في التقرير السنوي لسلطة النقد

"سيناريو متشائم" للاقتصاد الفلسطيني في 2019

thumb

رام الله الإخباري

أصدرت سلطة النقد التقرير السنوي لعام 2018، الذي يستعرض آخر المستجدات والتطورات الاقتصادية العالمية والإقليمية والمحلية، إضافة إلى تطورات مالية الحكومة، والقطاع الخارجي وميزان المدفوعات الفلسطيني، وكذلك تطورات القطاع المالي، بما في ذلك تطورات سلطة النقد، والقطاع المصرفي، والمؤسسات المالية غير المصرفية.

وأشار محافظ سلطة النقد عزام الشوا، أن إصدار هذا التقرير يأتي في مرحلة شهدت فيها الساحة الدولية والإقليمية العديد من التغيرات الاقتصادية والسياسية، التي تسببت في مزيد من الضغوط والتحديات على الاقتصاد الفلسطيني، وأدت إلى تراجع العديد من مؤشراته الاقتصادية والاجتماعية. 

وفي هذا السياق أظهر التقرير استمرار التباطؤ في الاقتصاد الفلسطيني للعام الثاني على التوالي، مع تعمقه في العام 2018 (كما تنبأت سلطة النقد بذلك في وقت سابق)، حيث وصلت نسبة النمو إلى 0.9% بالقياس إلى 3.1% في العام 2017 (ليبلغ الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي حوالي 13.8 مليار دولار) وذلك على خلفية استمرار انكماش الاقتصاد في قطاع غزة وتراجع زخم النمو في الضفة الغربية. ففي قطاع غزة تراجع النمو بنحو 6.9% ليضاف إلى تراجع آخر حصل في العام 2017 وبلغت نسبته 12.5%. في حين تباطأ النمو في الضفة الغربية إلى 3.1% مقارنة مع 8.5% في العام 2017.

وأضاف الشوا أن الأثر الفعلي لهذا الإداء قد انعكس في أكثر من جانب، وخاصة الدخل الفردي، الذي انخفض بنحو 1.7% عن مستواه في العالم 2017، ليبلغ 3,021 دولار. ففي ضوء هذا الأداء لم يتمكن الدخل الفردي في الضفة الغربية من النمو بأكثر من 0.8% (بلغ حوالي 4,188 دولار)، في حين انكمش الدخل مرة ثانية في قطاع غزة بنحو 9.5%، لينخفض إلى أدنى مستوى له على الإطلاق (1,431 دولار)، مشكلاً نحو ثلث مثيله في الضفة.

ورغم أن الاقتصاد في ظل هذا المستوى من الأداء لم يعاني من أية ضغوط تضخمية، وإنما من انكماش سعري، حيث تراجع مستوى أسعار المستهلك بشكل طفيف بنحو 0.2% (ارتفاع في الضفة بنسبة 0.4%، مقابل انكماش في القطاع بنسبة 1.3%)، إلا أنه عانى في المقابل من تزايد في معدلات البطالة إلى مستويات قياسية، حيث لا تزال مستويات البطالة المرتفعة تشكل أحد أبرز التحديات التي يعاني منها الاقتصاد الفلسطيني، وخصوصاً في قطاع غزة. فقد ارتفعت معدلات البطالة في فلسطين إلى 30.8% من إجمالي القوى العاملة مقارنة مع 28.4% خلال العام 2017، جراء ارتفاعها في قطاع غزة من 44.4% عام 2017 إلى 52.1% عام 2018، وبالرغم من تراجعها في الضفة الغربية من 18.7% عام 2017 إلى 17.6% عام 2018.

أما في مجال المالية العامة، فقد أشار المحافظ إلى أن الحكومة الفلسطينية قد عانت الكثير من الضغوط خلال العام 2018، جراء الانخفاض الملحوظ في الإيرادات، سواء ما تعلق منها بإيرادات المقاصة، أو بالمنح والمساعدات الخارجية، مما أدى بالمحصلة إلى تراجع الإيرادات العامة والمنح بنحو 4.1% مقارنة بالعام السابق (لتبلغ حوالي 15.3 مليار شيكل).

