غابت أصوات الآلات الكهربائية داخل المصنع الفلسطيني الوحيد الذي يُنتج الدفاتر المدرسية في قطاع غزة؛ بعد نفاد الكميات المتوفرة لديه من "اللفائف الورقية" التي تستخدم في صناعة تلك الدفاتر.
وينفض العاملون في مصنع "الحصان الأبيض" لإنتاج الدفاتر الغبار عن آلاته؛ في ظل توقف العمل داخله منذ نحو شهر تقريبا.
وتمنع السلطات الإسرائيلية إدخال المواد الخام اللازمة لإنتاج الدفاتر المدرسية، وأبرزها اللفائف الورقية، في إطار إغلاقها لمعبر كرم أبو سالم التجاري، جنوبي قطاع غزة منذ يوليو/ تموز الماضي.
وفي هذا الوقت من كل عام وبالتزامن مع بدء العام الدراسي الجديد، كان المصنع يعمل على مدار الساعة من أجل توفير الكميات التي يحتجاها السوق في قطاع غزة من الدفاتر المدرسية، كما يقول مدير المصنع محمد حمادة للأناضول.
وفي العادة، يبدأ المصنع العمل منذ 15 يونيو/ حزيران، حتّى بداية الأول من سبتمبر/ أيلول من كل عام؛ لتلبية احتياجات السوق.
لكن إغلاق المعبر التجاري دون إشعار التجّار في قطاع غزة، تسبب بعدم إدخال كميات احتياطية من اللفائف الورقية، ما أدى إلى عدم إنتاج أي كمية من الدفاتر المدرسية حتى الآن.
ونظراً لعدم وجود استقرار أمني في قطاع غزة، فإن صاحب المصنع يفضّل عدم الاحتفاظ بأي كميات احتياطية من اللفائف الورقية داخل مخازن مصنعه.
وسبق للمصنع أن فقد أحد أفرعه في قطاع غزة خلال الحرب التي شنّتها إسرائيل في صيف 2014، فخسر حمادة، آنذاك، نحو 3 آلاف طن من اللفائف الورقية التي كانت مخزنة داخل ذلك المصنع.
ويغطّي المصنع نحو 80 بالمائة من احتياج السوق المحلي في قطاع غزة، فيما تستورد الشركة التي تحمل الاسم ذاته (الحصان الأبيض) نحو 20 بالمائة من الدفاتر من الخارج، عبر معبر كرم أبو سالم، وفق حمادة.
وأضاف حمادة، "الدفتر لا يشكّل أي خطر على الاحتلال، لماذا أوقفوا إدخال اللفائف الورقية لتصنيع الدفاتر؟".
وتساءل حمادة، "ما ذنب الطفل الذي سيذهب إلى المدرسة نهاية أغسطس/آب الجاري، ولن يجد دفتراً يدوّن فيه؟".
ويحتاج المصنع من أجل تلبية احتياجات السوق بغزة، في حال تم استئناف إدخال اللفائف الورقية، إلى العمل على مدار الساعة ولمدة 25 يوماً متواصلاً.
وبيّن حمادة، أن إغلاق معبر كرم أبو سالم، ساهم في رفع نسبة البطالة، وإغلاق العشرات من المصانع.
وبسبب توقف العمل داخل المصنع، حُرم نحو 40 عاملاً فلسطينياً يعملون فيه من مصدر رزقهم الوحيد، وفق حمادة.
وقال "كل عامل داخل المصنع يعيل من 4-5 أشخاص، كيف سيلبي هؤلاء العمال احتياجات أسرهم بعد توقف العمل؟"
ويحتاج مصنع الدفاتر سنوياً من 2500 إلى 3 آلاف طن من اللفائف الورقية، من أجل تغطية احتياجات السوق من الدفاتر المدرسية.
وبدأ مصنع "الحصان الأبيض" بالعمل في إنتاج الدفاتر الورقية بقطاع غزة في 2003، بعد أن كان يستوردها منذ 1992.
وكانت جمعية رجال الأعمال الفلسطينيين، أعلنت في بيان سابق، عن توقّف أكثر من 95 بالمائة من مصانع قطاع غزة ومنشآته الإنتاجية؛ بسبب استمرار إغلاق إسرائيل للمعبر التجاري، منذ أكثر من شهر.
وأوضحت الجمعية أن حوالي 75 ألف عامل فقدوا أعمالهم، بسبب إغلاق المعبر.
منع إدخال القرطاسية
تمنع السلطات الإسرائيلية، في إطار إغلاقها لمعبر كرم أبو سالم، القرطاسية التي يحتاجها أطفال غزة خلال عامهم الدراسي، من الدخول إلى القطاع.
