رام الله الإخباري
تشترك يونيس سيوافي Eunice Sewaphe مع حوالي 15 مليون شخص جنوب إفريقي في عدم امتلاكها لعنوان محدد، حيث يقع منزلها المكون من غرفتين في قرية تسمى ريليلا Relela، في منطقة التلال الخضراء في مقاطعة ليمبوبو على بعد خمس ساعات بالسيارة شمال شرق مدينة جوهانسبرج Johannesburg الجنوب إفريقية، وفي حال قمت بزيارة Relela، فقد تجد أن القرية تفتقر إلى العديد من الأشياء مثل الصرف الصحي المعاصر والطرق اللائقة والكهرباء الموثوقة، وذلك إلى جانب افتقارها إلى أسماء للشوارع أو أرقام للمنازل.
وتعد مسألة العيش خارج الخريطة مشكلة كبيرة بالنسبة ليونيس، حيث أنه من الصعب عليها الحصول على حساب مصرفي، ومن الصعب عليها تسجيل نفسها من أجل التصويت في الانتخابات، كما يصعب عليها التقدم بطلب للحصول على وظيفة أو حتى تلقي رسالة، ومع ذلك، فإن هذه المخاوف المستمرة في الوقت الحالي تتفوق عليها مخاوف أخرى أكبر، إذ إنها حامل في شهرها التاسع.
ولا تعرف يونيس كيف ستصل إلى المستشفى من دون عنوان، حيث يقع أقرب مستشفى لها في بلدة تزانين Tzaneen على بعد 40 دقيقة بالسيارة، وقد تحتاج إلى سيارة إسعاف، ولكن بما أنه لا يمكن لسيارة الإسعاف العثور على منزلها بدون عنوان، فإن ذلك يعتبر مشكلة كبيرة، وتحدث الدكتور كوني لوو Dr Coenie Louw، الرئيس الإقليمي لمنظمة Gateway Health الخيرية، التي تهتم بتحسين إحصاءات الوفيات عن تفاؤله بالتطور من أجل إحداث تغيير، حيث يقول: “إذا لم أكن أعرف مكانك، فلا يمكنني مساعدتك”.
ويضيف الدكتور أنه لا يمكن لخرائط جوجل أن تقدم مساعدة تتعدى الوصول إلى مدخل القرية، وأكمل حديثه قائلًا: “حاولنا القيام بشيء عن طريق تقنية التثليث بين ثلاثة أبراج لتغطية الهواتف الخلوية، لكنها غير موثوقة”، وأثناء البحث عن حلول أخرى صادف الدكتور كوني لوو شركة بريطانية ناشئة مع تقنية مبتكرة قادرة بشكل دقيق على حل مشكلة كيفية عثور سيارة الإسعاف على يونيس سيواف.
وتدعى هذه التقنية what3words، وهي عبارة عن نظام ترميز جغرافي للتواصل مع الأماكن الجغرافية بدقة تصل إلى ثلاثة أمتار، حيث تعمل الشركة على تشفير الإحداثيات الجغرافية وتحويلها إلى ثلاث كلمات من القاموس، إذ قام مؤسسو What3words قبل خمس سنوات بتقسيم كامل سطح الكوكب إلى شبكة من المربعات، كل مربع بقياس 3 أمتار في 3 أمتار، مما يعني وجود 57 مليار من هذه المربعات، ويشير كل مربع منهم إلى عنوان فريد من خلال ثلاث كلمات.
ولاختبار النظام جرى محاولة الوصول إلى منزل يونيس، حيث أعطى النظام المنزل عنوان مكون من ثلاث كلمات هي “irrigates.joyful.zipper”، وتم إدخال الشفرة في تطبيق للهاتف، مما سمح للتطبيق بإسقاط دبوس على نظام رسم الخرائط التقليدي، وبمجرد مغادرة الطريق السريع الرئيسي، أشار نظام تحديد المواقع العالمي GPS إلى “طريق غير معروفة”، ولكن على الرغم من ذلك، وبعد العديد من الالتفاف والانعطاف، فإنه كان دقيقًا، وكان من الممكن الوصول إلى منزل يونيس من خلال عبارة “irrigates.joyful.zipper”.
وتعد تقنية what3words فكرة كريس شيلدريك Chris Sheldrick، وهو مواطن من سكان الريف في مقاطعة هيرتفوردشاير في جنوب إنجلترا، والذي يعرف جيدًا ما معنى افتقارك لعنوان محدد، حيث تم تطوير هذا النظام بشكل شخصي للتعامل مع مشكلة محددة تسببت في مضايقة كريس الذي بدأ حياته كموسيقي، ثم أنشأ شركة أعمال لتنظم الاحتفالات الموسيقية والمهرجانات في جميع أنحاء العالم، وبالرغم من ظهور خرائط جوجل، إلا أنه واجه مشكلة عصفت بنشاطه التجاري، حيث كان بحاجة إلى نظام عنونة أفضل بعد معاناته من فقدان الأجهزة الموسيقية وعدم ايجاد الفرق للأماكن المحددة.
