رام الله الاخباري :
يصادف اليوم الخميس، 29 آب الجاري، الذكرى 32 لاغتيال رسام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي، ريشة فلسطين المقاتلة، والمدافعة بشراسة عن حق الفلسطيني في كل مكان من العالم، الريشة التي رسمت التشرد والمنافي والثورة والعمل المقاوم والاعداء والانتهازيين، الريشة التي ما عرفت يوما طريقا إلى فلسطين إلا طريق الكفاح والمواجهة والند.
ولد ناجي سليم حسين العلي في العام 1938 في قرية الشجرة الواقعة بين الناصرة وطبريا في الجليل الشمالي من فلسطين، وبسبب إرهاب العصابات الصهيونية اضطر للنزوح مع أسرته عام 1948 إلى مخيم عين الحلوة جنوب صيدا في لبنان.
في واحدة من الخيام، كان ناجي ووالده ووالدته وإخوته الثلاثة وأخته الوحيدة ينامون على حصيرة حملتها أمه معها في رحلة الهجرة عن القرية، كما حملت "بريموس" يعمل على الكاز وبعض الأغطية، وقد جمع والد ناجي العلي بعضا من صناديق الخشب ووضعها عند بوابة الخيمة وعرض عليها بعض المعلبات التي كانت توزعها الأونروا للبيع، ثم تطور الحال حيث جلب السكر والشاي وأنواعا من الخضار لتنمو بها تجارته، إلى أن أضاف إليها علب السجائر فيما بعد وأصبح يكسب منها قوت أسرته.
يقول في حوار أجرته معه الكاتبة المصرية الراحلة رضوى عاشور، عام 1984، في بودابست:
شخصية هذا الطفل الصغير الحافي هي رمز لطفولتي. أنا تركت فلسطين فى هذا السن وما زلت فيه. رغم أن ذلك حدث من 35 سنة، إلا أن تفاصيل هذه المرحلة لا تغيب عن ذاكرتي وأشعر أني أذكر وأعرف كل عشبة وكل حجر وكل بيت وكل شجرة مرت على في فلسطين وأنا طفل.
ويضيف حول حنظلة: "قدمته للقراء وأسميته حنظلة، كرمز للمرارة. وفي البداية قدمته كطفل فلسطيني، لكنه مع تطور وعيه أصبح له أفقه القومي ثم أفق كوني وإنساني.. وفي المراحل الأولى، رسمته ملتقيا وجها لوجه مع الناس، وكان يحمل الكلاشينكوف، وكان أيضا دائم الحركة وفاعلا وله دور حقيقي، يناقش باللغة العربية والانجليزية، بل أكثر من ذلك، فقد كان يلعب الكاراتيه.. يغني الزجل ويصرخ ويؤذن ويهمس ويبشر بالثورة".
هل سيكبر حنظلة؟ يقول ناجي: "سيظل في العاشرة حتى يعود الوطن. عندها فقط يكبر حنظلة، ويبدأ في النمو.. قوانين الطبيعة المعروفة لا تطبق عليه، إنه استثناء، لأن فقدان الوطن استثناء، وستصبح الأمور طبيعية حين يعود الوطن". ومتى يمكن رؤية حنظلة؟ يجيب ناجي: "عندما تصبح الكرامة غير مهددة، وعندما يسترد الانسان العربي شعوره بحريته وإنسانيته".
حياته المهنية في الصحافة:
في العام 1963 سافر ناجي العلي للعمل في مجلة الطليعة الكويتية في الكويت، وبدأ بنشر رسوماته الكاريكاتيرية على صفحاتها، وظل ناجي مواظبا على العمل في المجلة حتى العام 1968م، وهو العام التالي لتأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بزعامة جورج حبش في (11/12/1967) وقد شهدت الكويت عام 1968 موجة من الأحداث السياسية الساخنة قادتها تحركات المعارضة، وأقدمت الحكومة خلالها على ترحيل العديد من العرب العاملين في الصحف والمجلات الكويتية، إلا أن ناجي العلي غادر الكويت طوعا، خشية أن تقوم الحكومة الكويتية بتسفيره فلا يتمكن من العودة، وعندما عاد إلى لبنان تزوج من وداد نصر، وبعد أن هدأت التطورات السياسية في الكويت عاد إليها ناجي، والشيء المميز أثناء عودة ناجي العلي من الكويت إلى لبنان أنه تعرف على العديد من عناصر الجناح العسكري لحركة فتح (قوات العاصفة)، واطلع على مجموع العمليات التي نفذتها ضد الاحتلال الإسرائيلي، فألهبت هذه العمليات مشاعره الوطنية وتميزت رسوماته في تلك المرحلة بالمناداة للكفاح المسلح كوسيلة وحيدة لاستعادة الأرض، وما زاد من عنفوان المشاعر الوطنية لديه، الانتصار في معركة الكرامة.
