وجه بيير كرينبول، المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا)، رسالة مفتوحة موجهة بالأساس للاجئين الفلسطينيين، وذلك بعد قرار الولايات المتحدة الأميركية بوقف الدعم الكامل لـ (أونروا).
وإليكم نص هذه الرسالة :
في الحادي والثلاثين من آب، أعلنت الولايات المتحدة بأنها لن تقدم أي تمويل إضافي لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (الأونروا). وإنني أعرب عن عميق أسفي وخيبة أملي لطبيعة هذا القرار الأميركي – الذي يؤثر على واحدة من أقوى وأجدى الشراكات في المجالات الإنسانية والتنموية – مثلما أرفض وبلا تحفظ النص المصاحب لذلك القرار.
بداية، أود أن أنقل – بثقة وبتصميم راسخ – للاجئي فلسطين في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وفي غزة والأردن ولبنان وسوريا، بأن عملياتنا ستستمر وبأن وكالتنا ستبقى. إن في صميم مهمتنا تقبع كرامة وحقوق مجتمع شديد الضيق وغير مستقر بشكل كبير. إن قرار التمويل من دولة واحدة عضوة – على الرغم من أنها تاريخيا الأكثر سخاء وثباتا – لن يقوم بتعديل أو بالتأثير على الطاقة والشغف اللتان نتعامل بهما مع دورنا ومسؤوليتنا تجاه لاجئي فلسطين. إنها لن تؤدي إلا إلى تعزيز عزيمتنا.
وأؤكد لزملائي – فلسطينيين ودوليين على حد سواء – بأننا سنلزم أنفسنا بكل ذرة من الطاقة والإبداع لمواصلة تلبية احتياجات المجتمع والمحافظة على خدماتنا الحيوية. إن كل موظف سيكون على رأس عمله وسيحافظ على منشآتنا مفتوحة وآمنة. وإنه لمن المهم جدا إظهار أقوى شعور بالوحدة والهدف.
إن تاريخ (الأونروا) الجدير بالملاحظة مؤلف من الملايين من أفعال بعيدة عن المصالح الذاتية وتتسم بالشجاعة في واحدة من أكثر مناطق العالم استقطابا وأشدها شحنا للعواطف. وإنني فخور وأتشرف بقيادة هذه الوكالة الحيوية، وأود أن أقدم التحية للعشرات من الزملاء الذين فقدوا حياتهم في السنوات الأخيرة، وتحديدا في غزة وسوريا والضفة الغربية.
لقد تم تأسيسنا في عام 1949 من أجل تقديم المساعدة وحماية حقوق لاجئي فلسطين، إلى أن يتم التوصل إلى حل عادل ودائم لمحنتهم. لقد كان ذلك – ولا يزال راسخا – تعبيرا عن الإرادة الجماعية للمجتمع الدولي ولطالما أشادت الجمعية العامة للأمم المتحدة وبشكل مستمر بالنتائج التي تحققها الوكالة على صعيد التنمية البشرية وعملت على تمديد مهام ولايتها. وقد وصف البنك الدولي نظامنا التربوي بأنه "منفعة عامة عالمية".
إن الحاجة إلى عمل إنساني تنشأ جراء العنف الشديد والألم والمعاناة والظلم الذي تسببه الحرب. وفي حالة لاجئي فلسطين، فإن تلك سببها التشريد القسري ونزع الملكية وفقدان البيوت وسبل المعيشة، علاوة على انعدام الدولة والاحتلال. وبغض النظر عن عدد المحاولات التي تم القيام بها من أجل تقليص أو نزع شرعية التجارب الفردية والجماعية للاجئي فلسطين، فإن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها تبقى أنه لديهم حقوقا بموجب أحكام القانون الدولي وأنهم يمثلون مجتمعا قوامه 5,4 مليون رجل وامرأة وطفل لا يمكن ببساطة القيام بالغاء وجودهم.
إن المسؤولية حيال الطبيعة التي طال أمدها للجوء الفلسطيني، والعدد المتزايد من اللاجئين ونمو الاحتياجات تقع بشكل واضح على عاتق غياب الإرادة أو عدم القدرة المطلق للمجتمع الدولي وللأطراف على التوصل إلى حل تفاوضي وسلمي للنزاع بين إسرائيل وفلسطين. إن محاولة جعل (الأونروا) إلى حد ما مسؤولة عن إدامة الأزمة، هي محاولة غير منطقية في أحسن الأحوال.
وللأسف، فليس هنالك شيء فريد في الطبيعة التي طال أمدها لأزمة لاجئي فلسطين. إن اللاجئين في اماكن مثل أفغانستان والسودان والصومال والكونغو وغيرها قد عانوا أيضا من عقود من التشريد وغياب للحل. إن أطفالهم وأحفادهم يتم الاعتراف بهم وبشكل مشابه كلاجئين وتتم مساعدتهم من قبل مفوضية الأمم المتحدة السامية للاجئين. إن الالتزام بمواصلة خدمة المجتمعات المتضررة جراء الحرب إلى أن يتم التوصل إلى حل يكمن في صلب مبدأ الإنسانية وقواعد القانون الدولي لوحدة العائلة. إن السبب هو الفشل في إنهاء النزاعات التي تعمل على إطالة أوضاع اللاجئين وتحرمهم من خيار تحديد مستقبل كريم لهم.
