اختتم مركز مسارات مؤتمره السنوي الثامن الذي استمر على مدار يومين بمناقشة التقرير الإستراتيجي "القضية الفلسطينية .. مسارات المستقبل وإستراتيجيات التغيير"، وذلك بمشاركة 30 متحدثًا، وحضور المئات من السياسيين والأكاديميين والباحثين، وممثلي الفصائل والقوى والمجتمع المدني والمرأة والشباب، من الضفة الغربية وقطاع غزة وأراضي 48 والشتات.
وناقش اليوم الثاني مستقبل السلطة ما بين البقاء والانهيار، والسيناريوهات الاقتصادية المستقبلية للفلسطينيين، والسيناريوهات المستقبلية في ضوء المتغيرات الإقليمية والدولية، إضافة إلى مناقشة التقرير الإستراتيجي الذي أعدته لجنة السياسات في مركز مسارات، والذي انطلق من الأهداف الإستراتيجية لكفاح الشعب الفلسطيني، ومن ثم الهدف الوطني المباشر، وتحديد الحلقة المركزية في المدى المنظور، التي يشكل الإمساك بها مفتاح إحداث تغيير إستراتيجي لصالح الشعب الفلسطيني وقضيته.
وينظّم المؤتمر برعاية كل من: صندوق الاستثمار الفلسطيني، وبنك القدس، ومؤسسة منيب رشيد المصري للتنمية، ومؤسسة الناشر للدعاية والإعلان، والدكتور محمد مسروجي، والدكتور عبد المالك الجابر، والدكتور نبيل قدومي، إضافة إلى رعاية إعلامية من شبكة وطن الإعلامية.
الجلسة الخامسة: مستقبل السلطة الفلسطينية بين البقاء والانهيار
في الجلسة الصباحية والخامسة من أعمال المؤتمر، التي أدارها كل من سلطان ياسين، عضو مجلس أمناء مركز مسارات، وصلاح عبد العاطي، مدير مكتب مسارات في قطاع غزة؛ تحدث فيها خليل الشقاقي، مدير المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، إضافة إلى عرض ورقة حول سيناريوهات مستقبل السلطة من إعداد خالد زين الدين وهنادي صلاح.
وقال الشقاقي إن السلطة الفلسطينية قد تنهار بسبب عوامل داخلية، فقد يؤدي كل من تفاقم الأزمات الاقتصادية والمالية، وعدم دفع الرواتب لفترة طويلة، وتحول الانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة إلى انفصال دائم، وفقدان الشرعية الانتخابية ... وغيرها، إلى مزيد من الإحباط والغضب الشعبي مؤديًا إلى إضرابات في القطاعين الخاص والعام، ومظاهرات، وعودة لظهور الميليشيات المسلحة، وقد يتصاعد هذا الاهتياج ليصبح احتجاجات شعبية واسعة، مضيفًا أن انهيار السلطة لن يكون إلا مسألة وقت في حال قررت إسرائيل تنفيذ خطوات عسكرية وقائية للاستيلاء على أسلحة السلطة لمنع وقوعها في أيدي الميليشيات المسلحة. وبالمثل، فإن أزمة داخل حركة فتح في فترة ما بعد عباس قد تؤدي إلى مزيد من التشرذم الذي سيؤثر على قطاع الأمن ويؤدي إلى ظهور أمراء الحرب وانهيار القانون والنظام.
وفي حال انهيار السلطة، أشار الشقاقي إلى أن الطرف الإسرائيلي هو المعني أولًا باتخاذ خطوات استباقية تقلل قدر الإمكان من المخاطر التي ستلحق بإسرائيل في حالة انهيار السلطة، بهدف منع تبلور حالة من الفوضى الشديدة وانهيار للنظام وانتشار للسلاح. أما في الجانب الفلسطيني، فإن من المرجح بروز محاولات لخلق مؤسسات وطنية بديلة تدين بالولاء لمنظمة التحرير أو للفصائل الوطنية والإسلامية المختلفة، إضافة إلى حاجة الفلسطينيين في الضفة لإيجاد هيئة تنظيمية بديلة عن السلطة للتعامل مع بعض هذه التداعيات بشكل يتيح لهم الاستمرار في الاعتماد على أنفسهم والحفاظ على مستوى معقول من بناء المؤسسات.
