رام الله الاخباري :
قال مركز المعلومات الاسرائيلي لحقوق الانسان في الأراضي المحتلة (بتسيلم)، إن سياسة احتجاز جثامين الشهداء الفلسطينيّين وكأنّها سلع للمقايضة، سياسة حقيرة ودنيئة، ومصادق عليها من المحكمة العليا، وهي سياسة تشهد على حقيقة المحكمة أكثر ممّا تشهد على قانونيّة السياسة.
وأعاد مركز المعلومات الاسرائيلي، في تقرير نشره تحت ما يسمى بـ"روتين العنف" من قبل سلطات الاحتلال بحق المواطنين الفلسطينيين، التذكير بمأساة احتجاز سلطات الاحتلال الاسرائيلي لجثامين عشرات الشهداء، التي يبلغ وفق معطيات المركز تعدادها 50 جثمانا على الاقل.
مركز "بتسيلم" اكد أنّ احتجاز جثامين فلسطينيّين لأجل استخدامهم كورقة مساومة في مفاوضات مستقبلية جزءٌ من سياسة تتّبعها إسرائيل منذ سنوات طويلة ولكنّها رسختها رسميًّا في كانون الثاني 2007 عبر قرار اتّخذه "الكابينت" (المجلس الوزاريّ المصغّر) تحت عنوان "سياسة موحّدة في شأن التعامل مع جثامين المخرّبين."
وأشار المركز الى أنه تمّ تقديم التماس ضدّ القرار وقبلت المحكمة الالتماس بأغلبيّة آراء القضاة، غير أنّها عادت وقلبت حكمها رأسًا على عقب في مناقشة إضافيّة، حيث أصدرت هيئة قضاة موسّعة حكمًا يقول إنّ أنظمة الدّفاع في أوقات الطوارئ تخوّل الدّولة احتجاز جثامين وأسندت حكمها إلى تأويل غير معقول لأنظمة الطوارئ وتطرّق جزئيّ إلى أحكام القانون الدوليّ.
وتعليقا على هذه السياسة الباطلة، قال البروفسور مردخاي كريمنيتسر إنّه "يجب منع الاستخدام الإرهابيّ للأشخاص أو الجثامين بهدف الإرغام أو الابتزاز وفرض عقوبات على المتورّطين في ذلك، وإنّها سياسة تسبّب معاناة لا توصف لأسر المتوفّيين المحتجزة جثامينهم، امتناع إمكانيّة دفن أحبّائهم المتوفّيين تصعّب على هذه الأسر تقبّل وفاتهم والتعامُل مع فقدانهم، كما أنّها تحرمهم من إقامة المراسيم اللّازمة بما يقتضيه الدّين والعادات".
ونشر المركز مقابلة أجراها في شهر اكتوبر الماضي مع تهاني صالح (34 عامًا) أرملة وأمّ لأربعة أطفال من سكّان مخيّم جباليا للّاجئين في قطاع غزة، "قُتل زوجي عطّاف صالح في التاسع من ايلول عام 2018، شرق مخيّم جباليا ومنذ ذلك الحين يحتجز الجيش الإسرائيليّ جثمانه ويرفض إعادته إلينا، عطّاف هو زوجي الثاني، وكان زوجي الأوّل استُشهد في عام 2008 وكان لدينا حينها ابنة تُدعى شروق وتبلغ اليوم الـ14 من عمرها، وابن يُدعى عليّ ويبلغ اليوم الـ12 من عمره. بعد مضيّ خمسة أشهر على وفاته تزوّجت من شقيق زوجي عطّاف.