وفي كانون الثاني من عام 2018، أعلنت الولايات المتحدة بأن تبرعاتها السنوية للأونروا ستكون 60 مليون دولار. لقد اقرينا هذا التمويل الهام في ذلك الوقت ولكننأ أيضا سلطنا الضوء على حقيقة أن ذلك المبلغ يمثل تخفيضا بمقدار 300 مليون دولار في الدخل، الأمر الذي عرض منظمتنا لأزمة وجودية. ولم يتم إبلاغنا في أي وقت مضى على مدار الشهور الثمانية الماضية بالأسباب المحددة للتقليص المهول.
لقد ظهر واضحا على أية حال بأنه متصل بالتوتر بين الولايات المتحدة وبين القيادة الفلسطينية في أعقاب الإعلان الأميركي بشأن القدس وليس له علاقة بأداء الأونروا. وهو لذلك يمثل تسييسا واضحا للمساعدات الإنسانية. والإعلان الذي صدر بالأمس يشكل تحديا إضافيا لمبدأ أن التمويل الإنساني ينبغي أن يبقى بعيدا عن التسييس. وإنه يخاطر بتقويض أسس النظام الدولي متعدد الأطراف والنظام الإنساني.
إنه خروج جذري من حوالي سبعة عقود من الدعم الأميركي الصادق – وإن كان حرجا في بعض الأحيان – لوكالتنا وهو غير متسق مع اتفاقية التعاون الموقعة في كانون الأول 2017 بين الولايات المتحدة وبين الأونروا والتي اعترفت الولايات المتحدة فيها بمتانة ومصداقية إدارتنا للمنظمة وبمواردها وبالكيفية التي نقوم بها بالاستجابة لتحدياتنا التشغيلية والأمنية والمالية المتعددة.
إن التزامنا بالمساءلة وبالانضباط المالي الصارم والقوي وبتحديد الأولويات وبالتصرف بشكل حاسم في الوقت الذي تم الطعن بحيادية الوكالة تعد مسائل لها سجل عام. وفي عام 2018، قامت الأونروا بتطبيق تدابير إدارية صارمة كمساهمة ضرورية خاصة منها للتغلب على الأزمة المالية.
وقد حققنا أيضا نتائج واضحة على صعيد تنويع وتوسيع شراكاتنا. وأود هنا أن أعرب عن تقديري العميق لأكثر من خمس وعشرين دولة قامت بتسريع صرف تبرعاتها السنوية المتوقعة في وقت سابق من هذا العام لمساعدتنا في استدامة عملياتنا. كما وأود أن أعرب عن تقديري العميق أيضا للمانحين الثلاثين الذين قدموا تبرعات إضافية لموازنة الأونروا الرئيسة وأنشطتها الطارئة لهذا العام وأولئك الذين وقعوا اتفاقيات جديدة متعددة السنوات معنا.
أود ان اشير على وجه الخصوص الى التبرعات السخية التي وفرتها دول الخليج العربي وتحديدا كل من دولة قطر والمملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة ناهيك عن الدعم التاريخي لدولة الكويت.
إننا لا نزال بحاجة ماسة إلى أكثر من 200 مليون دولار من أجل النجاة من أزمة هذا العام، وندعو كافة المانحين إلى إدامة الحشد الجماعي من أجل النجاح في هذا المسعى الحاسم.
وإنني مدين للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لثقته وقيادته جهود التعبئة لوكالتنا. وأود أن اعرب عن خالص شكري لجميع الدول المضيفة على جهودهم الدؤوبة، مثلما هو واضح وبقوة من قبل المملكة الاردنية الهاشمية ومن قبل فلسطين. كما أن الالتزام الذي أبدته كل من مصر وتركيا على التوالي كرؤساء متعاقبين للجنة الاستشارية للأونروا معترف به أيضا.
وعندما قمنا ببدء السنة الدراسية في موعدها هذا الأسبوع – وبدعم رائع من شركائنا – وعاد 526,000 صبي وفتاة إلى غرفهم الصفية في 711 مدرسة تابعة لنا في المنطقة، فقد كانت تلك اللحظة مدعاة للاحتفال والفخر والأمل.
وعندما يتعلق الأمر بالحق في التعليم وبتمكين الفتيات الصغيرات وبتنمية مهارات التفكير الناقد وتعليم حقوق الإنسان والتسامح، فإن الأونروا لا تقدم مجرد وعود كلامية. وليس هنالك أي شيء اصطناعي في التزامنا بالمحافظة على الفرص والحقوق. نحن نقوم بالعمل بشكل ملموس على هذه الجبهات الأمامية الصعبة، وملتزمون بدعم نزاهة مهام ولايتنا ونسعى وراء معايير عالية في خدماتنا التعليمية والصحية والاجتماعية والإغاثية إلى جانب استجابتنا للطوارىء.
وأقول مرة أخرى لكافة لاجئي فلسطين: لن نخذلكم. إن شراكتنا معكم أقوى من أي وقت مضى. إن كرامتكم لا تقدر بثمن.
مع خالص الاحترام ،
بيير كرينبول
المفوض العام