عاموس جلعاد يكشف: إسرائيل كانت صاحبة فكرة إدخال الكتائب اللبنانية إلى صبرا وشاتيلا

عاموس جلعاد يكشف: إسرائيل كانت صاحبة فكرة إدخال الكتائب اللبنانية إلى صبرا وشاتيلا

رام الله الإخباري

على مدار 36 عاماً منذ الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وتنفيذ مذبحة مخيمي صبرا وشاتيلاللاجئين الفلسطينيين بين 16 و19 سبتمبر/ أيلول 1982، اختبأت دولة الاحتلال وراءالتقرير الرسمي للجنة كوهين، التي حققت في المجزرة وادعت في نهاية التحقيق أن مسؤولية إسرائيل عن المجزرة غير مباشرة، وأن المسؤولية الشخصية التي يتحملها كل من وزير الأمن آنذاك، أرييل شارون، ورئيس أركان الجيش، رفائيل إيتان، اللذين أوصت اللجنة بإقصائهما عن منصبيهما، تتمثّل في كونهما لم يمنعا وقوع المجزرة، وأنه كان على الاستخبارات العسكرية أن تتوقع حدوث الجريمة، وبالتالي العمل على منعها. لكن، بعد 36 عاماً، كسر الجنرال المتقاعد عاموس جلعاد، الذي مثل في حينه أمام لجنة التحقيق، صمته، وكشف أن فكرة إدخال مقاتلي مليشيا حزب الكتائب اللبناني "لتنظيف مخيمي صبرا وشاتيلا من الفدائيين"، كانت كلها "فكرة إسرائيلية". اعتراف ينسف عملياً كل الادعاءات الإسرائيلية بأن المذبحة كانت من صنع "الكتائب" حصراً، وأن الدور الإسرائيلي اقتصر على السكوت عن المذبحة خلال تنفيذها، بالرغم من أن جنود الاحتلال أكدوا في شهادات لهم أنهم رفعوا تقارير عن سماع الرصاص في المخيمين خلال تنفيذ الجريمة التي أدّت إلى مقتل مئات الفلسطينيين، تتراوح التقارير بشأن عددهم بين الـ800 والـ3 آلاف ضحية. 


وكان جلعاد قد قال للجنة كوهين إنه حذّر، باعتباره ملحقاً بالاستخبارات العسكرية "أمان" في قوات الاحتلال في لبنان، من أن الكتائب قد ترتكب مذبحة ضد المدنيين الفلسطينيين.
وجاءت الاعترافات الجديدة لجلعاد في مقابلة مطوّلة امتدت على سبع صفحات مع الصحافي المخضرم في "يديعوت أحرونوت" شمعون شيفر، الذي كان قد وضع كتاباً عن الغزو الإسرائيلي للبنان سماه "كرة الثلج"، متلاعباً بالاسم الذي أطلقته حكومة الاحتلال على عملية الغزو وهو "سلامة الجليل" وبالعبرية شيلغ (التي تعني أيضاً الثلج). وبحسب عاموس جلعاد، فإنه تم إيفاده إلى لبنان ملحقاً في سلاح الاستخبارات العسكرية "أمان" خلال الأيام الأولى للاجتياح، وهناك كان شاهداً على لقاءات حصلت بين قادة "الكتائب"، بمن فيهم الرئيس اللبناني الأسبق بشير الجميل، الذي يصفه جلعاد بـ"المتعجرف"، وبأحد أمراء الحرب إيلي حبيقة، القيادي في "القوات اللبنانية" (المولودة من رحم الكتائب في حينها)، وكبار مسؤولي الكتائب مع قادة جيش الاحتلال.

وفي إحدى المرات، قبيل وقوع المجزرة، وهو لا يحدد موعداً محدداً، لكن يبدو أنه عشية ارتكابها، أُرسل للمشاركة في لقاء في إحدى الفيلات التي كان يملكها مواطن كويتي كان قد عاد إلى بلده مع بدء الاجتياح الإسرائيلي للبنان، لحضور لقاء بين قادة الجيش الإسرائيلي وبين ممثلي "الكتائب". لكن نائب قائد القوات الإسرائيلية في الموقع رفض السماح له بالدخول، بسبب تقاريره السابقة ضد تقديرات الموساد والجيش، وموقفه المعروف ضد التعاون مع "الكتائب". 

