رام الله الإخباري
رام الله الاخباري:
كشف تحقيق صحفي كبير أجرته صحيفة "القدس" المحلية، عددا من الأساليب الملتوية، التي يلجأ إليها "تُجار الشنطة" الذين يداومون على التهريب بوسائل متعددة في ظل الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعانيه الشعب الفلسطيني.
ويظهر التحقيق أن تجارة السلع المهربة أصبحت في السنوات الأخيرة مصدر رزقٍ للكثير من المواطنين، وبشكلٍ خاص السجائر والتبغ بكافة أنواعه، خصوصًا أن أسعار السجائر والمعسل في الأردن تقل بنسبة 70% عن نظيرتها في فلسطين، بالإضافة إلى تهريب الطيور.
وحذر من أن المضبوطات من المُهرَّبات، التي تحوّلت إلى ظاهرةٍ يوميةٍ تتعامل معها المعابر، بالرغم من تشديد الإجراءات والرقابة، تدق ناقوس الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني، ويضطر الكثير من أبنائه إلى البحث عن بدائل لمجابهة ضغوطات الحياة.
وبحسب تقرير للجمارك الفلسطينية، فإن المعسل والدخان يحتلان الصدارة في قائمة أكثر السلع المهربة، حيث أوضح أن الكميات المصادرة لمنتجات التبغ لعام 2018 بلغت 90 ألف كروز سجائر و16700 كيلو معسل.
كما كشف تقرير إسرائيلي عام 2018 تسجيل 27 ألف عملية ضبط لمنتجات التبغ بقيمةٍ تُقدر بنحو 17,5 مليون دينار أردني.
وبحسب أحد تجار التهريب الذين تحدثت معهم الصحيفة، فإن الوضع الاقتصادي المتردي في فلسطين وارتفاع نسبة البطالة جعلاه يلجأ إلى تهريب السجائر.
ويقول للصحيفة: "قبل عامين تخرجتُ من جامعة بيرزيت بتقدير جيد جدًا، بحثتُ عن عمل، لكن دون جدوى، وعن طريق صديقي تعرفتُ إلى أحد تجار السجائر الذي أشار عليّ بفكرة تهريب الدخان الأردني إلى الضفة، وبعد عملي في تجارة تهريب السجائر أصبحتُ أرى أنها وسيلة جيدة لكسب المال والاعتماد على الذات، فللأسف لم تعد الشهادة الجامعية تؤتي ثمارها في الوقت الحالي".
ونقلت الصحيفة عن مساعد مدير الجمارك الفلسطينية إبراهيم الديك قوله، إن "الجزء الأكبر من التهريب يقوم به عادةً مسافرون معهم حقائب سفر أو من خلال إخفاء السجائر داخل ملابسهم، ويمرون بها حتى يصلوا إلى معبر الاحتلال الإسرائيلي، وبعد الخروج من الصالة ينقل العديد من المهربين تلك السجائر قبل الوصول إلى استراحة أريحا من خلال عدة وسائل، كنقلها بوسائل نقل تحمل لوحات إسرائيلية دون أن تمر على السلطات الفلسطينية".
ويذكر الديك أنه "في بعض الحالات يتم إدخال كميات من التبغ مع البضائع الأُخرى، وإن كانت حالات قليلة".
ووفقاً لمسح القوى العاملة الفلسطينية التابع للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن معدل البطالة بلغ 30,8% خلال عام 2018 من مجموع المشاركين في القوى العاملة في فلسطين، بواقع 25% بين الذكور مقابل 51,2% بين الإناث.
وخلال التحقيق، وجدت "القدس" أن الدخان المهرب يُباع لدى عدد كبير من أصحاب "البسطات" في مدينة الخليل، لافتة إلى أن هناك إقبالاً كبيرًا على تلك "البسطات" من قبل الأهالي، ويوجد لديهم زبائن دائمون.
وأعلنت دائرة الجمارك الفلسطينية أن هناك أساليب كثيرة لتهريب السجائر، مشيرة إلى أنه يتم إخفاؤه داخل أرغفة الخبز أو بين الملابس في الحقائب أو وضعه في أحزمةٍ حول أجساد المهربين أو داخل الأحذية، وفي بداية العام الجاري تداول ناشطون فلسطينيون لحظة ضبط الجمارك الفلسطينية كميةً كبيرةً من الدخان المهرب بحوزة أحد المسافرين بعد عودته من الأردن عن طريق معبر الكرامة.
ويؤكد مساعد مدير الجمارك الفلسطينية إبراهيم الديك أن هناك "جملة من الأسباب التي شجعت على ظهور تجار الشنطة الذين يغادرون إلى الأردن ويعودون في اليوم ذاته، كعدم تواجد الجمارك الفلسطينية مباشرة على المعبر من الجانب الفلسطيني وسيطرة الاحتلال على المعبر، وعدم تركيز الجانب الإسرائيلي على الكميات المهربة، وغض النظر عنها أحياناً أُخرى، فتلك الأمور شجعت على زيادة الكميات المهربة من السجائر إلى السوق الفلسطيني من خلال جسر الملك حسين".