بعد عودة ناجي إلى الكويت، سكن في حي الفروانية وهو من الأحياء الفقيرة، وفي تلك المرحلة نضجت مداركه السياسية لدرجة أصبح فيها متحدثا صلبا في الدفاع عن القضية الفلسطينية، وكان من كبار المؤيدين للرئيس جمال عبد الناصر وللثورة الفلسطينية، كما توثقت علاقات ناجي مع الشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي والصحافي حنا مقبل والروائي رشاد أبو شاور، وتحولت رسوماته إلى تأييد صريح للرئيس جمال عبد الناصر، مستنهضا الأمة العربية لإزالة آثار هزيمة الجيوش العربية في حرب الأيام الستة عام 1967.
وبعد أن أوقفت الحكومة الكويتية إصدار مجلة الطليعة، عمل ناجي العلي في صحيفة السياسة الكويتية حتى عام 1974 حيث عاد إلى لبنان ليعمل في صحيفة السفير، ثم عاد مرة ثانية ليعمل في صحيفة السياسة الكويتية حتى عام 1978، ثم رجع إلى لبنان ليعمل مرة أخرى في صحيفة السفير حتى العام 1983، عمل بعدها في القبس الكويتية والقبس الدولية.
أنتج أكثر من 40 ألف عمل فني، غير تلك التي منعتها الرقابة وظلت حبيسة الرفوف، وأعطى ثلاثة كتب في أعوام 1967، 1983، 1985، وعرضت أعماله في بيروت ودمشق وعمان وفلسطين والكويت وواشنطن ولندن، ويشكل "حنظلة" أشهر شخصيات رسوماته الكاريكاتيرية.
اغتيال العلي:
عند الساعة 5:13 بتوقيت غرينتش، يوم الأربعاء 22 يوليو/ تموز 1987، أوقف العلي سيارته على رصيف الجانب الأيمن لشارع ايفز جنوب غرب لندن، حيث مقر جريدة القبس الدولية. لم يكن ناجي يعلم أن قاتلا يترصده، ورغم التهديدات التي تفوق المائة حسب قوله، والتي كانت تنذره بالعقاب على رسوماته، وتلقيه معلومات وافية بأن حياته في خطر نظرا لأن الموساد الإسرائيلي قد جعله هدفا، إلا أن ناجي العلي لم يتخذ لنفسه أية إجراءات للحماية، لإيمانه القدري وفقا لمقولة: "الحذر لا يمنع القدر"، لذلك كان اقتناصه سهلا.
وما أن اقترب ناجي العلي من مخزن "بيتر جونز"، القريب من نقطة الاستهداف حتى اقترب منه القاتل الذي ارتدى سترة من الجينز والذي وصفه الشهود بأنه ذو شعر اسود أشعث وكثيف، وعندما سار في موازاته أخرج مسدسه وأطلق الرصاص باتجاه رأس ناجي العلي، ثم لاذ بالفرار.
نقل ناجي إلى مستشفى "القديس ستيفن" وهو خاضع لجهاز التنفس الاصطناعي، ثم جرى تحويله إلى مستشفى "الصليب تشارنج" وأدخل إلى قسم جراحة الأعصاب، ثم أعيد مرة أخرى إلى مستشفى القديس ستيفن.
ظل العلي يصارع الموت حتى يوم السبت 29-8-1987، وانتقلت روحه إلى بارئها في تمام الساعة الثانية فجرا، ودفن في مقبرة "بروك وود" الإسلامية في لندن، وحمل قبره رقم (230191).