لكن جلعاد التقى على الرغم من ذلك بقائد المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي الجنرال أمير دروري الذي جاء برفقة الكولونيل موشيه تسوريخ. وفي تلك اللحظة قال تسوريخ لجلعاد: "لدينا فكرة عبقرية: سنُدخل قوات الكتائب لتعالج أمر الإرهابيين الفلسطينيين في مخيمي صبرا وشاتيلا، لماذا نعرض حياة جنودنا للخطر؟". ويقول جلعاد: "لكنني صرختُ بأعلى صوتي: هل جننتم؟ الكتائب تعني إيلي حبيقة، سيقود هذا إلى مذبحة، ستكون مذبحة لا محالة، كما أنني لست متأكداً أن هناك مخربين. الموجودون هناك هم نساء وأطفال سيتم قتلهم". يذكر أنه حينها، كانت منظمة التحرير قد وافقت عبر وساطة فيليب حبيب على الخروج من لبنان وإخراج قواتها بشرط ضمان أمن المدنيين الفلسطينيين. ويتابع جلعاد: "نظر إليّ الجنرال دروري ولم يقل كلمة واحدة، فصرختُ مجدداً، عندها قال دروري لتسوريخ: علينا أن نذهب، وغادرا المكان، وقد أوردت نص هذه المحادثة عندما مثلت أمام لجنة كوهين للتحقيق في مجزرة صبرا وشاتيلا".
ويكمل جلعاد روايته في "يديعوت أحرونوت" قائلاً: "بعد ذلك بساعة أو ساعتين، سمعت نائب قائد القطاع للقوات الإسرائيلية في لبنان يكرر تقريراً تلقاه عن وقوع مجزرة في المخيمين. وقد تبين لي لاحقاً (وبأثر رجعي) أنه تم لغاية ذلك الوقت قتل 300 شخص، بمن فيهم النساء والأطفال، وشعرت بالنيران تحرق دماغي، كان شعوري فظيعاً، وأدركت أن ما قلته للجنرال لم يترك لديه أي أثر". 

وإلى جانب الكشف عن هذه المحادثة التي جرت بينه وبين الجنرال دروري، فإن جلعاد ينتقد في المقابلة، بشكل عنيف، دور الموساد في لبنان، وهو الذي كان مسؤولاً عن العلاقات بين دولة الاحتلال وبين "الكتائب"، معتبراً أن الموساد وقادة الجيش لم ينقلوا الصورة الحقيقية لما يحدث ميدانياً إلى الحكومة، مثل نقل "الموساد" تقارير غير صحيحة عن هجمات من القوات السورية ضد قوات "الكتائب"، وذلك بهدف حث رئيس الحكومة الإسرائيلي مناحيم بيغن آنذاك، على إعطاء أوامر للاشتباك مع القوات السورية لحماية المسيحيين، إذ اعتمد بيغن عقيدة "الرابط المشترك بين إسرائيل والموارنة" كأقليات في محيط إسلامي، وآمن بفكرة "حلف الأقليات".


وحتى نشر المقابلة مع عاموس جلعاد، فقد شكل الادعاء بأن رئيس الحكومة في حينها، مناحيم بيغن، وقع ضحية عملية تضليل من قبل شارون في كل ما يتعلق بالأحداث الميدانية في لبنان، عنصراً أساسياً في محاولات تبرئة ساحة بيغن وحكومته من المسؤولية عن جرائم صبرا وشاتيلا، وعن الحرب في لبنان برمتها. ويفيد هذا الادعاء بأن عمليات التضليل والمراوغة التي اتبعها شارون مددت عمر حملة "سلامة الجليل"، بحسب اسمها الإسرائيلي الرسمي، التي كان يفترض أن تدوم لـ48 ساعة فقط وأن تشمل بين 40 أو 45 كيلومتراً داخل الأراضي اللبنانية، وورط الحكومة والدولة في تل أبيب في الوحل اللبناني لسنوات طويلة. وكان هذا الادعاء مقصوراً على توجيه أصابع الاتهام إلى شارون دون غيره. أما اليوم، وبعد 36 عاماً على اجتياح لبنان، فإن جلعاد يضيف علناً، ولأول مرة، "الموساد" كطرف مساهم في عملية التضليل، وفي نقل معلومات غير دقيقة وغير صحيحة إلى تل أبيب، لإرغام رئيس الحكومة بيغن على اتخاذ قرارات بتوسيع نطاق العمليات الحربية في لبنان. وكان الهدف من ذلك يتصل بما يعرف إسرائيلياً بـ"خطة أورانيم"، التي وضعت قبل اجتياح لبنان، وهدفت إلى شن عدوان عسكري يكفل إخراج الفدائيين الفلسطينيين من لبنان، ودفعهم باتجاه الأردن، لتصبح المملكة "دولة فلسطينية" وفق شعار "الليكود" التاريخي. بعد ذلك، كان المأمول إسرائيلياً أن تقبل الكتائب بتنصيب رئيس يوافق على توقيع اتفاق سلام منفرد مع الدولة العبرية، يكون مكملاً لمعاهدة السلام مع مصر، كامب ديفيد. وبالفعل فقد أعلن عن توقيع اتفاق كهذا برعاية أميركية عرف باتفاق 17 أيار 1983، زمن الرئيس أمين الجميل (شقيق بشير). لكنه اتفاق سرعان ما انهار تحت ضغط الرفض الشعبي اللبناني له.