ولا يقتصر أمر التهريب على السجائر فقط، كشف التحقيق أن هناك من يُهرب الطيور من الأردن إلى الضفة الغربية، معرضاً نفسه للمساءلة، وقد يصل الأمر إلى منعه من السفر إلى الأراضي الأردنية من قبل الأردن، أو الحبس ودفع غرامة مالية لدولة الاحتلال.
ونقلت الصحيفة عن أحد مهربي الطيور قوله: "نظراً للظروف المعيشية الصعبة في فلسطين، اتجهتُ إلى تهريب الطيور من الأردن إلى فلسطين، خصوصاً طائر الحسون، بالرغم من منع سلطات الاحتلال تهريب الطيور أو الاتجار بها وسيطرتها الكاملة على الثروة الحيوانية في فلسطين".
ويضيف: "في الماضي داومتُ على شراء طيور الحسون، التي تتميز بصغر حجمها وجمال شكلها وحسن صوتها، من الأردن، وبعد التأكد من خلوها من أي مشكلات صحية يتم تخديرها قبل مدة من نزولي إلى فلسطين، وأضعها داخل جوارب شفافة فيها فتحات تسمح بالتهوية كي لا تختنق الطيور، وألفّها حول منطقة البطن أو الرجل، وتتم عملية التهريب".
ويفيد أنه كان يشتري طائر الحسون بما يعادل (600 شيكل) ويقوم ببيعه في فلسطين بمبلغ يفوق خمسة الآف شيكل، أما الأنواع الأُخرى من الطيور فيشتريها بما يعادل خمسة عشر شيكلاً، ويبيعها بما يعادل مئتي شيكل".
ويذكر أن "أصحاب محال الطيور والأغنياء يفضلون طائر الحسون الأُوكراني، إذ يميلون إلى شرائه ووضعه في منازلهم كنوعٍ من الزينة".
ويعود سائد بذاكرته إلى الوارء ليروي لـ "القدس" أنه في كل مرة يسافر فيها إلى الأردن يهرّب قرابة العشرة عصافير كي لا يُفتضح أمره.
ويذكر أن "هناك عائلة كاملة في بلدته من رجال وسيدات يعملون على تهريب الطيور من الأردن إلى الأراضي الفلسطينية، وبطرقٍ وأساليب لا تخطر على البال".
ويلفت إلى "أن تناقص أعداد طائر الحسون، وكونه طائراً مُهدداً بالانقراض، ساهما في انتشاره في الأسواق غير الشرعية للتجارة بالطيور في أنحاء فلسطين".
وبحسب الاتفاقيات والقوانين الدولية، فإنه يُمنع الاتجار بالأنواع الحيوانية المهددة عالمياً بالانقراض، ووفقاً للقوانين الأردنية، وتحديداً القانون البيئي، يمنع الاتجار بالطيور المهددة بالانقراض، لكن، للأسف، اللوائح التنفيذية لهذا القانون غير مفعلة في فلسطين.
ويلفت إلى أن "القانون الفلسطيني يمنع التجارة وصيد الحيوانات والطيور البرية المهددة بالإنقراض، إلا أنّ العقوبات غير رادعة، ولا توجد قوانين أو مخالفات صريحة بهذا الصدد".
بدوره، يؤكد نقيب المحامين في دولة فلسطين جواد محمد عبيدات أن "السلع التي يتم إحضارها من دولٍ مجاورةٍ ولا يتم استيفاء الضرائب والجمارك المقررة تدخل في فصل التهريب، الذي يعاقب عليه القانون بمصادرة تلك السلع، وتغريم أصحابها".
ويلفت إلى أنّ "الضابطة الجمركية تعمل ليلاً ونهاراً من أجل ضبط عمليات التهريب، وفي الآونة الأخيرة تم تحصيل مئات الملايين للخزينة الفلسطينية، وهذا يصب في مصلحة الدولة الفلسطينية والمؤسسات والشركات التجارية العامة في فلسطين، فعمليات التهريب تؤدي إلى استنزاف الأموال العامة الفلسطينية من أجل مصالح ذاتية وشخصية، وتندرج تحت ما يُعرف بـ"الكسب غير المشروع".
ويؤكد عبيدات أن "المعابر والحدود تقوم في الآونة الأخيرة بتدقيقٍ غير مسبوقٍ على جميع أمتعة وحقائب المسافرين في محاولة لمنع تهريب السلع إلى فلسطين بطرقٍ غير مشروعة، لأنّ عمليات التهريب تلك تؤدي إلى تدمير الاقتصاد الفلسطيني"
القدس