رام الله الإخباري
قرب الجدار الذي يسرق ويعزل أكثر من 4 آلاف دونم من أراضي بلدة الزاوية (17 كم) غرب سلفيت، تحبو الحاجة حمدة أبو نبعة (85 عاما) على الأرض، بعد أن أنهكها
الزمن والشقاء، تستعين بيديها على المشي للوصول إلى أرضها المهددة بالمصادرة، والمحاطة بالأسلاك الشائكة والأبراج العسكرية والبوابات الحديدية.
بيدين لم تعرفا يوما غير جني الثمار والحصاد وقلع الأشواك وتنظيف الحجارة، تُمسك أبو نبعة السلك الشائك، في نظرة حسرة على مئات الدونمات التي تحولت لخراب وتآكلت، اهترأت أشجارها بفعل منع الاحتلال أصحابها من الوصول الدائم والمنتظم إليها، وفي بعض الأحيان حرمانهم للأبد من دوسها.
ولأن الاحتلال لا يُفرق بين حمار يستعين به صاحبه على فلاحة أرضه في بلدة الزاوية غرب سلفيت، وبين بقرة ترعى العشب في الأغوار، فالأول يحتاج تصريح عبور، والثانية لا تدري متى ينفجر لغم أرضي يفرقها عن الجمع، ميتة.
قبل ثلاثة أيام، أوقف جنود الاحتلال المتواجدون على إحدى البوابات الحديدية المنصوبة على الجدار الفصل العنصري، غرب وشمال البلدة، عدداً من المزارعين، وطلبوا منهم إظهار تصاريح العبور لدوابهم!
المزارع كمال رداد، طلب منه الجنود أن يعيد الحمار، فأجابهم: ماذا أفعل إذا لم يدخل الحمار؟ جئت به للحراثة، وأحتاج دابة تقلني في الذهاب والعودة لأرضي.. متسائلا أمام الجنود بسخرية ضاحكة: تصريح للجحش؟!!!
حمار المزارع أحمد شقير (63 عاماً) أيضاً اضطر للوقوف جانبا بانتظار السماح له بالعبور، أو ارجاعه من حيث أتى.
شقير، قال للوكالة الرسمية : أعمل مزارعا منذ 40 عاما تقريبا، وأتذكر جيداً شكل الأرض قبل المصادرة والمنع والجدار، كانت دائما تعطي وتنتج، لكنها اليوم أشبه بالأرض الخراب، يسمح لنا الاحتلال بالدخول إليها مرة واحدة فقط في الأسبوع، ولعدة ساعات (ما بين 4-5 ساعات).
وأضاف: قبل الجدار كنا ندخل إليها يوميا، ونعمل بها طيلة النهار، الآن الأرض ملأى بالعشب والشوك، وهو ما انعكس على انتاجها وبخاصة الزيتون، والذي يحتاج رعاية مكثفة.
الحاجة حمدة أبو نبعة، قالت: يتلاعب الجنود بنا، فمرة يسمحون لدوابنا بالمرور، وأخرى يوقفونها ويطلبون منا المرور دونها، يريدون لنا أن نترك أرضنا، من أجل أن يقوموا بالاستيلاء عليها، وبناء مستوطناتهم بكل أريحية.
أبو نبعة.. كانت العصافير تلعب في أرضنا
تعود الذاكرة للحاجة حمدة إلى زمن طفولتها وشبابها قبل شروع الاحتلال بناء الجدار عام 2003، فتقول وكأنها تغني تهليلة فلسطينية: "قَبِل، كانت العصافير تلعب لعب في أرضنا، عصافير بكل الأشكال والألوان، كانت الأرض فُرجة بتبسط".
وتضيف: الزيتون يَبِس، وتدنت انتاجيته لأكثر من 80% بفعل قلة العناية الناتجة عن منعنا من الوصول لأراضينا، وهناك أراضٍ لعائلات مختلفة لم تعد صالحة لشيء بعد تراكم سنوات عديدة عليها دون تعشيب وتنظيف وحراثة. قبل الجدار، كنت أعمل أنا وزوجي بالأرض، فنقوم ببناء سلاسل حجرية وتعشيب وتقليم ورش، اليوم تبدلت ملامحها وملأها الاحتلال علامات وإشارات وقضبان حديدية.
وتوضح: منذ ستة أشهر وهم يمنعونني من دخول أرضي في واد الهربة وواد ابو اسماعيل، بحجة انتهاء تصريحي، ويرفضون إعطائي تصريح، رغم أنني لست بحاجة إليه، فعمري يقترب من الـ90 عاماً، حتى أنهم يمنحونني تصريح لدخول القدس، ويرفضون ذلك حين يتعلق الأمر بأرضي.
"تعرضت لوعكة صحية قبل عدة سنوات ودخلت إلى المستشفى لمدة أسبوعين، وكل فترة يتعب جسدي وتتعب نفسيتي وأرتمي في الفراش لعدة أيام، بسبب أرضي، لا أستطيع العيش دون تلك الأرض، سأموت وأنا أعمل بها وأحاول الوصول إليها، ما بتركها ولا بنكرها." تقول حمدة.
الاحتلال طوّق البلدة من ثلاث جهات بالاستيطان والجدار والبؤر العسكرية والطرق الالتفافية. في تموز 2018، صادقت "الإدارة المدنية" التابعة لجيش الاحتلال على مخطط مجلس المستوطنات بالضفة الغربية المحتلة، والقاضي بإقامة مقبرة جديدة للمستوطنين على أخصب أراضي البلدة، وتبتلع ما بين 140- 177 دونما من المنطقة الغربية للبلدة.
وسبق أن سيطر الاحتلال على عشرات الدونمات لإقامة حاجز عسكري، وتم إصدار قرار عسكري من أجل إقامة نقطة عسكرية على تلة مرتفعة تحت حجج أمنية.
وفي العام 1967 استولت شركة المياه التابعة للاحتلال والمسماة "ميكروت" على بئر مياه بعمق 285 مترا جنوب بلدة الزاوية، وعملت على استغلاله وحرمان أصحابه منه.
وبحسب مركز ابحاث الأراضي تعتبر الزاوية من البلدات الفلسطينية التي شهدت وتشهد حملة منظمة من قبل الاحتلال الإسرائيلي، حيث فقدت البلدة لصالح الاستيطان والجدار (1747) دونماً
حيث تم مصادرة 573 دونماً، لصالح مستعمرة " الكانا" التي تأسست عام 1977، كما تم مصادرة 520 دونماً لصالح الطريق الالتفافي رقم (5). وفي عام 2003 أقام الاحتلال جداراً عنصرياً على أراضي القرية مما أدى إلى تدمير (597) دونماً تحت مساره، هذا بالإضافة إلى انه عزل (4228) دونماً، من المساحة الإجمالية للبلدة والتي تبلغ 12 ألف دونم.
وكالة وفا