وأضافت: "لم يكن لديّ خيار آخر لأنّني لو رفضت لأخذت العائلة الأولاد منّي. لكنّ العلاقة مع عطّاف تحسّنت بالتدريج. لقد كان زوجًا طيّبًا وأبًا محبًّا لأولاده. في البداية رفضت شروق أن تخاطبه بالقول "أبي" لكنّها تقبّلته رويدًا رويدًا، أمّا عليّ فقد كان صغيرًا ولا يتذكّر والده لذلك كان تقبّل عطّاف أسهل عليه. كان عطّاف ذا قلب طيّب وكان دائمًا يحاول أن يفرحني. عندما كان يراني أبكي أو حزينة كان يحاول مساعدتي على نسيان ما حدث".
وتابعت: "رُزقت أنا وعطّاف بابن أسميناه قصيّ، وابنة أسميناها نعيمة، ولكنّه كان يحبّ أولادي أسوة بأولاده ويعامل الجميع معاملة متساوية. تحسّن الوضع كثيرًا وأخذت أحسّ أنّني أعيش معه حياة جديدة وأنّ الله عوّضني به ليملأ الفراغ الذي تركه مصلح، لكنّ سعادتنا لم تدُم إذ استُشهد عطّاف أيضًا. حدث ذلك حين كان في طريقه إلى منطقة مظاهرات العودة. تلك كانت المرّة الأولى والأخيرة التي يذهب فيها إلى هناك. قيل لنا إنّه أصيب قرب الشريط وإنّ الجيش أخذه ثمّ بعد ساعة واحدة أبلغونا بأنّه قُتل. حين سمعت ذلك أغمي عليّ وحين أفقت قلت للجميع إنّهم يكذبون وإنّه سيعود بعد قليل. كنت أبكي وأصرخ. في اليوم التالي تواصلت عائلة زوجي مع الصّليب الأحمر فأكّد لهم نبأ استشهاده".
وتؤكد تهاني: منذ أن استُشهد عطّاف حالتي النفسيّة صعبة جدًّا خاصّة بعد أن أبلغونا أنّ الجيش الإسرائيلي يحتجز جثمانه وأنّه لا يعتزم إعادتها حاليًّا. أريد أن أحتضن جثمان زوجي وأن أودّعه أنا والأولاد، نريد أن ندفنه في غزّة مثل كلّ الشهداء. إنّني أحترق من الدّاخل ما دام الحال مستمرًا هكذا. منذ أن قال لنا الصّليب الأحمر إنّ جثمانه موجود في ثلّاجة الموتى أفكّر فيه طيلة الوقت ويصعب عليّ النوم. ليتني أصل إلى تلك الثلّاجة وأفتحها وأعانق زوجي وألمس وجهه.
وتقول: قصي يقول لي كلّ يوم إنّه يريد أن ندفن والده لكي يستطيع معانقته ومن ثمّ زيارة قبره، نعيمة ما زالت لا تدرك ما يحصل، هي تعتقد أنّ والدها لا يزال حيًّا وأنّه سوف يعود إلينا، عندما تغضب منّي تتوعّدني بأنّها سوف تشتكيني لوالدها.
وتشير تهاني الى أنها تتلقّى الدّعم من جمعيّات تساعد الأرامل والأيتام وإنها تتدبّر أمورها على نحو ما، مضيفة: أقيم في منزل أهل زوجي وهذا صعب جدًّا عليّ، وحاولت العودة إلى أهلي ولكنّ أهل زوجي قالوا إنّني أستطيع أن آخذ معي فقط نعيمة الصغيرة ويظلّ بقيّة الأولاد عندهم، فعلت ذلك ولكنّني لم أتحمّل، بقيت عند أهلي خمسة أشهر ثمّ عدت إلى منزلهم لكي أكون مع أولادي.
وتختم تهاني بالقول: أتمنّى أن يعيدوا جثمان زوجي لكي أتمكّن من وداعه ودفنه ليهدأ قلبي قليلًا. حياتي بدون عطّاف مظلمة وحزينة. لقد كان البيت منوّرًا بوجوده والآن أفتقد ابتسامته وطيبة قلبه. الآن لا حبّ ولا حنان ولكنّني أصبّر نفسي وأتحمّل.