ويوضح حمادة، أن نحو 15 شاحنة محمّلة بالقرطاسية المدرسية وصلت الموانئ الإسرائيلية، من 20 يوليو/ تموز الماضي، لكن السلطات الإسرائيلية تمنع دخولها.
وعبّر عن آماله في إعادة فتح معبر كرم أبو سالم، من أجل إدخال القرطاسية المدرسية لأطفال غزة، وإلا فإن أزمة القطاع تتفاقم بسبب إغلاق المعبر.
تحديات حقيقية
تتوقع وزارة التربية والتعليم في قطاع غزة، أن يواجه العام الدراسي الجديد (2018-2019)، تحديات حقيقية في حال استمر إغلاق معبر كرم أبو سالم.
وقال معتصم الميناوي، مدير عام الإدارة العامة للعلاقات الدولية والعامة التابعة للوزارة، إن الأزمة المتوقعة قد تبدأ بالقرطاسية وتنتهي بتمكّن الطالب من الجلوس على مقعده الدراسي.
ويوضح الميناوي، أن إغلاق المعبر من شأنه أن يضع "الوزارة أمام منحنى خطير قد يؤدي إلى عدم تمكنها من بدء العام الدراسي بشكل مناسب".
ويبلغ عدد الطلبة الذين يلتحقون بالمدارس التابعة للوزارة بغزة حوالي 250 ألف طالب وطالبة، فيما يبلغ إجمالي الطلبة بغزة (مدارس حكومية أو تلك التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا") نحو نصف مليون طالب وطالبة".
ومن المقرر أن تفتتح الوزارة العام الدراسي الجديد في 25 أغسطس/ آب الجاري.
ويبين الميناوي، أن كافة مستلزمات قطاع التعليم من قرطاسية وأرواق تدخل عبر معبر كرم أبو سالم؛ المغلق حالياً.
كما تعاني المطابع التي تلتزم مع الوزارة لطباعة الكتب المدرسية بشكل سنوي من عجز في الأوراق والمحابر والأصباغ، وفق الميناوي.
وتابع: "هناك عجز كبير في أوراق الطباعة والأصباغ والمحابر والقرطاسية بشكل عام، وهناك تأخر كبير سيطرأ على تسلم الطلبة للكتب ولا ندري متى ستفرج الأزمة، ومتى سيتم تسليم هذه الكتب".
وبشكل سنوي، تستلم الوزارة الكتب المدرسية الجديدة قبل نحو أسبوع من بدء العام الدراسي.
فيما سيمنع إغلاق المعبر من دخول أعداد كبيرة من الكتب الدراسية إلى قطاع غزة بحسب الميناوي، داعياً إلى تحييد مستلزمات قطاع التعليم من منع إدخال السلع لغزة.
وأضاف مستكملاً: "الأزمة هذه ستعاني منها المدارس الحكومية ومدارس الأونروا بالتزامن".
من جانب آخر، فإن إغلاق المعبر سيتسبب بمنع إدخال الأقمشة اللازمة لحياكة الزي المدرسي، ما يؤثر سلباً على بدء العام الدراسي، كما قال الميناوي.
وسيؤثر إغلاق المعبر بدوره على توفير المواد الكيميائية اللازمة للمختبرات المدرسية العلميْة ما قد يتسبب بحرمان الطلبة من تلك الحصص.
وسيطال العجز في المدراس، هذا العام في حال استمرار إغلاق المعبر، وفق الميناوي، المواد التنظيفية ما قد يتسبب بتحويل المدارس إلى بيئة غير آمنة للأطفال.
و"كرم أبو سالم"، هو المعبر التجاري الوحيد لغزة، ومن خلاله يتم إدخال مواد البناء والسلع والمحروقات والمواد الغذائية التي يحتاجها القطاع، أغلقته إسرائيل في 9 يوليو/ تموز الماضي.
وتهدف إسرائيل من ذلك إلى الضغط على الفلسطينيين لوقف الطائرات الورقية الحارقة التي يطلقها ناشطون فلسطينيون باتجاه المستوطنات المحاذية لغزة، منذ نهاية مارس/آذار الماضي، ما أسفر عن احتراق آلاف الدونمات الزراعية (الدونم= ألف متر مربع).
وتفرض إسرائيل حصارا بريا وبحريا على قطاع غزة منذ فوز حركة "حماس" بالانتخابات البرلمانية 2006، وشددته عقب سيطرة الحركة على القطاع كليا 2007.