واللافت في اعترافات جلعاد هو كونه أول مسؤول عسكري إسرائيلي يحمل بشدة على "الكتائب"، ولا يعتبر أنهم حلفاء بقدر ما يعتبر أنهم "استغلوا" دولة الاحتلال لتنفيذ غاياتهم وتوريطها، لأنهم في واقع الحال لم يملكوا قوة عسكرية فعلية قادرة على تنفيذ مشروعهم. ويكشف جلعاد عن لقاءات عقدها قبل غزو لبنان كذلك مع الرئيس اللبناني الأسبق كميل شمعون (تولى الرئاسة بين 1952 و1958). كما يشير إلى لقاء بين شارون وبشير الجميل، ويقول في هذا السياق: "كنت شاهداً على لقاء مثير بين شارون وبشير، شاهداً صامتاً، لم يسمح لي بالحديث وقال شارون له (لبشير): "آن الأوان لأن تقوم بما هو ملقى على عاتقك، أي تغيير الواقع في لبنان، لا أعرف عن أي مستوى تحدث شارون من حيث التغيير المطلوب من بشير الجميل، ولكن فهمت أن المقصود الوصول إلى وضع دولة توقّع معنا اتفاق سلام، وإذا ببشير، هذا الوقح، يقول لشارون باللغة الإنكليزية: لا أستطيع ذلك، أريد أن أكون رئيساً لكل اللبنانيين. سأذكر ذلك حتى آخر يوم أكون فيه صافي الذهن، لقد كان ذلك بمثابة صدمة كهربائية لي. فقد قال عملياً لشارون كل نظرياتكم مخطئة".

وفيما سكت الإسرائيليون عن دور الموساد في غزو لبنان وتنمية العلاقات مع الكتائب، فإن جلعاد، الذي على ما يبدو ساءت علاقته بالموساد آنذاك، يقول إن الموساد آمن بالعلاقة مع الكتائب، ويقول لـ"يديعوت" عن هذا الموضوع: "لن أنسى ذلك، كنا في خضم الحرب عندها، في أفرع الموساد في بيروت، وكان أحد المسؤولين عن العلاقة مع الكتائب صديقاً لبشير وقال لي: انظر إلى علاقتنا الممتازة مع الكتائب، لقد طلب قائد العمليات في الجيش من الكتائب أن يفتحوا النار على امتداد الخط الفاصل بين بيروت الشرقية وبيروت الغربية وقد فعلوا ذلك". وعندما فحصتُ الأمر أرسلت تقريراً يقول: "وفقاً لقواتنا، فإن الكتائب فتحت نيراناً قوية على امتداد الخط الأخضر في بيروت، وفي الواقع هناك نيران متقطعة". واعتمد جلعاد هذه الحادثة للتدليل على صحة استنتاجه بأن الكتائب، بحسب رأيه، أوقعت إسرائيل بالفخ واستدرجت إسرائيل من أجل إخراج القوة العسكرية للفلسطينيين من لبنان، لافتاً إلى لقاء له بهذا الخصوص مع بيار الجميل (مؤسس الكتائب) الذي قال صراحة "إننا نحتاجكم لإخراج الفلسطينيين، لكننا دولة عربية ولن نوقع معكم أي اتفاقية سلام".

ومع أن جلعاد أكد أن فكرة إدخال الكتائب جاءت من الكولونيل موشيه تسوريخ وأنه حذّر من ذلك أمام الجنرال أمير دروري، مؤكداً اعتقاده بعدم وجود مقاتلين في مخيمي صبرا وشاتيلا، إلا أنه رغم ذلك، ادعى في نهاية المقابلة مع "يديعوت"، أن من يتحمّل المسؤولية عن المذبحة هي "الكتائب"، بينما تتحمل إسرائيل "مسؤولية غير مباشرة" فقط. ويُعتبر عاموس جلعاد من أبرز الشخصيات المعروفة بإسرائيل في المجال الأمني والعسكري، وقد شغل بعد دوره في الاجتياح الإسرائيلي للبنان مناصب رفيعة في جيش الاحتلال، كان أبرزها رئاسة الطاقم السياسي والأمني في وزارة الأمن، ورئاسة قسم الأبحاث في الاستخبارات العسكرية "أمان" وتنسيق أعمال حكومة الاحتلال في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، ومستشاراً عسكرياً لإسحاق رابين، وأخيراً، اليوم، مديراً لمركز الدراسات الاستراتيجية والسياسيات التابعة لهرتسليا، ورئيس مؤتمر هرتسليا للمناعة القومية.

العربي الجديد