عامه السبعين، جاء مسرعا إلى البلاد التي اقتلع منها، وظل يردد اسمها وعاداتها ومناسباتها وتفاصيلها، رغم أنه هجر منها طفلا في السادسة من عمره.
كبر "أبو القاسم" في المنافي، وفي المنفى حولته النكبة وآثارها الممتدة حتى اليوم، إلى مسرحي محترف، صانعا من ذاته فنانا قديرا، ومشهودا له في كافة أرجاء الوطن العربي.
رحل أبو القاسم، المعلم كما يلقبه أصدقاؤه من الكتاب والفنانين والمسرحيين والأدباء، والمهتمين بالشأن الثقافي، معلنين بوضوح أن "أبو القاسم" أدى ما عليه للمسرح والفن، وكان مبدعا وملتزما ووطنيا.
الكاتب الفلسطيني المقيم في سوريا علي بدوان، رثى أبو القاسم على صفحته على الفيسبوك بالقول: "توقف عن الخفقان قلب الفنان الفلسطيني السوري عبد الرحمن ابو القاسم (أبو هيثم)، وانتقل الى رحمة الله، بعد مسيرة مُكتظة في حياته العملية، منذ يفاعة عمره".
وأضاف "عندما وجد نفسه طفلا بين جموع لاجئي فلسطين في سوريا بعد النكبة الكبرى الأولى عام 1948، عبد الرحمن أبو القاسم، فنان الشعب، الفلسطيني الجليلي، مواليد بلدة صفورية عام 1942، حين تكحّلت عيناه تحت نور شمس فلسطين وهوائها، فعاش لبضع سنين في بلدته صفورية بمدينة الناصرة، ناصرة المسيح عليه السلام،
عبد الرحمن أبو القاسم، سليل عائلة كبيرة من صفورية، تلك العائلة التي برز من بين صفوفها النخب العلمية والاجتماعية، وقد قادتها التواءات النكبة التي عصفت بتداعياتها على فلسطين وشعبها للهجرة الى مواطن بعيدة، بحثاً عن مصادر الرزق وبناء حياة الإنسان".
وتابع "عبد الرحمن أبو القاسم، صاحب التاريخ المسرحي العريق، والاقتراحات والأفكار البناءة في مجال العمل الفني، وخاصة المسرح، فقد بدأ العمل في المسرح المدرسي عام 1954 وتحديداً في مدارس دمشق، وبعد ذلك تنقل في عدد من الفرق السورية المحلية منها "الفرقة السورية للتمثيل، ونادي الأزبكية، والنوادي التي كانت تابعة لوكالة الأونروا في المخيمات الفلسطينية"، وبعد ذلك انضوى في فرقة مسرحية لحركة فتح".
وقال "في عام 1965 قدمنا عددا من المسرحيات بما لا يقل عن 15 عرضا، وكانت العروض المشاركة 100 عمل مسرحي، ثم تبنت منظمة التحرير هذه الفرقة وأصبح اسمها فرقة المسرح الوطني الفلسطيني، عدا عن مشاركته طوال السنوات الماضية بعشرات الأعمال الفنية".
وأضاف بدوان "عبد الرحمن أبو القاسم، العربي الفلسطيني السوري القُح، لم يكن فنانا (شعبويا)، بل كان قبل كل شيء فنانا يحمل عنوانا وقضية، والتزاما وطنيا وأخلاقيا، ومناقبية عالية، دلّت عليها مجمل الأعمال التي شارك بها، وبأدوار مختلفة، حقيقة لا ينشد الإلتزام ولا يَشعُرُ بالوجع إلا صاحبه، وجع الوطن وفراقه، ونحمد الله، أنه تمكن من الدخول الى فلسطين قبل عدة أعوام، وزيارة مسقط رأسه، وعدد من البلدات والمدن الفلسطينية".
وأردف "رحل الفنان القدير المحترم الملتزم، عبد الرحمن ابو القاسم "أبو هيثم"، بعد مشوار طويل من العمل الفني والدرامي، الذي يُسجّل له فيه، التميّز في الأداء، وفي الحضور، وفي صفاء الإنتاج الفني"
أما المخرج الفلسطيني المقيم في دمشق فجر يعقوب، فكتب: "أبو الهيثم صديق، ومعلّم، التقينا في أمكنة كثيرة، وعملنا معا، وعشنا معا لحظات الاحباط من "انتظار" المخلّص الذي لا يأتي، لا أنسى المشاهد الأخيرة من البرنامج الوثائقي "تغريبة ثقافية" حين نفضنا أيدينا معاً من هذا الانتظار، أما وقد اخترت خلاصك، فليس أمامي سوى أن أقول: وداعا عبد الرحمن أبو القاسم".
وأضاف "ليس سهلا على كاتب، مهما بلغ نحته في التفاصيل أن يكتب ماكتبه ادوارد ألبي في نصّه الخارق "قصة حديقة الحيوان"، وليس سهلا على ممثل مهما ارتفعت عبقريته أن يكون واحدًا من اثنين فيها، ذات يوم لعبها عبد الرحمن أبو القاسم فالتقط التحفة وألقى بها فينا، مات عبد الرحمن، لا لشيء، فقط لأن مالا بدّ منه، لا غنى عنه".
وتابع يعقوب "من قال إن الموت يغلق الستارة على آخر مشهد من العرض؟ سلامات عبد الرحمن.. يا صاحبي.. يا معلّم".
ونعت وزارة الثقافة الفلسطينية في بيان لها الفنان عبد الرحمن أبو القاسم الذي وافته المنية اليوم الجمعة، في العاصمة السورية دمشق، والذي يعتبر من مؤسسي المسرح العربي والفلسطيني في الشتات.
وجاء في بيان الوزارة أن القاسم ساهم في تأسيس المسرح الوطني الفلسطيني، وعمل على نهضة الحركة المسرحية الفلسطينية بعد انطلاقة الثورة، حيث آمن بدور المثقف والفنان في إسناد الفعل الكفاحي حماية لغايات وأهداف التحرر.
وقال وزير الثقافة عاطف أبو سيف، إن الحركة الفنية العربية والساحة الثقافية الفلسطينية، خسرت رمزا من رموزها الإبداعية التي أثرت وأغنت بعملها الإبداعي المسارح والتلفزة العربية، من خلال الإنتاجات الفنية الزاخرة والمميزة للراحل الكبير.
وأضاف إن إسهامات أبو القاسم وأدواره المختلفة ستظل علامات فارقة تتعلم منها الأجيال المقبلة، وستظل صفورية أرض الحلم والحقيقة تذكر عودته لها في العام 2012، وتذكر خطواته على ترابها، وإيقاع العائد الدائم العاشق لأرضها.
وفا