غيب الموت، في العاصمة الفرنسية باريس، اليوم الخميس، الفنان التشكيلي الفلسطيني سمير سلامة، المولود في مدينة صفد، عن عمر يناهز 74 عاما.
سلامة الذي قال خلال زيارته الأخيرة للبلاد، خلال افتتاح معرضه الأول في فلسطين، "المعرض الاستعادي للفنان التشكيلي سمير سلامة"، في غاليري "1" بمدينة رام الله، وضم نحو 50 لوحة ضمن 150 لوحة سيتم عرضها في أربعة أماكن في مدن رام الله والقدس وبيت لحم، وتعكس مشواره في درعا، وبيروت، وباريس، وعدد آخر من المنافي، قال: ردت لي الحياة حين وجدت نفسي في فلسطين.
في أحد الحوارات المستعادة كشف سلامة عن أن زيارته الأولى لفلسطين بعد نكبة 1948، لم تكن في تسعينيات القرن الماضي، بل في عام 1960 أو 1961، "عندما تقمصنا هوية طلاب سوريين، ودخلنا إلى البلاد برحلة مدرسية وزرنا القدس، لا أذكر التفاصيل، ولكني أذكر أن بدني اقشعر عندما نزلنا في أريحا.
بعدها ذهبنا إلى رام الله وبيت لحم والخليل ونابلس، زرنا كل الضفة وعدنا إلى سوريا، هيك كانت أول زيارة.. تهريب بتهريب".
منحه الرئيس محمود عباس، وسام الثقافة والفنون والعلوم (مستوى التألق)، تقديرا لسيرته ومسيرته الثقافية والفنية، ودوره في تأسيس قسم الفنون التشكيلية والإعلام الموحد في منظمة التحرير.
انتقل سلامة، إثر النكبة مع أسرته إلى مجد الكروم في الجليل، وبعدها إلى بنت جبيل، فبيروت فدمشق، وبدأ الرسم منذ الطفولة، إلى أن دخل كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق، وأقام أول معرض له عام 1963 في المركز الثقافي في درعا، ثم أقام معرضا آخر عام 1966، أنهى دراسته الجامعية عام 1972، وانتقل إلى بيروت، حيث التحق بدائرة الإعلام الموحد التابعة لمنظمة التحرير، وأسهم طوال ثلاث سنوات في صياغة "البوستر" السياسي، استجابة لمتطلبات المرحلة.
كما شارك في حينه في معارض جماعية في بيروت، وكذلك في معارض عالمية عديدة باسم فلسطين، وأسس قسم الفنون التشكيلية في دائرة الإعلام الموحد، وأسهم في نشاطات الإطار النقابي للفنانين التشكيليين الفلسطينيين برئاسة إسماعيل شموط، الذي أصبح الأمين العام الأول لاتحاد الفنانين التشكيليين العرب.
في ربيع العام 1975 وصل سلامة الى باريس، لمتابعة دراسته العليا في كلية الفنون الجميلة "بوزار" المقابلة لمتحف "اللوفر"، وحين تسلم بطاقة إقامته اكتشف على أوراقها أن مكان ولادته صفد، وأنها مدينة في إسرائيل، فاعترض على ذلك، حتى تسلم بطاقة جديدة سقطت منها اسرائيل، لكنها عرفت جنسيته كـ"غير محدد".
إلا ان سلامة لم يتنازل، وخاض بعد ذلك بسنوات حربا، لاعتماد "صفد"/ فلسطين كمكان ولادته في جواز سفره الفرنسي، وكان ذلك سابقة مهمة نجح في تحقيقها.
بعد ان أنهى تعليمه واستقر في فرنسا، تسلم وظيفة لمدة ثلاث سنوات في مجال التصميم والغرافيك في قسم المطبوعات العربية، في مقر "اليونيسكو"، ثم عمل مدرسا لمدة ثلاث سنوات في برنامج الرسم المفتوح في جامعة "جوسيو" الباريسية، كما ساهم في تشكيل مجموعة "فنانون من أجل فلسطين".
شارك في عدد من المعارض الفنية أبرزها، أصيلة في المغرب، والقاهرة، وعمان، وغيرها من العواصم العربية، والأجنبية، وأيضا في المعارض الداخلية في المدن الفرنسية.
تعاون مع عز الدين القلق سفير فلسطين لدى فرنسا، وأنتج بتشجيعه مجموعة جيدة من الملصقات السياسية (تجدر الاشارة هنا إلى أن بعض الملصقات التي أنجزها كانت من ضمن ستين ملصقا فلسطينيا والتي عرضت في عام 2015 على جدران المركز الثقافي "Jour et Nuit" وسط العاصمة الفرنسية باريس، بتنظيم من المنتدى الفلسطيني للثقافة والإعلام في باريس، ذلك الى جانب ملصقات سليمان منصور وفتحي الغبن وناجي العلي وغيرهم من الفنانين الفلسطينيين والعالميين).
يذكر سلامة أنه قام بالتعاون مع السفير القلق ببلورة فكرة اقامة متحف للفنون، ومعرض دولي، من أجل فلسطين، الذي أقيم في بيروت بإشراف التشكيلية منى السعودي، ثم انتقل إلى طوكيو في اليابان، قبل أن يعود إلى بيروت، وتتعرض لوحاته للتدمير بفعل قصف الطيران الحربي، أثناء الغزو الإسرائيلي للبنان في حزيران 1982.
وصل سمير سلامة الى فلسطين في مطلع عام 1996، وعاد الى مسقط رأسه صفد للمرة الاولى، لكنه فشل في العثور على بيته، واستعادة تاريخ طفولته، على وقع المكان، وحكايات والده، ووالدته.
في مدينة رام الله، تسلم قرارا رئاسيا بتعيينه مستشارا في وزارة الثقافة، فعمل لمدة عامين في التصميمات الفنية لمستشفى خان يونس جنوب قطاع غزة التابع لجمعية الهلال الأحمر، قبل أن يعود إلى رام الله للإشراف على دائرة الفنون وصالة الحلاج وبعض المعارض.
تم انتدابه فيما بعد للمتابعة الفنية في مقر جمعية الهلال الأحمر في البيرة، الذي كان في طور البناء، واستمر في وظيفته برتبة مدير عام حتى التقاعد عام 2004.
في عام 2005، بعد أربعة عقود من الممارسة التشكيلية، وعشرات المعارض في المنفى، أقام سلامة معرضه الأول في فلسطين.
من جهتها، نعت وزارة الثقافة الفنان سلامة، مشيرة إلى أن الحركة الثقافية الفلسطينية عامة، والتشكيلية منها على وجه الخصوص، خسرت -برحيل سلامة- واحدا من أبرز روادها ورموزها.
ووصف وزير الثقافة إيهاب بسيسو رحيله "بالخسارة الكبيرة"، لافتا إلى أنه واحد من قامات ومؤسسي الفن الفلسطيني المعاصر، ومن أعمدة الفن الفلسطيني على المستوى العالمي.