وبيّن الشقاقي أنّ البلديات والمجالس المحلية المنتخبة أحد أهم مصادر الشرعية السياسية والمجتمعية المتبقية للفلسطينيين، وفي حال تعديل قانون الحكم المحلي بحيث يضمن صلاحيات محلية أكبر لها على الشؤون الصحية، والتعليم، والتمويل، فإن من شأن ذلك أن يعزز قدرة هذه الهيئات للعب دور أكثر حيوية ليس فقط في تقديم الخدمات، بل أيضًا في المجال السياسي. وفي حال تنفيذ مثل هذا التعديل، ينبغي الطموح لتمكين وتقوية المجالس المحلية من خلال منحها درجة معقولة من الاستقلال المالي والإداري.
من جانبهما، عرض زين الدين وصلاح ورقتهما التي تفترض بأن وضع السلطة الفلسطينية ومستقبلها يتوقف على سياسة الولايات المتحدة من جهة، والموقف العربي والدولي من جهة أخرى، وموقف قيادة السلطة من جهة ثالثة.
وترجح الورقة سيناريو تحجيم دور السلطة للقيام بمهام أمنية تتعلق بالتنسيق الأمني، مع استمرار إسرائيل في الاستيطان، وسحب كافة مظاهر السيادة الفلسطينية الفعلية على الأرض، حتى في مناطق (أ)، إلا أنه ليس السيناريو المرغوب والأكثر فائدة لصالح القضية الفلسطينية والشعب الفلسطينية. أما السيناريو المرغوب فلسطينيًا فهو السعي قدمًا بدفع السلطة الفلسطينية إلى الأمام أكثر فأكثر وعدم تضيع الفرصة لاستكمال المشروع الوطني بإنشاء الدولة الفلسطينية على حدود العام 67.
وأشارت الورقة إلى أن الوصول إلى السيناريو المرغوب فلسطينيًا يتطلب وضع إستراتيجية سياسية تعمل على ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي وإتمام المصالحة، وإعادة إحياء مؤسسات منظمة التحرير، وإنهاء الاتفاقيات الاقتصادية والسياسية والأمنية مع الاحتلال، إضافة إلى الاستثمار في القرارات التي حصلت عليها منظمة التحرير، فضلًا عن إعادة بناء الثقة مع الفلسطينيين كافة وفي كافة أماكن تواجدهم.
الجلسة السادسة: السيناريوهات الاقتصادية الفلسطينية المستقبلية
في هذه الجلسة التي أدارها كل من فراس جابر، باحث مؤسس في مرصد السياسيات الاجتماعية والاقتصادي، ومازن العجلة، أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر؛ تحدث فيها عمر عبد الرازق، الوزير السابق، وأستاذ الاقتصاد المشارك في جامعة النجاح، وقدمت فيها ورقة حول السيناريوهات الاقتصادية أعدها كل من سعيد الآغا وهالة جفال.
وقال عبد الرازق إن المطلوب إستراتيجية جديدة، وبرامج جديدة لإصلاح اقتصادي واضح المعالم يضع العلاقة الاقتصادية مع إسرائيل في نصابها الصحيح، لا سيما أنها تريد القضاء على إمكانية الاستقلال الاقتصادي الفلسطيني واستمرار تبعيته وخضوعه للاقتصاد الإسرائيلي.
وأضاف: أن ذلك يتطلب تبني الأهداف الآتية: تعزيز القدرات الإنتاجية للاقتصاد الفلسطيني، وخاصة قطاعات الزراعة والصناعة والإنشاءات؛ واعتماد إستراتيجية بناء اقتصاد صمود ومقاومة؛ وتنويع الشركاء التجاريين وتقليص الاعتماد على الاقتصاد الإسرائيلي في التجارة الدولية؛ ومحاربة الفساد المالي والإداري والعمل الجاد للتحول إلى "الدولة التنموية"؛ ومعالجة الفقر معالجة تنموية، بما في ذلك اعتماد ما يعرف بـ "الأمن الغذائي" كهدف أساسي في سبيل تحقيق ذلك؛ والاهتمام بتطوير الخدمات الاجتماعية (التعليم والصحة والضمان الاجتماعي) كأداة تنموية تحقق التنمية البشرية؛ إضافة إلى اعتماد سياسة تقشفيىة جادة للإنفاق العام ولتقليص فاتورة الرواتب.