ورغم محاولات الحكومة التخفيف من تداعيات هذا الوضع، من خلال تقنين الإنفاق العام ونجاحها في خفض هذا الإنفاق بنحو 3.2% (ليبلغ نحو 14.1 مليار شيكل)، إلا أن محصلة هذه التطورات قد تمخضت عن ارتفاع العجز الكلي قبل المنح والمساعدات (على أساس نقدي) إلى حوالي 1.7 مليار شيكل، مقارنة مع عجز بقيمة 1.4 مليون شيكل في العام 2017، أي بارتفاع نسبته 22.9% عن عام 2017.

كما أسفر الوضع خلال العام 2018 عن تراكم متأخرات جديدة على الحكومة بنحو 514.8 مليون شيكل، ليبلغ إجمالي المتأخرات المتراكمة على الحكومة نهاية العام 2018 حوالي 12.7 مليار شيكل (تعادل نحو 3.4 مليار دولار، أو ما نسبته 23.3% من الناتج المحلي الإجمالي. لكن ومن ناحية ثانية، شهد الدين العام الحكومي (مقوماً بالدولار الأمريكي) انخفاضاً بنحو 6.8%، ليبلغ حوالي 2.3 مليار دولار (نحو 8.9 مليار شيكل)، أو ما يعادل 16.2% من الناتج المحلي الإجمالي.

كما نوه محافظ سلطة النقد إلى صعوبة الوضع أيضاً على صعيد القطاع الخارجي وميزان المدفوعات، جراء تزايد عجز الحساب الجاري في ميزان المدفوعات الفلسطيني بنحو 6.1%، ليصل إلى 1.7 مليار دولار، مشكلاً نحو 11.4% من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة مع 10.8% خلال العام 2017.

وعلى صعيد سلطة النقد والقطاع المصرفي، فقد أفاد المحافظ أنه وبالرغم من الظروف والأوضاع السياسية الصعبة التي نعيشها، استطاعت سلطة النقد خلال العام 2018 تحقيق مزيد من الإنجازات، على المستوى الرقابي والقانوني المنظم للقطاع المصرفي، ودعمه بالأنظمة الرقابية المختلفة؛ وعلى مستوى الشمول المالي وإطلاق الاستراتيجية الوطنية للشمول المالي؛ وعلى مستوى مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب؛ إضافة إلى توطيد علاقاتها العربية والإقليمية والدولية، لتعميق الروابط بين الجهاز المصرفي الفلسطيني ومحيطه الإقليمي والدولي.

وقد انعكست محصلة هذه الإجراءات كما أفاد المحافظ، بشكل إيجابي على المؤشرات الحيوية للقطاع المصرفي الفلسطيني، فارتفعت موجودات القطاع المصرفي بنسبة 1.7%، لتصل إلى 16.1 مليار دولار، بالتزامن مع تعزيز ثقة الجمهور في ظل سلامة وانضباط هذا القطاع وفقاً لأعلى المعايير المصرفية العالمية، والتي انعكست في تزايد حجم الودائع وبنسبة 2.0% لتصل إلى 12.2 مليار دولار، مع تحوّل في اتجاه توظيفها نحو الداخل عوضاً عن توظيفها في الخارج، فنمت المحفظة الائتمانية بحوالي 5.1%، لتبلغ حوالي 8.4 مليار دولار، كما واصلت حقوق ملكية القطاع المصرفي ارتفاعها بنسبة 1.1%، لتصل إلى 1.9 مليار دولار.

أما بخصوص الآفاق المستقبلية للاقتصاد الفلسطيني، فأوضح   المحافظ أن توقعات سلطة النقد تشير إلى استمرار التباطؤ في الاقتصاد خلال العام 2019 ليصل إلى نحو 0.5% مقارنه مع 0.9% في العام 2018 (وفق السيناريو الأساس)، متأثراً بشكل أساسي بافتراض استمرار الأزمة المالية التي تعاني منها الحكومة على خلفية أزمة المقاصة مع الجانب الإسرائيلي، واستمرار التراجع في حجم المنح والمساعدات الخارجية.

ويذكر أن "التقرير السنوي" لسلطة النقد يصدر بشكل دوري منتظم عن دائرة الأبحاث والسياسة النقدية، ليشكل مرجعاً أساسياً للمؤسسات البحثية والمهتمين بالشأن الاقتصادي الفلسطيني، لما يحتويه من تحليل معمق قائم على أحدث وأدق البيانات المتاحة.

وفا