واستعان كريس شيلدريك بشخص كانت مهمته الوحيد توجيه الفرقة من خلال الهاتف إلى مكان الحفل الصحيح، ومن ثم استعان بإحداثيات نظام تحديد المواقع العالمي GPS، لكنه واجه مشكلة في ذلك أيضًا، واعتقد شيلدريك أنه يجب أن تكون هناك طريقة أفضل، وبالنظر إلى الوراء، يقول كريس إن “الشيء الأساسي الذي كنا نحاول حله مع what3words هو كيفية تحويل 15 رقمًا من خطوط الطول والعرض إلى شكل أكثر قابلية للنقل”.
وكان التقدم في رسم خرائط الأقمار الصناعية والملاحة يعني أنك لن تفقد طريقك أبدًا، ولكن في كثير من الأحيان لم تكن تصل إلى المكان المناسب، وأدركت شركات مثل جوجل و TomTom هذه المشكلة، ولكن الحل الذي وضعته كان رمزًا أبجديًا رقميًا يتكون من تسعة أحرف، وبالنسبة لكريس كان من الواضح أن هذا الأمر صعب، إذ عندما يسألك شخص ما حول المكان الذي عشت فيه، سيكون الأمر أشبه بمحاولة تذكر كلمة مرور جهاز توجيه الشبكة اللاسلكية الخاص بك، وفي هذه المرحلة ظهرت فكرة ثلاث كلمات.
وأثبتت الرياضيات أنه مع وجود 40 ألف كلمة ضمن القاموس فإنه من الممكن إيجاد 64 مليار تركيب لغوي فريد من نوعه، وهو ما ساعد الشركة التي لديها 57 مليار مربع، حيث استغرق تطوير الخوارزمية من كريس وأصدقائه جاك والي-كوهين وموهان غانسالينغهام ستة أشهر من العمل المتواصل، وبعد انتهاء عملية رسم الخريطة المبدئية بالكامل، تم إدراج خوارزمية تصحيح الأخطاء، ومن ثم كان هناك مسألة اللغة، وباستخدام فريق من اللغويين فإن الخدمة متاحة في الوقت الحالي عبر عشرات اللغات من العربية إلى الزولو.
كما نمت الشركة وازداد عدد الموظفين من 3 إلى حوالي 70 موظفًا بدوام كامل، ويعتبر التحدي الآن هو تثقيف العالم حول نظامهم، ويقول شيلدريك: “من الواضح أننا نهدف إلى أن نكون معيارًا عالميًا”، وتحقيقًا لهذه الغاية، وقعت الشركة مؤخرًا اتفاقات ترخيص مع شركات بما في ذلك مرسيدس، والتي تستخدم النظام في سيارات الفئة A مع خدمة التنشيط الصوتي، بالإضافة إلى شركة TomTom، والتي سوف تدمج الأوامر المكونة من ثلاث كلمات في منصات الملاحة الخاصة بها.
كما تقدم هذه التقنية حلًا جاهزًا للعديد من البلدان التي تفتقر إلى أي نوع من أنواع أنظمة العنونة العالمية، حيث وقعت عشرات الحكومات والخدمات البريدية عقودًا مع الشركة، بما في ذلك منغوليا ونيجيريا وساحل العاج وتوفالو، ويقول شيلدريك: “إذا فكرت في العناوين، فبعضها منذ قرون مضت، وبعضها من الأسبوع الماضي، لكن هناك أيضاً الكثير من الأماكن التي ليس لديها عنوان رسمي، ويمكن أن يشمل ذلك دولًا بأكملها مثل منغوليا التي لم تعرف أي شيء آخر غير استخدام الاتجاهات، وتبعًأ لتوافر الأجهزة المحمولة فإن هناك فرصة حقيقية لتخطي نظم العناوين التقليدية”.
ويشاهد كريس التقدم البطيء لفكرته في أدلة السفر وتواقيع البريد الإلكتروني ونماذج الحجز ضمن شركة Airbnb، وقد أثبتت التكنولوجيا بشكل فعلي أنها لا تقدر بثمن في مناطق الكوارث ومخيمات اللاجئين، ويعتقد الدكتور كوني لوو أن الأمر يحتاج إلى نموذج تجريبي فعلي، وتتمثل استراتيجيته في استخدام قرية Relela كمخطط تجريبي لتقنية what3words، وذلك لإظهار تأثيرها الإيجابي، واستخدام دراسة الحالة هذه لمحاولة إقناع الحكومات الإقليمية والوطنية باعتماد نظام العناوين كمعيار قياسي.
ويقول الدكتور كوني لوو إن هناك 139 قرية مثل Relela في هذه المنطقة، ولكن بمجرد قيام Relela بوضع نفسها ضمن نظام العنونة العالمي هذا، فإن القرى المجاورة قد تتبعها، وهناك حوالي 4 مليارات شخص في جميع أنحاء العالم بدون عنوان، وليس لديهم طريقة للإشارة إلى منازلهم، وقد تساعد هذه التكنولوجيا في وضعهم على الخريطة من خلال ثلاث كلمات فقط.
البوابة العربية للأخبار التقنية