وأشار إلى أن تحقيق هذه الأهداف يتطلب اعتماد سياسات وإجراءات وخطط فورية وقصيرة المدى وبعيدة المدى، إذ إنه لا يمكن معالجة التشوهات العميقة التي يعاني منها الاقتصاد الفلسطيني بشكل فوري. كما لا بد من أن تكون هذه البرامج ضمن الصلاحيات التي تتمتع بها السلطة، وهي ضيقة في بعض المجالات (كالسياسة النقدية والسياسة التجارية)، ولكنها واسعة في مجالات أخرى (كالسياسة المالية والسياسة الاجتماعية والإصلاح الإداري والمالي).
وطرحت الورقة ثلاثة سيناريوهات: استمرار الوضع الحالي، وحصار اقتصادي للقبول بما يعرض من حلول سياسية، والانفصال عن الاقتصاد الإسرائيلي.
بدورهما، عرض كل من الآغا وجفال الورقة التي تناولت تأثير مسارات الوضع السياسي المتوقعة على قضايا رئيسية، التي يؤدي التغيّر فيها إلى تغيير مسار الاقتصاد الفلسطيني، عبر تحليل بعض المؤشرات الكلية، ودراسة سلوكها واتجاهها لتوقع أدائها في المستقبل.
واستعرضت الورقة ما وصل إليه الاقتصاد الفلسطيني من أداء بعد عشر سنوات من الخطط التنموية والأجندات الوطنية، فأصبح اقتصادًا يفتقد إلى الحيوية، عاجزًا عن توليد فرص عمل جديدة؛ بسبب القيود الإسرائيلية المختلفة وسياساتها على أرض الواقع، بالإضافة إلى استمرار التراجع في الدعم الدولي، وتعثر عمليات إعادة الإعمار، فضلًا عن التفاعلات السياسية المحلية والإقليمية والدولية.
وتستعرض الورقة ثلاثة سيناريوهات محتملة، يمثل الأول بقاء الوضع الراهن، ويتجه الثاني لعودة فرص التسوية، فيما يذهب الثالث لفرض الحلول الأحادية. ويلاحظ أن أفضل السيناريوهات الاقتصادية سوف يتكون في ظل ظروف سياسية غير مرغوبة فلسطينيًا.
الجلسة السابعة: السيناريوهات المستقبلية في ضوء المتغيرات الإقليمية والدولية
في هذه الجلسة التي أدارها كل من صلاح الخواجا، منسق الحملة الشعبية لمقاومة الجدار والاستيطان، ومخيمر أبو سعدة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر بغزة؛ تحدث فيها الباحث معين رباني، عضو مجلس أمناء مركز مسارات، إضافة إلى تقديم ورقة حول السيناريوهات المستقبلية في المتغيرات الإقليمية والدولية، أعدّها كل من: ربيع أبو حطب، وفاطمة القاضي، ومادلين الحلبي.
وتناول ربّاني العديد من المتغيرات في الساحتين الإقليمية والدولية التي تؤثر على القضية الفلسطينية، كما تطرق إلى التحولات على الساحة العربية، وبيّن أنّ أهم التحولات هو انهيار النظام العربي الرسمي، وعدم قدرته على تبني أي مواقف مشتركة، إضافة إلى التطبيع المتزايد مع إسرائيل، ومحاولة الدول المتنافسة في الإقليم كسب ودّ أميركا من بوابة إسرائيل.
وأشار إلى أن تدخلات الصين تنطلق من خلق توازنات في المجال الاقتصادي باستثناء ما يتعلق بالملف الإيراني، أما روسيا فأصبحت تلعبًا دورًا مركزيًا في آخر عشر سنوات، وهو دور مختلف عن الاتحاد السوفييتي، إذ تحاول صنع علاقات جيدة مع الجميع، مع إسرائيل وفلسطبن، ومع إيران والسعودية، ومع تركيا وسوريا. أما الدور الأوروبي فهو لم يتطور ليكون له وزن كالدور الأميركي.
وتطرق ربّاني إلى الدور الأميركي الذي انتقل من احتضان ودعم الحكومة الإسرائيلية، إلى احتضان الأجندات الإسرائيلية الأكثر تطرفًا، موضحًا عدم وجود خطة أميركية، فالخطة هو ما ينفذ على الأرض من سياسات أميركية وإسرائيلية، ومشيرًا إلى أن هدف السياسة الإسرائيلية والأميركية أكثر من تصفية القضية الفلسطينية، وهو إعادة صياغة القانون الدولي حول قضايا سياسية مركزية، ما يدمر أي مؤسسات دولية وقانون دولي، فالمعيار الدولي هو القوة الأميركية، وهل أنت مع أو ضد أميركا. فهناك في أميركا إجماع على الأجندة الإسرائيلية أكثر من الدعم الحرب على إيران أو تغيير النظام في فنزويلا، فالوضع الفلسطيني يشكل حقل تجارب لأجندات عالمية.
وطالب رباني بالعمل على تحويل القضية الفلسطينية كخط دفاع عن النظام الدولي والمؤسسات والقانون الدولي، وإعادة بنائها كقضية عالمية.
بدورهم عرض كل من الحلبي وأبو حطب والقاضي ورقتهم التي تطرقت إلى التحولات السياسية في الفترة الأخيرة، والتي كان لها الأثر الكبير في رسم خريطة العلاقات والتحالفات في العالم بشكل عام، وعلى مسار القضية الفلسطينية وإنهاء الصراع العربي "الإسرائيلي" بشكل خاص.
وأوصت الورقة بإعطاء الأولوية لإنهاء الانقسام، وضرورة الاتفاق على برنامج وطني موحد لمواجهة الصفقة على الأرض، ومحاولة منع أي خطوات ممكن أن تمهد لإتمامها تحت سيف الحاجات، والعمل على وقف مسار التطبيع العربي بكافة الوسائل الرسمية والشعبية، وتصعيد حالة الاشتباك الشعبي، والعمل على استعادة الارتباط والالتحام بالجماهير العربية، لا سيما في الدول الرافضة للصفقة ومؤتمر البحرين، إضافة إلى العمل ضمن محددات المرحلة النضالية الراهنة من خلال تنفيذ قرارات المجلس الوطني الفلسطيني.
الطاولة المستديرة: عرض ومناقشة التقرير الإستراتيجي "القضية الفلسطينية .. مسارات المستقبل وإستراتيجيات التغيير"
أدار الطاولة المستديرة كل من خالد الحروب، أستاذ الدراسات الشرق أوسطية والإعلامية في جامعة نورث ويسترن في قطر، والناشط المجتمعي إبراهيم الشطلي، وعرض خليل شاهين، مدير البرامج في مركز مسارات، التقرير الإستراتيجي، في حين عقب عليه كل من: عماد الآغا، القيادي في حركة فتح، وباسم نعيم، القيادي في حركة حماس، ورئيس مجلس العلاقات الدولية، وخالد البطش، عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي، وسمير أبو مدللة، عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، والقيادية الفلسطينية خالدة جرار، وعايدة توما، عضو الكنيست عن الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة.
وقال شاهين إن التقرير الإستراتيجي يركز على أشكال التدخل/السياسات الأكثر فعالية لتحقيق أهداف الحلقة المركزية، باعتبارها نقطة البداية في استنهاض الحالة الوطنية والشعبية الفلسطينية باتجاه التأثير على اتجاهات المسارات المستقبلية، بما يكفل معالجة عناصر الضعف وتعظيم عناصر القوة الكفيلة بإفشال السيناريوهات السيئة، وتوفير مقومات تحقيق السيناريو/الخيار المفضل فلسطينيًا، بحيث تكون المهمات المباشرة وآليات التنفيذ ذات العلاقة بالحلقة المركزية بمنزلة خطة مقترحة للعمل الوطني على المدى القريب، توضع أمام المعنيين بعملية صناعة القرار الفلسطيني على المستويات الرسمية والوطنية والشعبية.
ويستند التقرير في سعيه للإجابة عن سؤال "ما العمل؟" إلى السيناريوهات المتوقعة في نطاق المدى الزمني الذي يتناوله حتى العام 2025، ويعطي الأولوية لإستراتيجيات التغيير المطلوبة في المدى المنظور، في ضوء غياب اليقين السياسي تجاه المستقبل، أي في ظل انسداد أفق التسوية السياسية، سواء وفق "حل الدولتين" أو "الدولة الواحدة" من جهة، وسيناريو استمرار الوضع القائم من جهة أخرى، باعتباره سيناريو مفتوحًا على متغيرات لا تزال تخضع لعلاقات القوة المختلة لصالح تعميق منظومات السيطرة الاستعمارية الاستيطانية العنصرية.
وطرح التقرير أربعة سيناريوهات للحالة الفلسطينية، وهي: سيناريو استمرار الوضع الراهن المفتوح على التحول نحو سيناريوهات أخرى في ظل انتقال إسرائيل وإدارة ترامب من مقاربة إدارة الصراع إلى مقاربة حسم الصراع، وسيناريو العودة إلى أوهام التسوية السياسية المستبعد في ظل الظروف الراهنة والموقف الفلسطيني الرافض لصفقة القرن، وسيناريو فرض خطوات أحادية الجانب تشمل المزيد من الوقائع الاستعمارية الاستيطانية على الأرض بضم أجزاء من الضفة الغربية، وسيناريو الخلاص الوطني، وهو السيناريو الذي يتوجب اعتماده باعتباره الخيار المفضل فلسطينيًا.
وتضمن التقرير متطلبات إنجاز مهمات الحلقة المركزية القائمة على إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية على أساس رزمة شاملة، تتضمن بلورة رؤية وإستراتيجية وشراكة حقيقية وديمقراطية توافقية، بما يخدم إحداث تغيير في موازين القوى على طريق إنجاز المشروع الوطني التحرري، وبما يشمل التوافق على البرنامج السياسي، وإعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير، وإعادة النظر في شكل السلطة ووظائفها.
ويرى التقرير أن النجاح في إنجاز المهمات المباشرة الخاصة بالحلقة المركزية وفق خطة تدريجية تراكم الإنجاز تلو الآخر، سيكون بمنزلة حدث مؤسس في مسار الكفاح الوطني، يضع الحالة الفلسطينية أمام نقطة تحول باتجاه استعادة إطار الصراع التحرري في مواجهة نظام السيطرة الاستعمارية الاستيطانية.
وأضاف التقرير: إن التركيز على توفير متطلبات إنجاز مهمات الحلقة المركزية لا ينبغي أن يتجاهل تعزيز مساحات العمل الفلسطيني المشترك في مواجهة المخاطر والتحديات المتعاظمة حتى في ظل الانقسام، وهو ما يتطلب التحرك العاجل لوضع برنامج عمل مباشر يتم تنفيذه بالتزامن والتوازي مع الخطوات المطلوبة لإنهاء الانقسام وإعادة بناء الوحدة الوطنية، وبما يُشكل رافعة لدفع هذه العملية إلى الأمام.
بدوره، طالب البطش بإعادة الاعتبار لخيار التحرير وتفعيل كل خيارات المقاومة في مختلف التجمعات، وخاصة في الضفة الغربية، والاستفادة من تجربة مسيرات العودة، ودعا إلى العمل على إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة من خلال عقد لقاء وطني يجمع الرئيس مع الأمناء العامين للفصائل للاتفاق على آلية لتحقيق الوحدة، وإعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير، إضافة إلى سحب الاعتراف بإسرائيل بكل وضوح، وقطع العلاقة بأوسلو، ويجب أن يكون هذا ورقة قوية بيد المنظمة والسلطة.
وأشاد نعيم بما يصدره مسارات من تقارير لإنقاذ الوضع الفلسطيني، لكنه أشار إلى عدد من الملاحظات العامة والخاصة على التقرير، منها ما هو يتعلق بتركيز التقرير على السلطة وهاجس انهيارها، وكأنها مركز الثقل في عملنا الفلسطيني، إضافة إلى ملاحظته بأن التقرير غيّب المقاومة كعمود فقري للمشروع الوطني، فضلًا عن عدم وضوح أهمية المراجعة الوطنية للمرحلة السابقة للخروج من المأزق، وبدء التقرير في تحليله للنقطة التي يقف عندها الفلسطينيون اليوم من الواقع الإسرائيلي وليس الفلسطيني.
وأشار الآغا إلى تأثير تراجع الموقف العربي، والتطرف الإسرائيلي، والسياسية الأميركية، على القضية الفلسطينية، الأمر الذي يجعل من السيناريوهات الثلاثة المطروحة على المستوى الفلسطيني متشابهة وواقعة. أما نحن الفلسطينيين فبحاجة إلى الخيار الرابع، الذي يقوم على أهداف وطنية، داعيًا إلى توحيد القوى الفلسطينية، ومواجهة سياسة التقسيم التي ينتهجها الاحتلال.
من جانبها، أشادت جرار بالجهد المبذول في إعداد التقرير الإستراتيجي وأهمية تحديده للحلقة المركزية المتمثلة بإنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة، وتركيزه على المهمات العاجلة. وطالبت باستنهاض الحالة الوطنية من خلال لقاء وطني فلسطيني جامع لوضع إستراتيجية صمود ومقاومة في مواجهة المشاريع التصفوية، وعلى رأسها صفقة القرن، وإلى تعزيز الجانب الديمقراطي لمنظمة التحرير من خلال إجراء انتخابات للمجلس الوطني أينما أمكن وبالتوافق حيثما يتعذر ذلك، وكذلك من خلال توفير قواسم مشتركة لتعزيز الوحدة، إضافة إلى التركيز على الشعب وتعزيز العمل الشعبي، وتبني خطة اقتصادية تتضمن تعزيز صمود المواطنين.
من جانبها، اعتبرت توما أن التقرير جيد من حيث رؤيته الإستراتيجية وصياغته، ونوهت إلى أن سيناريو الوضع الحالي هو ما يجري من فرض خطوات استعمارية استيطانية أحادية الجانب من الحكومة اليمينة الإسرائيلية، في ظل التماهي ما بين الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأميركية الحالية، موضحة أن مشروع اليمين الإسرائيلي تطبق حكومة نتنياهو جزءًا منه، في حين تطبق الإدارة الأميركية جزءًا آخر، وتمثل ذلك بنقل السفارة والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، مشيرة إلى أهمية "القائمة المشتركة" كإطار وحدوي وطني لفلسطينيي 48، يجب العمل على تدعيمه بالوحدة والعمل الشعبي المشترك، بما يمكِّننا من تجاوز الوضع الراهن الذي أضعف القائمة المشتركة في السابق.
بدوره، طالب أبو مدللة باتخاذ خطوات عملية بخصوص التوجه إلى الأمم المتحدة، للحصول على العضوية الكاملة، وطلب الحماية، وعقد مؤتمر دولي للسلام وفق قرارات الشرعية الدولية، كما دعا إلى تطبيق قرارات المجلسين المركزي والوطني، لجهة إعادة النظر في العلاقة مع إسرائيل، ووقف التنسيق الأمني، وتصعيد المقاومة الشعبية، إضافة إلى تنفيذ اتفاقات المصالحة الموقعة.
وفي تعقيبه على الملاحظات، قال شاهين إن التقرير هو مسودة مطروحة للنقاش، كما هو حال الأوراق المرجعية والشبابية، وسيتم تطوير كل منها في ضوء الملاحظات التي طرحت خلال أعمال المؤتمر. وأوضح أن التقرير استند إلى أكثر من 13 ورقة تضمنت مؤشرات ومعطيات وفق منهجية علمية ومهنية في التحليل الإستراتيجي، ومن المفيد الاطلاع عليها أيضًا عند قراءة التقرير الإستراتيجي.
وحذر من خطورة الخلط بين سيناريو انهيار السلطة والدعوة لتبني خيار إعادة النظر في شكلها ووظائفها، أو حتى بعض الدعوات التي تنادي بتبني خيار حل السلطة الذي لا يتبناه التقرير، وبخاصة أن الانهيار ليس خيارًا فلسطينيًا، ولا ينبغي الاستهانة بتبعاته على الشعب الفلسطيني، وهو سيناريو كارثي يتم بفعل الضغوط المعادية على الشعب والقيادة ومؤسسات السلطة. أما الخيارت الأخرى فهي خاضعة للنقاش إذا تضمنت بناء البديل الوطني، وبخاصة عبر استعادة مكانة ودور منظمة التحرير، موضحًا أن التقرير يدعو إلى تغيير شكل السلطة ووظائفها، وأن تكون سلطة مجاورة للمقاومة بأشكالها المختلفة، ولا يطالب ببقاء كل من السلطتين بشكلهما ووظائفهما الراهنة، سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة.